خطة ترمب لغزة... هل تبدد ذرائع الحوثيين في تحدي الغرب؟

دروس من غزة

رويترز
رويترز
ترمب ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يلتقطان صورة في قمة زعماء العالم لإنهاء حرب غزة، في شرم الشيخ، مصر، 13 أكتوبر 2025

خطة ترمب لغزة... هل تبدد ذرائع الحوثيين في تحدي الغرب؟

بعد إعلان إسرائيل من جهة وحركة "حماس" من جهة أخرى موافقتهما على خطة الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، لإنهاء الحرب في في قطاع غزة، وبدء تنفيذ المرحلة الأولى من تلك الخطة، يفترض من الناحية النظرية، وقد أعلن أصحاب الشأن الفلسطيني أنفسهم قبول خطة ترمب، أن لا تظل لجماعة الحوثيين حجة في استمرار هجماتها وتحرشها بالمصالح الغربية في المياه الدولية، لكن الواقع يقول شيئا آخر، فبعد إطلاق مبادرة الرئيس الأميركي هاجم الحوثيون في خليج عدن السفينة الهولندية "مينر فاغراخت" ما أدى إلى مقتل أحد بحارتها، وذلك بدعوى ارتباطها بإسرائيل.

زعم المتحدث العسكري باسم الجماعة أن السفينة "تعرضت لإصابة مباشرة وأنها توشك على الغرق بإذن الله"، الأمر الذي دانته الحكومة الهولندية بشدة واعتبرته دليلا على أن الحوثيين "لا يزالون يشكلون خطرا على سلامة الملاحة البحرية"، فيما يرى آخرون في ذلك "رفضا صريحا" لخطة ترمب من قبل الجماعة وموقفا ثابتا إزاء ما يعتبرون أنها "خطة مفخخة" مصممة لتصفية القضية الفلسطينية ومحاولة إسقاط دول وشعوب المنطقة في خانة التطبيع، ما يفرض عليهم حربا مفتوحة حتى "زوال إسرائيل" وغير ذلك من المقولات الخمينية والخامنئية المعروفة، ومستلهمين ذلك أيضا من مواقف بعض الأطراف داخل الفصائل الفلسطينية المرتبطة بإيران (مثل "حماس" و"الجهاد" وحتى "الجبهة الشعبية") التي قالت في بيان مشترك لها إنها ترفض بشدة "أي نوع من الوصاية الأجنبية" على قطاع غزة وإن "تحديد شكل إدارة القطاع شأن فلسطيني داخلي"، مؤكدة على "مواصلة المقاومة بكل أشكالها حتى تحقيق حقوقنا كاملة" وفق ما ورد في نص البيان.

كما أكد القيادي في "حماس"، حسام بدران، أن "نزع سلاح "حماس" أمر غير وارد أو قابل للنقاش" وهذا مطلب إسرائيلي رئيس لوقف الحرب، وإن كان يمثل البند الأكثر إشكالية وغير محسوم في اتفاق وقف الحرب في غزة حتى الآن، كما أضاف القيادي في "حماس" أن "الحركة سترد على أي هجوم إسرائيلي إذا ما استؤنفت الحرب في غزة" على حد تعبيره.

كان ترمب قد توعد الحوثيين باستئناف الحملات العسكرية ضدهم في حال استمر التعرض للسفن العابرة في البحار المحيطة لليمن

كان ترمب قد توعد الحوثيين باستئناف الحملات العسكرية ضدهم في حال استمر التعرض للسفن العابرة في البحار المحيطة لليمن وذلك، كما قال، على نحو أسوأ من تلك الحملة الجوية والبحرية واسعة النطاق التي شنها الجيش الأميركي على مناطق سيطرة الحوثيين خلال الفترة من (15 مارس/آذار–6 مايو/أيار 2025) التي توقفت بموجب اتفاقِ هدنة هش وغامض وغير مكتوب لم يشمل هجمات الحوثيين على إسرائيل.

