الكاتبة الرومانية دوينا روشتي لـ"المجلة": في الادب كل شيء شخصي

تروي تاريخ بلادها المرير مع الديكتاتورية

الكاتبة الرومانية دوينا روشتي لـ"المجلة": في الادب كل شيء شخصي

ولدت الروائية البارزة دوينا روشتي، عام 1957 في كوموشتيني، رومانيا، تمزج في كتاباتها الواقعية التاريخية بالعناصر السحرية والفولكلور الروماني.

نشأت في عائلة من المعلمين خلال الحقبة الشيوعية، وتدرس الكتابة الإبداعية في جامعة بوخارست وتعمل كاتبة سيناريو. تشمل أعمالها 14 رواية وثلاث مجموعات قصصية، مثل "ثلاثية الفناري": "مخطوطة الفناري" 2015، "كتاب الأطباق الخطرة" 2017، و"هوميريك" 2019، وأعمالا بارزة مثل "زوغرو" 2006، "الشبح في الطاحونة" 2008، "ليزوانكا في الحادية عشرة" 2009، "الرجل الأحمر الصغير" 2004، "أسرة غامضة" 2020، "زافايدوك في عام الحب" 2024، و"فيرينيكي" 2025.

حصلت على جوائز وتكريمات من بينها، جائزة اتحاد الكتاب الروماني للنثر 2008، جائزة الأكاديمية الرومانية "إيون كريانغا" 2009، وأفضل كتاب مترجم من اتحاد الكتاب الهنغاريين 2017.

ترجمت أعمالها إلى أكثر من 15 لغة، بما في ذلك الإنكليزية والألمانية والإسبانية.

درست أكثر من 300 حالة موثقة لأطفال تعرضوا للاعتداء في السنوات الأخيرة، ثم قررت كتابة الرواية، كفعل رمزي من أجل تلك الطفلة التي تحولت إلى عدو عام


في هذا الحوار تأخذنا دوينا روشتي إلى عوالمها السردية المتعددة: من طاحونة الشيوعية إلى مطابخ القرن الثامن عشر، ومن طفولة مثقلة بالصدمة إلى أساطير محلية تعيد تشكيل الهوية.

تمزجين في روايتك، "الشبح في الطاحونة"، بين عناصر الواقعية السحرية والفولكلور الروماني التاريخي. كيف وازنت بين الجانب الغرائبي والواقع الاجتماعي-السياسي في الحقبة الشيوعية لصوغ سرد يقرأ على مستويات عدة؟

"الشبح في الطاحونة" رواية مهمة في مسيرتي الأدبية، إذ سمحت بنيتها السردية لي بالدخول بسلاسة إلى طاحونة الشيوعية الرومانية، ذلك العالم الذي سحق فيه شبابي، حيث بدا أن كل شيء خاضع لسيطرة سيد خفي. وبما أن الشبح نفسه شخصية في الرواية، فلم تكن المهمة معقدة. فالشبح، المولود من أفراح وأحزان معلم ريفي، هو إسقاط للتاريخ ذاته، تاريخ منحرف، لا يحتاج إلى مزيد من التوضيح.

صدمات الطفولة

تطرح روايتك، "ليزوانكا في الحادية عشرة"، موضوعات مثل صدمات الطفولة والإهمال المجتمعي. ما مصدر شخصية ليزوانكا؟ وكيف تعكس قضايا أوسع في المجتمع الروماني المعاصر؟

الحديث المباشر عن "البيدوفيليا" أو "اشتهاء الأطفال" نادر جدا. ما هزني بعمق كان خبرا صحافيا صادفني: طفلة اتهمت بأنها مسؤولة عن وباء في قريتها. الطريقة التي تعامل بها المجتمع مع القصة، بلا أي تعاطف مع الطفلة، دفعتني الى بحث معمق.

درست أكثر من 300 حالة موثقة لأطفال تعرضوا للاعتداء في السنوات الأخيرة، ثم قررت كتابة الرواية، كفعل رمزي من أجل تلك الطفلة التي تحولت إلى عدو عام. "ليزوانكا"، روايتي الأكثر ترجمة والحائزة جائزة الأكاديمية الرومانية، منحتني حضورا أدبيا عالميا. ليس فقط بسبب موضوعها، بل لأنها رواية واقعية مباشرة أردت من خلالها المساهمة في بناء ثقافة مقاومة في الوعي العام. لا أعلم إن كنت نجحت، لكن الرواية ما زالت تطبع وتقرأ.

رواية "كتاب الأطباق الخطرة"

روايتك، "كتاب الأطباق الخطرة"، تعود إلى بوخارست في القرن الثامن عشر وتمزج بين السحر والمطبخ. كيف وظفت الطعام كرمز للقوة والمؤامرة والهوية الثقافية في هذا النص؟

ربما هي روايتي الأشهر، خصوصا بعد ترجمتها إلى الإنكليزية، ثم الألمانية والإسبانية والهنغارية، وهي تحكي قصة طباخ من العبيد في القرن الثامن عشر.


