منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وهو اليوم الذي قلب معادلات الشرق الأوسط رأسا على عقب، لم تعد القضية الفلسطينية ملفا بعيدا عن التحديات الرئيسة في العالم ومنها التحديات أمام دول المنطقة وخصوصا الخليجية منها. فالهجوم الذي شنته حركة "حماس" أدى إلى تغيير دولي ما زالت ارتداداته تعصف بدول عدة، وما تلاه من حرب في غزة ولبنان واليمن وسوريا وصولا إلى إيران، أعاد طرح التحديات أمام العواصم الخليجية التي وجدت نفسها مضطرة للموازنة بين التزاماتها التاريخية والأخلاقية تجاه القضية الفلسطينية، وبين مصالحها الوطنية والاستراتيجية وعلاقاتها الدولية المعقدة، لتؤكد على التفكير العقلاني في التعامل مع القضية الفلسطينية.
نقطة الانعطاف الجديدة تمثلت في إعلان إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن خطة لوقف الحرب في غزة، جاء إعلان "حماس" موافقتها المبدئية ورغبتها في الخروج من الحرب بضمانات "نهاية الصراع"، ليعيد التأكيد على أن مرحلة جديدة في المنطقة تحتاج إلى العقلانية لمنع إنهاء القضية الفلسطينية، بعدما هشمتها الصراعات الإقليمية. هذه التطورات فتحت أمام الخليج مساحة جديدة للعمل على تطوير القضية لزمن ما بعد الحرب، وخصوصا في كيفية دعم مسار سياسي يقود إلى حل الدولتين، وجاءت آخر الخطوات في البيان العربي-الإسلامي الذي وقعته دول عدة بينها السعودية وقطر والإمارات ويرحب بقرار "حماس" قبول مقترح ترمب لإنهاء الحرب، والالتزام بإطلاق سراح الرهائن، واستعدادها لتسليم إدارة غزة إلى لجنة انتقالية فلسطينية من التكنوقراط المستقلين، ليؤكد البيان العربي-الإسلامي على رفض أي تهجير للفلسطينيين أو تهديد لأمن المدنيين، مع دعم عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة وتوحيدها مع الضفة الغربية، واعتبار هذه التطورات وغيرها خطوة تمهيدية نحو السلام العادل وحل الدولتين.
قبل التطورات الأخيرة وخلال الأسابيع التي سبقت إعلان خطة ترمب ارتفعت حدة المواقف الخليجية خصوصا بعد إعلان الحكومة الإسرائيلية توجهها للسيطرة على الضفة الغربية، وبعدها الغارات الإسرائيلية التي استهدفت في قطر مراكز وبيوت لقياديين في حركة "حماس".
هذا الحراك العنيف سبقته خلال العامين الماضيين، حركة سعودية على اتجاهين، الأول الدعوة لمؤتمرات لبحث الملف الغزاوي وعبره الفلسطيني، والثاني العمل على الدعوة لحل الدولتين والحصول على اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية، فيما استمرت قطر بالعمل على ملف الوساطة الذي رفضت التخلي عنه رغم الضربات الإسرائيلية.