من الأرجح أن لا يحتاج ترمب إلى تصعيد جديد مع جماعة الحوثيين في وقت يحاول التركيز أكثر على تنفيذ خطته في غزة، ومن غير المستبعد أن لا يكون رده مؤجلا أو مرتبطا بتطور مسار الأحداث بين إسرائيل والفلسطينيين في حال خرق الحوثيون الهدنة معه على نحو يربك تنفيذ خطته التي تحظى بقبول شبه عالمي ولم يتحفظ عليها أحد غير طهران.

هل يستوعب الحوثيون ما جرى؟

يتعين على الجماعة، وهي تشاهد على شاشات التلفزة والصحافة العالميتين، أهوال الخراب والدمار الذي خلفته الحرب الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزة، أن تفهم الدرس جيدا، وأن تتعلم منه الكثير من العِبَر، وأنها قد تكون في مواجهة ذات الكارثة إذا أصرت على السير في ذات الطريق، طريق المغامرة والاندفاع نحو مواجهة غير متكافئة بزعم نصرة غزة، فاليوم يتحدث خبراء كثيرون في الشرق الأوسط والولايات المتحدة عن أنه لا حل مع جماعة الحوثيين سوى بالتدخل العسكري، وأن أمرا كهذا قد لا يحتاج إلا إلى خطأ ترتكبه جماعة الحوثيين لإفساد الزخم الذي وفرته خطة ترمب بشأن غزة أيا كانت الملاحظات والتحفظات عليه.

أ.ف.ب
حطام متناثر على رصيف تحميل بعد يومٍ من الغارات الإسرائيلية على ميناء مدينة الحديدة اليمنية في 21 يوليو 2024

صحيح أننا لا نعلم، على وجه الدقة، الكثير عن حجم الدمار الذي ألحقته هجمات القوات الأميركية والإسرائيلية على البنى التحتية والسكنية في المناطق التي تخضع لسيطرة الحوثيين،  وما إذا كان الدمار يقترب بهذا القدر أو ذاك مما نراه في قطاع غزة، لكنه لا شك باهظ ومكلف، وينتشر على مساحات واسعة في البلاد بخلاف قطاع غزة المحاصر في نحو ثلاثمئة وستين كيلومترا مربعا، كما أن تدمير معظم المنشآت الحيوية ألحق الكثير من الضرر بحياة ما لايقل عن سبعة ملايين إنسان يعيشون في مناطق سيطرة الحوثيين، وهذا باستثناء الفارق في عدد الضحايا بين غزة والمناطق التي تسيطر عليها جماعة الحوثيين.

يتعين على الجماعة، وهي تشاهد على شاشات التلفزة والصحافة العالميتين، أهوال الخراب والدمار الذي خلفته الحرب الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزة، أن تفهم الدرس جيدا، وأن تتعلم منه الكثير من العِبَر

غياب الإعلام في اليمن

لا بد أن التغطية الإعلامية المكثفة في قطاع غزة وانتشار شبكات متعددة من المراسلين، والتغطية الحية والمباشرة طوال شهور الحرب الأربعة والعشرين ساهم في الكشف عن حجم مأساة القطاع، وهذا بخلاف ما حدث في اليمن، حيث فرض الحوثيون تعتيما شديدا على مواقع ونتائج الغارات الأميركية والإسرائيلية حتى لا "يوفر ذلك خدمة للعدو" وما تسرب من مقاطع مصورة لتلك الهجمات التقطها أناس عاديون وهواة تعرض بعضهم للملاحقة والاعتقال. 

ترامب كشف عن أن الإيرانيين أبدوا رغبة في العمل من أجل السلام، لكنه قال إن "الهجوم على إيران كان خطوة مهمة ساهمت في التوصل إلى اتفاق غزة" وهو حديث اعتبرته طهران غير تصالحي، ويعني أن المواقف بين واشنطن وطهران لا تزال غير متقاربة بل متضاربة وغير واضحة تماما بشأن مستقبل غزة، وأن الكثير من الجمر لا يزال تحت الرماد وقابلا للاشتعال في أي لحظة.

رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي وجد في خطة ترمب، كما يرى كثيرون، عربا وإسرائيليين، مخرجا مفصلا على مقاسه لإخراجه من مأزقه في غزة واستعادة بقية المحتجزين الإسرائيليين لدى "حماس"، قال من جانبه إنه بعد اتفاق غزة "لا تزال إسرائيل تواجه تهديدات من جبهات عدة أخرى في المنطقة" ولم يُقل من قبل إيران فقط ولكن المؤكد أنه كان يلمح إلى الحوثيين الموالين والمتحالفين معها في اليمن.

