اعتاد مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط، في دوراته الأخيرة، أن يقدم استفتاءات نوعية في محاولة لإعادة قراءة واكتشاف تاريخ السينما المصرية بعيون متجددة. بدأ الأمر في الدورة الثامنة والثلاثين مع قائمة أهم مائة فيلم كوميدي، ليستحوذ "إشاعة حب" من إخراج فطين عبد الوهاب على المركز الأول. في الدورة التالية، جاء في الصدارة "غرام في الكرنك" للمخرج علي رضا، ضمن الاستفتاء على أهم مائة فيلم غنائي واستعراضي. أما في الدورة الأربعين العام الماضي فتصدر "حبيبي دائما" من إخراج حسين كمال قائمة أهم مائة فيلم رومانسي.
في دورته الجديدة التي انطلقت في الثاني من الشهر الجاري واستمرت على مدار خمسة أيام، واصل المهرجان تكريسه لهذا التقليد، كاشفا هذه المرة عن قائمة "أهم مائة فيلم سياسي في تاريخ السينما المصرية"، التي تصدرها فيلم "الكرنك" (1975)، من روائع المخرج علي بدرخان، فيما احتلت أفلام "البريء" و"شيء من الخوف" و"إحنا بتوع الأتوبيس" و"في بيتنا رجل"، المراكز الخمسة الأولى في القائمة، إلى جانب باقة من الأعمال المتباينة المستوى، قد تختلف في رؤاها وأساليبها الفنية، إلا أن الكثير منها نجح في تسجيل ملامح الواقع السياسي والاجتماعي عبر عقود من الإنتاج السينمائي.
السينما أرشيفا للذاكرة الجماعية
لا شك في أن القائمة، قد تكون أغفلت عددا من الأفلام كان من الممكن أن تجد لها مكانا مستحقا، سواء بفعل اللوائح والمعايير المتبعة أو بحكم خيارات التصويت. فهناك أفلام مثل "السوق السوداء" و"عنتر ولبلب"، رأى كثيرون أنها أحق بالوجود مقارنة بأفلام أخرى لم ترق إلى التطلعات، وهو ما يعكس مأزقا متكررا في مثل هذه الاستفتاءات، إذ كثيرا ما تفرض المعايير الانتقائية أو المزاج العام للمصوتين حضورا غير متكافئ لبعض الأعمال، يجعل من النتائج انعكاسا جزئيا لذائقة مرتبطة بزمنها أكثر منها توثيقا صارما لتاريخ السينما، الأمر الذي يتكرر حتى في قوائم كبار النقاد والسينمائيين حول العالم.
شارك في الاستفتاء أكثر من أربعين ناقدا ومتخصصا في صناعة السينما من مصر والعالم العربي، إلى جانب إتاحة التصويت للجمهور للمرة الأولى. وقد استندت لجنة الاختيار إلى مجموعة من المعايير توزعت على أربعة مسارات رئيسة، بداية من الطرح السياسي للفيلم، سواء جاء مباشرا أو رمزيا، ثم أثره في وعي المجتمع، ثم قيمته الفنية على مستوى الإخراج والكتابة والأداء، وأخيرا "وزن اللحظة التاريخية التي يعالجها في سياق الحياة المصرية".