الهدنة في غزة انطلقت... لكن الاضطرابات تلوح في الأفق

أ ف ب
أ ف ب
عامل مصري يثبت شعار "قمة شرم الشيخ - اتفاق انهاء الحرب في غزة" في احد شوارع المدينة في 12 اكتوبر

الهدنة في غزة انطلقت... لكن الاضطرابات تلوح في الأفق

يغادر الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى الشرق الأوسط يوم الأحد الموافق 12 أكتوبر/تشرين الأول، في ثاني زيارة له إلى المنطقة خلال خمسة أشهر، وهي فترة شهدت تطورات كثيرة. ومن المقرر أن يوقّع ترمب رسميا في مصر اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى، كما سيعمل على الدفع نحو إحراز تقدم في بعض نقاط الاتفاق التي لا يزال يكتنفها الغموض، خصوصا تلك المتعلقة بالجوانب بعيدة المدى.

وللتقريب، يمكن تشبيه اتفاق وقف إطلاق النار بطائرة تتسارع على المدرج، وتقترب من لحظة الإقلاع الحاسمة التي تتحقق بإطلاق سراح جميع الأسرى المحتجزين في غزة مقابل ألفي فلسطيني في السجون الإسرائيلية. تلك اللحظة تشكل نهاية الحرب، لكنها في الوقت ذاته بداية رحلة طويلة لا تخلو من الاضطرابات. والزمن وحده سيحدد ما إذا كانت هذه الطائرة ستحلق إلى ارتفاعات أعلى أم ستعود لتتحطم على الأرض.

وفي ظل حالة عدم الاستقرار التي يشهدها الشرق الأوسط، هناك أمر واحد مؤكد: هناك عواصف في الطريق. وفي هذا السياق، أستعرض أربع عقبات رئيسة ينبغي تجاوزها لضمان صمود الهدنة واستمرارها.

1. نزع سلاح "حماس"

أولى هذه العقبات، وربما أكثرها أهمية، تكمن في ما إذا كانت حركة "حماس" ستتخلى عن سلاحها. إذ بنت هذه الحركة الإسلامية شرعيتها ومصداقيتها على أساس مقاومتها لإسرائيل، وتشكل كلمة "المقاومة" جزءا من اسمها ولب هويتها (حركة المقاومة الإسلامية). لكنها خلال العامين الماضيين تكبّدت خسائر وهزائم متتالية في الحرب، ما يثير الكثير من التساؤلات حول كيفية تصرف ما تبقى من قيادتها وقواعدها في المرحلة المقبلة، وهي تساؤلات يصعب أن تجد إجابات قريبة.

2. إدارة غزة

ما تزال الخطط المتعلقة بجهة الحكم والإدارة في قطاع غزة غامضة، باستثناء قبول "حماس" بعدم تولي أي دور في "اليوم التالي" في غزة. في المقابل، رفضت إسرائيل جميع المقترحات التي تتضمن مشاركة السلطة الفلسطينية في المرحلة المقبلة، فيما لم تُبد إدارة ترمب الثانية- كما كان الحال في ولايته الأولى- أي دعم حقيقي للشعب الفلسطيني في إطار مقاربتها لقضايا الشرق الأوسط.

الرأي العام في إسرائيل يرفض حاليا، على نطاق واسع، فكرة حل الدولتين، كما لم يعلن أي زعيم سياسي بارز صراحة دعمه لإقامة دولة فلسطينية

بل إن فريق ترمب أمضى الأشهر الماضية في عزل السلطة الفلسطينية وفرض ضغوط خاصة عليها، شملت حظر منح تأشيرات دخول للولايات المتحدة لحاملي جوازات السفر الفلسطينية، ومنع الرئيس الفلسطيني محمود عباس من إلقاء كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة شخصيا خلال الشهر الماضي.
كذلك، عارضت الولايات المتحدة، بالتنسيق الوثيق مع الحكومة الإسرائيلية الحالية، المبادرة التي قادتها فرنسا والمملكة العربية السعودية– القوة الإقليمية البارزة– والرامية إلى منح اعتراف رمزي بدولة فلسطين. 

رويترز
فلسطينيون يعودون الى شمال قطاع غزة بعد بدء العمل بوقف اطلاق النار في 11 اكتوبر

إن الاعتقاد بإمكانية تحقيق أي تقدم ملموس في القضية الفلسطينية من دون مشاورات وتعاون حقيقي مع الشعب الفلسطيني أمر بعيد عن الواقع. ومع ذلك، واصلت الإدارات الأميركية المتعاقبة، سواء كانت جمهورية أم ديمقراطية، انتهاج سياسة خارجية تُفضّل العلاقات الثنائية مع إسرائيل على الانخراط الجاد في معالجة جوهر القضية الفلسطينية. 

3.    السياسة الداخلية الإسرائيلية


أما المصدر الثالث المحتمل للاضطرابات فينبع من داخل النظام السياسي الإسرائيلي نفسه. فالرأي العام في إسرائيل يرفض حاليا، على نطاق واسع، فكرة حل الدولتين، كما لم يعلن أي زعيم سياسي بارز صراحة دعمه لإقامة دولة فلسطينية. وحتى السياسيون الذين يلمّحون إلى هذه الفكرة بصورة غير مباشرة، غالبا ما تطغى على أصواتهم الدعوات الصاخبة الصادرة عن اليمين الإسرائيلي، المطالِبة بطرد الفلسطينيين وضمّ الضفة الغربية والاستمرار في الحملة العسكرية على غزة.