هل يمكن أن يكون اليمن جزءا من خطة ترمب؟

وفق ما كرره ترمب ومقربون منه ومسؤولون في إدارته بأن خطة الرئيس الأميركي تتجاوز إنهاء الحرب وإحلال السلام في غزة إلى "ازدهار الشرق الأوسط" أو كما قال المبعوث الخاص لترمب، ستيف ويتكوف "إلى تغيير وجه العالم والتاريخ" وهنا يبرز السؤال عن الموقع الذي يمكن أن يحتله كل من لبنان واليمن، وهما البلدان الأكثر تضررا من الحرب في غزة طوال نحو أربعة وعشرين شهرا؟

أ ف ب
الدخان يتصاعد فوق صنعاء بعد غارة اسرائيلية في 25 سبتمبر

الأمر في هذه الحالة يقع بيد جماعة الحوثيين ذاتها، وهل ستقبل بكل تلك التحولات التي يعد بها الأميركيون عقب "اليوم التالي" لإنهاء الصراع في غزة؟ وهل بإمكانهم الفكاك عن أجندة النزاع الإيراني مع الولايات المتحدة والغرب.

المتوقع أكثر أن هذا الأمر غير ممكن أو مقبول لدى جماعة الحوثيين بأي درجة، فلا تزال الجماعة تصر على أن غزة "انتصرت" في حربها مع إسرائيل، ولم تتوقف الجماعة عن حشد أنصارها للتظاهر في ميدان السبعين، أكبر ميادين العاصمة اليمنية "المختطفة" للابتهاج بانتصار غزة وتأكيد الاستمرار في دعم "مقاومتها للعدوان الإسرائيلي" أي إن كل ما جري ويجري على مرأى ومسمع من جماعة الحوثيين لم ولن يغير البتة في حساباتها، بل إن الجماعة تعتقد أن هذا يكسبها المزيد من الدعم والمساندة الشعبية في الداخل ويرفع أسهمها السياسية في الخارج لدى شعوب المنطقة.

لا تزال الجماعة تصر على أن غزة "انتصرت" في حربها مع إسرائيل، ولم تتوقف الجماعة عن حشد أنصارها للتظاهر في ميدان السبعين

يعتقد كثير من المراقبين المعنيين بالشأن اليمني، ومن ضمنه جماعة الحوثي، أن الأخيرة قد تعمد إلى وضع نفسها في الموقف نفسه الذي ستحاول إيران التموضع فيه بشأن ما يحدث في غزة، وقد لا تفعل ذلك، لكن الجماعة لا تزال تحشد المزيد من مسلحيها تحسبا لأي طارئ خارجي أو داخلي، كما تتهمها الأمم المتحدة باعتقال المزيد من موظفيها المدنيين ومما تبقى من العاملين الإنسانيين لدى بعض منظمات الإغاثة.

وما انفكت المنظمة الدولية تطالب الجماعة بالإفراج عن موظفيها المعتقلين لديها وبتمكينهم على الأقل من الاتصال بذويهم الذين لم يتوقفوا بدورهم عن مناشدة "سلطات الأمر الواقع، بإطلاق سراح أحبتهم من الأبناء والبنات والأزواج الذين لا معيل لأسرهم سواهم، إلا أن الحوثيين لا يكترثون لكل ذلك، ولا يفصحون عن أي أسماء معتقلة لديهم أو عن السجون ومواقع الاعتقال التي يقبعون في زنازينها، ولا بشأن الظروف الصحية والإنسانية التي يعيشونها، وتكتفي بتسريب اتهامات عبر مؤيديها بأن أولئك المعتقلين جواسيس وعملاء لوكالات استخبارية دولية، وأن بعضهم تورط في إرسال معلومات وإحداثيات تم استهدافها في المواجهات الأخيرة بينها وبين كل من الولايات المتحدة وإسرائيل.

font change

مقالات ذات صلة