ما إن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن مؤتمر السلام في الشرق الأوسط الذي احتضنته مصر في شرم الشيخ، حتى بدأت سجالات العراقيين تتصاعد بشأن دعوة العراق إلى المؤتمر وحضوره. خصوم الحكومة والطبقة السياسية كانوا ينتظرون عدم توجيه الدعوة إلى العراق حتى يعدونها كحجة لعدم الاهتمام بالحضور العراقي الدبلوماسي في محيطه الإقليمي.
في حين كانت سجالات أخرى تركز على أن الحكومة والقوى السياسية التي تقف خلفها، هي الآن تكشف عن تناقض مواقفها، كيف يحضر العراق مؤتمر السلام برعاية الرئيس ترمب الذي يمكن عدها تمهيدا لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهناك قوى سياسية في العراق ترفع لواء المقاومة وتعلن صراحة انتماءها لمحور المقاومة الذي تقوده إيران!
حكومة بغداد تقف حائرة بين التعامل وفق ما تمليه مصلحة العراق، وتحقيق مكاسب لشخص رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وكيفية التماهي مع تناقضات مواقف قوى الإطار التنسيقي التي يجاهر بعضها بانتمائه لـ"محور المقاومة" ويعلن استعداده للدخول في الحرب ضد إسرائيل. حتى وإن كانت هذه المواقف خطابات إعلامية فقط.
في الجانب الآخر، يطرح المراقبون والمعارضون لقوى الإطار التنسيقي وحكومته، الأسئلة بشأن موقفهم من اتفاق سلام يرتكز على حل الدولتين، والذي يترتب عليه الاعتراف بإسرائيل "كدولة". وهناك قانون شرعه البرلمان العراقي يجرم التطبيع مع "الكيان الإسرائيلي".
الدعاية الانتخابية للقوى السياسية لا تحمل شعاراتها ولا خطاباتها مواقف صريحة وواضحة بشأن التوجه نحو الشرق الأوسط الجديد. رغم أن أغلبها يرفع عنوان "العراق القوي"، و"عراق مقتدر"، إلا أن الحديث عن رؤية أو موقف تجاه ما يراد أن يكون عليه موقف العراق من الشرق الأوسط الجديد لا يتم الحديث عنه هذه الأيام.
وهنا تشتغل فرضيات محددة، إذ ربما لا يمتلك بعض الفاعلين السياسيين بُعد نظر يُمكنهم من قراءة التفاعلات الإقليمية وكيف يمكن أن يكون للعراق دور فيها، أو كيف تنعكس على أرضه؟ وقد يعتقد آخرون أن قوة حضورها في المشهد السياسي المرتهن بنتائج الانتخابات قد يكون بوابة لعصمتهم من طوفان الشرق الأوسط الجديد الذي يريد أن يُنهي كيانات ترفع سلاحا موازيا للدولة وتعمل تحت ظل الدولة. أو احتمالية رهانهم على عامل الزمن الذي قد يحمل متغيرات تغير بوصلة الاهتمام عن الشرق الأوسط.
لكن، ملامح خرائط الصراع بعد مرور سنتين على السابع من أكتوبر/تشرين الأول، لم تعد قائمة على توازن الردع الذي خططت له إيران طوال عشرين عاما. ولا إسرائيل باتت مثل السابق تريد أن تحافظ على أمنها من خلال تأمين حدودها الجغرافية. وإنما يبدو أن لعبة الردع باستخدام فائض القوة وفتح أكثر من جبهة في المعركة والتحول نحو رؤية جديدة لتحقيق أمن إسرائيل بمواجهة كل سلاح يمكن أن يهدد وجودها وكيانها، بدأت تستهوي بنيامين نتنياهو بأن يلعب دور شرطي منطقة الشرق الأوسط الجديد.
إيران في المقابل تريد أن تحافظ على ما تبقى من مناطق نفوذها في لبنان والعراق واليمن. ولذلك هي تؤكد حضورها في تلك البلدان. ولكن نبرة حديثها هذه المرة تشير إلى علاقات ومصالح مشتركة، وابتعدت عن الصوت العالي الذي كان يصدح بوحدة الساحات والقرار يصنع في إيران، ولكنه يعلن في عواصم "محور المقاومة".