يتولى دونالد ترمب زمام القيادة، لكنه في الواقع منشغل بعدد كبير من الملفات. فمكتبه يضج اليوم بقضية إغلاق الحكومة الأميركية، وبالانعكاسات الاقتصادية الناجمة عن الحروب التجارية والجمركية

وتجدر مراقبة تطورات الأوضاع داخل الائتلاف الحكومي الإسرائيلي الحالي عن كثب، ومتابعة ما إذا كان المتطرفون من اليمين سيقدمون على ارتكاب أعمال عنف لإفشال أي تقدم محتمل. ويجدر التذكير هنا بأن متطرفا دينيا من اليمين كان قد اغتال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين عام 1995، في محاولة لإجهاض مسار السلام آنذاك.

4.    حجم اهتمام ترمب


اسميا، يتولى دونالد ترمب زمام القيادة، لكنه في الواقع منشغل بعدد كبير من الملفات. فمكتبه يضج اليوم بقضية إغلاق الحكومة الأميركية، وبالانعكاسات الاقتصادية الناجمة عن الحروب التجارية والجمركية التي أطلقها ضد الكثير من دول العالم، فضلا عن الحرب المستمرة في أوكرانيا، التي لا تزال مشتعلة رغم محاولاته المتكررة لوضع حدٍّ لها.

أ ف ب
نازحة فلسطينية تمر برفقة طفل امام علم فلسطيني في مخيم البريج في وسط قطاع غزة في 22 سبتمبر

ويستدعي انشغال ترمب أن تتولى جهة ما– سواء من داخل فريقه أو من أطراف إقليمية– مهمة تنسيق الجهود متعددة الأطراف اللازمة لتنفيذ المراحل اللاحقة من الاتفاق. فتدفق المساعدات العاجلة إلى غزة بشكل عاجل وتنسيق جهود إعادة إعمارها يتطلبان وجود سلطة قادرة على فرض القانون والنظام، في حين أن الطرح الغامض بشأن تشكيل قوة دولية تتعاون مع جهة فلسطينية ما يحتاج إلى قدر أكبر من التوضيح. وتشير بعض التقارير إلى أن بعض الشركاء العرب ربطوا مشاركتهم المحتملة في أي قوة دولية لتحقيق الاستقرار بانسحاب الجيش الإسرائيلي الكامل من غزة. لذلك، سيكون تنسيق هذه التحركات السياسية الحيوية أمرا بالغ الأهمية في المرحلة المقبلة.

ما التالي؟


قد يتسبب أيٌّ من هذه العقبات الأربع، إضافة إلى التساؤلات المرتبطة بها، في انهيار خطة "وقف إطلاق النار في غزة" أو إبقائها دون أي تقدم حقيقي، بحيث تتوقف العمليات القتالية الكبرى، فيما يبقى المشهد العام غامضا وغير مستقر.

من بين العوامل الرئيسة التي أسهمت في بلوغ ترمب المرحلة الأولى من هذا الاتفاق إنصاته لشركاء المنطقة وتعاونه الوثيق معهم، وهو ما لم يكن يحظى بأولوية في السابق

ولضمان تطوّر الهدنة واستقرارها، لا بد من إشراك الفلسطينيين، ليس في غزة وحدها، بل أيضا في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية، وربطهم بأطراف إقليمية قادرة على توفير دعم مالي ودبلوماسي وأمني مستدام. وقد يمهّد تحقيق نجاح طويل الأمد في هذا المسار الطريق أمام مزيد من اتفاقيات التطبيع، بما في ذلك احتمال التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية.
وهذا يتطلب من الولايات المتحدة، بقيادة الرئيس ترمب، أن تقدم على أمرين لم تُقدِم عليهما بجدية من قبل. أولا، أن تُولي مخاوف الفلسطينيين أولوية حقيقية، بدلا من استخدامهم كورقة في الصراع الحزبي الداخلي، كما فعل نائب الرئيس جي دي فانس خلال اجتماع حكومة ترمب الأسبوع الماضي. وثانيا، أن تعتمد سياسة أكثر استقرارا واتساقا، تقوم على تنسيق وثيق مع الشركاء في الشرق الأوسط.
وكان من بين العوامل الرئيسة التي أسهمت في بلوغ ترمب المرحلة الأولى من هذا الاتفاق إنصاته لشركاء المنطقة وتعاونه الوثيق معهم، وهو ما لم يكن يحظى بأولوية في السابق. غير أن الضربة الجوية التي شنّتها إسرائيل في 9 سبتمبر/أيلول على وفد من "حماس" في قطر، الحليف الرئيس للولايات المتحدة، شكّلت نقطة تحول بالغة الأهمية. وفي هذه المرحلة الدقيقة، تحتاج إدارة ترمب إلى توطيد تعاونها مع الشركاء الإقليميين، والاستثمار في شراكات طويلة الأمد مع دول تتقاسم معها هدف إرساء سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط.

font change

مقالات ذات صلة