الفولكلور الروماني متنوع، متوسطي الجذور بفضل الموقع والصلات القديمة مع الإرث الإغريقي-اللاتيني، وهو بلقاني بفضل قرون من التداخل مع الجنوب


استمتعت جدا بكتابتها، فهي مبنية على خلفية تاريخية حقيقية، لكنها مصوغة بروح غرائبية، تتمحور حول 21 وصفة طهي وسحر. لطالما سحرتني المأكولات وكيف تكشف مباشرة عن ذهنية الشعوب. في الرواية، الوصفات تنتمي إلى ثقافة قديمة تدعى "الساطوريني"، وتمزج بين المعتقدات الرومانية والأساطير. أحببت بشكل خاص كعكة الورد التي تحدث "مرض الضحك" وتشعل الأحداث. كما أن كعكة الساحرة سيركا المخصصة للحب لها مكانة مميزة عندي.

الهوية

في "زوجرو"، تقدم الشخصية الخالدة منظورا فريدا للتاريخ الإنساني. كيف استطعت من خلال هذا البطل نقد الهوية الرومانية المعاصرة وزمنها المتغير؟

خلف قصة كائن أبدي، عابث ومغامر، تكمن وحدة قاسية وحاجة ملحة لإثبات الهوية أمام الآخرين. من بين كل شخصياتي، زوجرو هو الأقرب إلي: بسذاجته وبقدرته الفطرية على ارتكاب الحماقات. أنا كذلك، شخص حسن النية لكنه سيء الحظ. لذلك أحببت كتابة هذه الرواية. وهي مكتوبة على غرار "ألف ليلة وليلة": رحلة بحث عن الحب والقدر، مع حبكة واضحة ونهاية سعيدة.

غلاف رواية "مخطوطة الفناري"

تقترب "مخطوطة الفناري" من التاريخ عبر لمسة فانتازية. كيف تمكنت من تصوير تلك الحقبة بصدق مع إضفاء العنصر الغرائبي للنص؟

انطلقت من مخطوطة حقيقية وهي عقد بيع إنسان. ومع تطور السرد، تحولت الوثيقة ذاتها إلى شخصية روائية. ارتباطي بها عاطفي قبل أن يكون بحثيا. هي رواية عن الحب والحرية، تتقاطع مفاهيم في مناطق مظلمة من الغرور والطموحات الأنانية.

ليون، فتى في السابعة عشرة، يقع في حب جارية. ووفق القانون الروماني آنذاك، كل من يتزوج جارية يصبح عبدا مثلها، مع عائلته إن كانت له. هذا المأزق يتحول إلى ملحمة، حيث يدخل المجتمع والشخصيات التاريخية في حلم الفتى. حرصت على أن تحمل الرواية رسالة عن الهوية والبحث عن الذات.

الفولكلور الروماني

الثقافة الرومانية ثرية بالفولكلور والأساطير. كيف يؤثر هذا الإرث في الأدب الحديث، وكيف وظفته أنت لمعالجة قضايا معاصرة؟

الفولكلور الروماني متنوع، متوسطي الجذور بفضل الموقع والصلات القديمة مع الإرث الإغريقي-اللاتيني، وهو بلقاني بفضل قرون من التداخل مع الجنوب، ثم هناك مكون محلي عززته المدرسة الفولكلورية في القرن التاسع عشر.

اخترت الرمزية، استمرارا لأسلوب كان شائعا في زمن الرقابة، حيث كان الخيال يغطي على نيات الكاتب

من أبرز الأساطير: الشياطين المخدوعون، الجياد الجهنمية، وحكايات كشف اللصوص عبر "إمبراطورة الذباب". وهناك أساطير وجودية عميقة مثل أسطورة الموت والشباب الأبدي. لكن لم تتشكل بعد حركة حقيقية لإعادة قراءة الفولكلور أدبيا. أما أنا، فمغرمة بالفولكلور الروماني، وأستحضره باستمرار في رواياتي عبر رموز وأساطير محلية.

REUTERS / Bogdan Cristel
منظر لقاعة الأثينيوم الروماني في وسط بوخارست، 24 سبتمبر 2009

كيف وظفت مدينة بوخارست كفضاء أدبي، مستخدمة طبقاتها التاريخية في تناول قضايا الفساد والتحول؟

أنا عاشقة لبوخارست، رغم هشاشتها وإهمالها وفسادها. لذلك هي مسرحي المفضل. يستخدمها كتاب معاصرون أيضا مثل ميرتشا كارتاريسكو وغابرييلا أدامشتيانو. في رواياتي الحديثة مثل "الخيانة"، تناولت تدهور السلطة على كل مستوياتها، من الأبوية إلى السياسية. أما "ثلاثية الفناري" فترسم صورة أكثر تعقيدا لبوخارست، تكشف عن تحولات متواصلة مع بقاء الجذور حاضرة.

