قد يبدو العراق هو الناجي الوحيد، على الأقل لحين كتابة المقال، من نيران الحرب التي اشتعلت في المنطقة بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. إذ بعد سنتين من "طوفان الأقصى" بدأت الشرارات تتطاير من غزة التي كانت ساحة الحرب نحو براميل البارود المنتشرة في منطقة الشرق الأوسط، لتشتعل نيرانها في دمشق وبيروت وصنعاء وطهران، حتى الدوحة لم تسلم من هذه الحرب.
تختلف حروب ما بعد 7 أكتوبر عن الحروب السابقة التي شهدتها المنطقة، فتداعياتها تؤشر على أن هدفها النهائي هو تغيير خارطة الصراعات على النفوذ في منطقة الشرق الأوسط، والتوجه نحو رسم ملامح جديدة له بقوة الحديد والنار. وغايتها إنهاء النفوذ الإيراني الذي يشكل تهديدا لإسرائيل، وتحولا في الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية من مبدأ الدفاع عن وجود كيانها في منطقة معادية له وتشكل تهديدا أمنيا لوجود إسرائيل في المنطقة، نحو البدء بلعب دور "شرطي الشرق الأوسط الجديد".
سجالات العراقيين بشأن الحرب ضد غزة، كانت ساحتها تصريحات الحكومة وبيانات سياسية وتصريحات تتناقلها المنابر الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي. اتفقت جميعها على الوقوف مع غزة ضد حرب الإبادة التي يتعرض لها الفلسطينيون، والتعاطف مع صور الضحايا من الأطفال والنساء ودمار منازلهم. إلا أن الجدل كان يشتعل بشأن موقف القوى السياسية والفصائل المسلحة العراقية والتي ترتبط بعنوان "محور المقاومة"، وتحديدا الفصائل التي لديها تمثيل سياسي فاعل ومؤثر في الحكومة العراقية الحالية.
وبدلا من أن ينعكس الموقف الرافض للحرب ضد غزة إلى مصدر للاتفاق بين المواطن والسياسي، لجأ المتخاصمون في وسائل التواصل الاجتماعي إلى كوكبة من الكلمات تحاول إحراج الخصوم، وفي الكثير من دلالتها مؤشر على خطاب التخوين. فالمدونون المدافعون عن الفصائل المسلحة في العراق ومحور المقاومة في المنطقة، أصبحوا منشغلين باستحضار الماضي لتأكيد موقفهم وتبرير شرعية سلاحهم، والرد على الخصوم، ومن ثم توجيه التهم إلى شركاء القوى السياسية الشيعية في الحكومة والعملية السياسية بعدم وجود موقف لهم في نصرة الفلسطينيين في حربهم ضد إسرائيل. ولم يكتفوا عند هذا وحسب، بل تحولوا إلى استعراض المواقف لفصائل "محور المقاومة" في مقابل مواقف دول عربية.