في مطلع أكتوبر/تشرين الأول الحالي، كان الشاب محمد أحمد مستسلما مع زوجته وأطفاله لمصيرهم المجهول في مدينة غزة، يجلس في شقته السكنية بحي الصبرة جنوب المدينة، مستسلما للواقع المفروض عليه، ورفضه النزوح إلى جنوب قطاع غزة، وفق أوامر الإخلاء للسكان، والتي أصدرها الجيش الإسرائيلي المتوغل من عدة محاور وسط مدينة غزة. يقول لـ"المجلة": "سنتين وأنا ما بشتغل، مصدر دخلي انعدم، وما بملك إلا القليل من المال، والنزوح مُكلف، ما بقدر على تغطية تكاليفه، من مواصلات وشراء خيمة واستئجار أرض، الموت صار أقل تكلفة".
قبل حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة منذ عامين، كان أحمد (38 عاما)، يعمل محاميا، ولديه مكتبه الخاص مع شركائه. ومع الحرب، توقف عن العمل بسبب توقف المحاكم القضائية، وأصبح الفلسطينيون منشغلين في مَن فقدوا، لا في حقوقهم وتحصيلها عبر القنوات القانونية، التي غُيبت بفعل الحرب، وموت مئات المواطنين، استنزف رصيده البنكي، وما كان قد ادخره خلال سنوات عمله، نتيجة نزوحهم المتكرر، وتنقلاتهم من مدينة لأخرى، وتوفير احتياجات أسرته وأطفاله من طعام وشراب.