إرث الديكتاتورية

الأدب الروماني يواجه إرث الديكتاتورية. كيف توازنين بين الدقة التاريخية وحرية الخيال في تناول هذه الجراح الثقافية؟

هذا يلامس أكثر النقاط حساسية بالنسبة إلي. كثير من كتبي تناولت الشيوعية، لكن "الشبح في الطاحونة" هو أقرب إلى مجاز كبير عن تلك الحقبة. اخترت الرمزية، استمرارا لأسلوب كان شائعا في زمن الرقابة، حيث كان الخيال يغطي على نيات الكاتب. أخيرا، نشرت رواية ذاتية عن مقتل والدي خلال الحقبة الشيوعية. هذه المرة بأسلوب مباشر وواقعي وفاضح. عنوانها "فرينيكي"، نسبة إلى أميرة رودوس التي تخفت في زي رجل لتشارك في ألعاب ممنوعة على النساء. العنوان هنا رمزي، لأن الرواية تشريح لزمن شبابي الذي تقاطع فيه المأسوي الشخصي مع الدراما الوطنية.

AFP
مواطنون في بوخارست يلوّحون بالأعلام الرومانية خلال تظاهرة مناهضة للشيوعية عام 1989

تنطلق كتاباتك من وثائق تاريخية أو آلام شخصية. ما الذي يجذبك إلى هذه الأرشيفات، وكيف تشكل عملية الإبداع لديك؟

في الأدب، كل شيء شخصي. "كتاب الأطباق الخطرة" جاء من افتتاني بالمطابخ. أنا لا أطبخ، لكني أستمتع بمراقبة سحر النكهات. لا أؤمن بأدب يولد من البحث الجاف، بل من شغف الوثائق. أعشق الوثائق الخاصة، العقود، الوصايا، الفواتير، والرسائل. فيها يظهر التاريخ. أحيانا أتحول إلى أسيرة وثيقة واحدة، كما في "مخطوطة الفناري".


الأدب لعبة، إن شعرت برغبة في اللعب، فالعب، وإن لم تشعر بهذه الرغبة، فعليك أن تتوقف


 في النهاية، ما أقوم به ليس بحثا صحافيا، بل اندفاع عاطفي يتحول إلى هوس، ومنه يولد اللعب السردي. الأدب بلا عاطفة لا يكون أدبا.

Octav Ganea / Inquam Photos
منظر عام لمحكمة الاستئناف على نهر ديمبوفيتا في بوخارست، رومانيا، 5 مايو 2021

في استحضارك مدن وأساطير القرن الثامن عشر، ما الذكريات الشخصية أو الثقافية التي تلهمك لبعث هذه التواريخ المنسية؟

أعطيك مثلا: غادرت بيت أهلي في سن الخامسة عشرة لأتابع دراستي في مدينة أخرى. الانفصال، ثم التكيف، ثم حياة المراهقة بلا عائلة، تحولت كلها إلى موضوعات تتكرر في رواياتي حتى في تلك التي تدور في القرن الثامن عشر. لكن الصدمة الأعمق كانت مقتل والدي. كنت في الحادية عشرة. ومنذ ذلك الحين لا تكاد رواية لي تخلو من جريمة أو أثر من تلك القصة الحقيقية.

دروس إبداعية

في مجموعاتك القصصية القصيرة، كثيرا ما تجربين أشكالا وأساليب مختلفة. كيف تساهم هذه النصوص في اختبار أفكار تعود لاحقا في رواياتك؟

القصص القصيرة بالنسبة إلي فسحات استراحة. خلال أربع سنوات كتبت قصة أسبوعية لصحيفة يومية، واستمتعت بها كثيرا. كما كتبت لمختارات وأنطولوجيات. لكن الرواية تظل عالمي الأوسع والأكثر ملاءمة لي.

كأستاذة جامعية متخصصة في الكتابة الإبداعية، ما أهم درس توجهينه الى الكتاب الشباب في سعيهم لإيجاد صوتهم الأدبي الخاص وسط الأدب العالمي؟

ألا يتبعوا أي نصيحة! الكاتب الحقيقي هو قارئ نهم للقصص، إلى أن يكتسب أخيرا الشجاعة لكتابة مغامرته الخاصة. أن يكتب وحسب. وإذا لم يجد رغبة أو فكرة، فهذا يعني أنه لا ينبغي أن يكتب. الأدب لعبة، إن شعرت برغبة في اللعب، فالعب، وإن لم تشعر بهذه الرغبة، فعليك أن تتوقف.

font change

مقالات ذات صلة