كشفت نائبة رئيس "حزب الشعوب للمساواة والديمقراطية" التركي المؤيد لحقوق الأكراد، إبرو غوناي، في حديث مع "المجلة" عن رؤية حزبها لعملية السلام الجارية راهنا بين الدولة التركية و"حزب العمال الكردستاني". وأوضحت غوناي المسؤولة عن العلاقات الخارجية للحزب عن مجموع الآراء والمواقف التي تحملها القوى السياسية التركية تجاه هذه العملية، والتعقيدات الكثيرة التي تحيط بها.
غوناي المعروفة في الفضاء التركي كحقوقية وسياسية شابة بارزة، ومكافحة تعرضت للاعتقال والتحقيق أكثر من مرة طوال السنوات الماضية، أوضحت أن المداولة التي تجري بين "حزب العمال الكردستاني" وتركيا، عبر ممثليها السياسيين، إنما هي نتيجة تحولٍ سياسي وعقائدي تاريخي طرأ خلال السنوات الماضية على بنية القائمين على الدولة العميقة في تركيا. وأضافت: "الشخصيات والمؤسسات الممثلة للدولة العميقة تعرف في باطن وعيها أنه خلا التأسيس والانخراط في عملية سلام آمنة ومستدامة داخل تركيا، فإنه لا طريق آخر. إذ ثمة استحالة في استمرار الحرب حسب الشروط التقليدية. فمختلف الجهات صاحبة المسؤولية داخل تركيا تتطلع إلى ما حولها من كُرد في دول المنطقة، في شمال شرق سوريا وفي إقليم كردستان العراق وحتى داخل إيران. يحيط بها أكراد من كل حدب، لكنهم أكراد تطورت قضيتهم طوال السنوات الماضية، ولم يعودوا مُجرد هوامش ديموغرافية وثقافية، بل قوى سياسية ذات حضور وعلاقات وآليات تعبير عن القضية الكردية، يحفزون القوى الإقليمية والعالمية الفاعلة على إدخال الأكراد ضمن حساباتهم الكلية".
تضيف غوناي واصفة تأثير ذلك على رؤية الدولة التركية لأكرادها راهنا: "لا يُمكن أن يحدث أي محفل سياسي أو حتى ثقافي ومعرفي متمركز حول منطقة الشرق الأوسط وما يجري داخله ومستقبله، دون أن يُذكر الأكراد وتنظيماتهم وتجاربهم، وغالبا بشكل إيجابي واحتفالي بهم. هذا الشرط الذي لم يكن متوفرا قبل ربع قرن مثلا. هذا التموضع يمنع أي طرف في منطقة الشرق الأوسط من نكران الهوية السياسية والدور الحيوي للأكراد في المنطقة. ودولة بمثل مكانة وتطلعات تركيا، لو أرادت أن تؤسس لشيء ما في مستقبلها المنظور، فدون شك عليها أن تفعل ذلك بالتآلف والتلاقي من الأكراد. هكذا أصبح منطق التوازن السياسي في المنطقة، وهو ما تعرفه الدولة العميقة جيدا. طبعا ثمة جهات لا تريد لهذا الأفق التنموية والديمقراطي لتركيا، وعموم المنطقة، وهؤلاء يسعون لمواجهة الأكراد بشكل صفري".
لا ترى غوناي هذا التحول في نمو المسألة الكردية كحالة مناهضة لتركيا أو غيرها من دول المنطقة، بل قيمة مضافة لنوعية ممارسة السياسة والتنمية فيها، وتتابع قائلة: "ربما تُشكل نوعية النماذج التي قدمها الأكراد كدليل إضافي على دورهم الإيجابي. ففي سوريا مثلا، كانت المناطق المُسيطر عليها من قِبل الأكراد هي الوحيدة الخالية من أية ممارسات إبادية. سواء في زمن النظام السابق أو راهنا. فكل الحساسيات الدينية والقومية والطائفية وجدت لنفسها مكانة ضمن مؤسسات ومنظومة الحكم الذاتية التي وفرتها التنظيمات الكردية هناك. الأمر نفسه بالنسبة لإقليم كردستان العراق، إذ لا يُمكن مقارنة مستويات التنمية الإنسانية ونوعية الحياة ضمن كردستان مع أية منطقة عراقية أخرى، رغم الضغوط الهائلة التي تُمارس عليهم. أستطيع القول إن البلديات والإدارات التي تيسرها الأحزاب المؤيدة للحقوق الكردية في تركيا جنوب شرق البلاد، كانت أيضا ذات تجارب إيجابية للغاية، وهذه كلها نماذج تؤكد قاعدة تكامل الحقوق الكردية مع حقوق المجتمعات الأخرى في هذه الدول، وليس العكس".

