من يكسب معركة النفوذ في العراق... أميركا أم إيران؟

واشنطن حريصة على حل فصائل "الحشد الشعبي"

رويترز
رويترز
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني يترأس اجتماعا مع كبار المسؤولين في القوات المسلحة العراقية والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في بغداد

من يكسب معركة النفوذ في العراق... أميركا أم إيران؟

يشهد العراق صراعا متصاعدا بين الولايات المتحدة وإيران، إذ تعتبر واشنطن أنها فقدت نفوذها بعد تأسيسها النظام السياسي الحالي بديلا عن نظام صدام حسين، بينما تمكنت طهران من إحكام سيطرتها عليه تدريجيا، وتطلب واشنطن من القوى السياسية العراقية العمل على التحرر من التأثير الإيراني في اختيار رئيس الوزراء المقبل، وإبعاد الفصائل المسلحة عن القرار السياسي.

مؤخرا، برز تأثير واشنطن واضحا في الساحة العراقية بعد الفيتو الذي فرضته على تعديل قانون "هيئة الحشد الشعبي"، إذ أعلن رئيس مجلس النواب، محمود المشهداني، أن القوى السياسية العراقية استجابت للضغط الأميركي بعدم تمرير تعديل قانون "الحشد الشعبي"، مشيرا إلى أن الضغط تمثل بفرض عقوبات سياسية ورفع الدعم عن النظام السياسي، والحماية عن أموال النفط، وكذلك استهداف قوات "الحشد الشعبي"، والسماح لإسرائيل بتنفيذ ضربات مباشرة داخل الأراضي العراقية.

لكن قيادات سياسية عراقية، مطلعة على المباحثات مع الجانب الأميركي، أكدت لـ"المجلة"، أن الاستراتيجية الأميركية الجديدة، هي ضرب الدولة العميقة التي تعتمد عليها إيران داخل النظام السياسي، عبر فرض عقوبات على مسؤولين عراقيين بدرجة وزير ومدراء عامين في عدة وزارات، وإبعاد تأثيرهم عن القرار الحكومي العراقي، مشيرا إلى أن المسؤول المفروض عليه عقوبات تجب إزاحته من المنصب في المرحلة المقبلة.

بدأت العقوبات الأميركية على المؤسسات العراقية تشتد منذ عام 2023، إذ فُرضت على أكثر من 100 شركة وفرد، بحجة مساعدة إيران في تجاوز العقوبات المفروضة عليها، وكان آخرها شركة المهندس التابعة لـ"الحشد الشعبي"، بالإضافة إلى فالح الفياض رئيس هيئة "الحشد الشعبي"، وخميس الخنجر رئيس "تحالف السيادة"، وقيس الخزعلي رئيس حركة "صادقون"، الذراع السياسية لـ"عصائب أهل الحق".

وترى واشنطن، بحسب المصادر، أن هذه الإجراءات تمهد لإعادة النفوذ الإيراني إلى ما قبل عام 2012، عبر خلق قوى سياسية جديدة منفتحة على الغرب تستطيع الحد من النفوذ الإيراني، وتُحجم دور الفصائل، ويعتمد ذلك على نتائج الانتخابات النيابية المقبلة.

زاد التأثير الإيراني في العراق بعد عام 2014، عندما اجتاح تنظيم "داعش" ثُلث مساحة العراق، واستعانت الحكومة العراقية بمستشارين من "الحرس الثوري" و"حزب الله" اللبناني لتدريب القوات العراقية، وفُتحت مخازن الأسلحة الإيرانية أمام الفصائل العراقية التي دفعت أثمانها الحكومة العراقية لاحقا، وأنشأت كيانا خاصا سمته "الحشد الشعبي" ضم المتطوعين المدنيين والفصائل، من أجل مواجهة تنظيم "داعش" الذي سيطر على مساحة ثلث العراق ووصل إلى المناطق الحدودية للعاصمة بغداد.

بدأت العقوبات الأميركية على المؤسسات العراقية تشتد منذ عام 2023، إذ فُرضت على أكثر من 100 شركة وفرد، بحجة مساعدة إيران في تجاوز العقوبات المفروضة عليها

وبينت المصادر أن تعيين الرئيس الأميركي دونالد ترمب مبعوثه الخاص إلى العراق، مارك سافايا، هو إنهاء دور الفصائل العراقية، وإيقاف النفوذ الإيراني عبر غلق المكتب الاقتصادي التابع لـ"الحرس الثوري" في بغداد، وتعزيز النفوذ الأميركي اقتصاديا وسياسيا وأمنيا.

وسافايا هو من أصول عراقية، ويتحدث اللغة العربية، ولديه علاقات وثيقة مع رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، وأدار ملف المفاوضات لإطلاق سراح الباحثة الإسرائيلية المختطفة لدى "كتائب حزب الله"، إليزابيث تسوركوف، إذ ستركز مهمته على إبعاد فصائل "كتائب حزب الله" و"عصائب أهل الحق" و"حركة النجباء" و"سيد الشهداء" عن المشهد الأمني العراقي في المرحلة المقبلة، خصوصا أنه نجح في تنفيذ اتفاق غير معلن مع الفصائل العراقية خلال الأسابيع الماضية، تضمن عدم استهداف القيادات العراقية في الفصائل أو حتى ضيوف العراق من قِبَل أميركا وإسرائيل، مقابل إطلاق سراح تسوركوف.

وقال وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، إن استمرار نشاط الميليشيات المدعومة من طهران يُقوض سيادة البلاد.

وقال روبيو إن "الميليشيات المدعومة من إيران في العراق تهدد حياة وأعمال الأميركيين والعراقيين على حد سواء، وتنهب الموارد العراقية لصالح طهران"، مؤكدا أن واشنطن ترى في نزع سلاح تلك الفصائل خطوة أساسية لحماية الاستقرار الداخلي.

الموقف الإيراني

لكن على الجانب الآخر، لم تقف إيران متفرجة على الخطوات الأميركية في الساحة العراقية، إذ تعمل طهران حاليا على تغيير استراتيجيتها وإبعاد الفصائل عن المواجهة المباشرة مع واشنطن وعدم خسارتها للساحة العراقية.

 أ ف ب
عناصر ومؤيديون "للحشد الشعبي" العراقي يلوحون بأعلامهم اثناء مسيرة في بغداد تندد بالضربة الجوية الاميركية التي ادت الى مقتل اربعة من عناصر الحشد في 31 يوليو

أوضحت المصادر نفسها، أن إيران عملت على إعادة هيكلة الملف العراقي مؤخرا، إذ أبعدت "حزب الله" اللبناني، الذي كان له دور بارز في السنوات الماضية بعد رحيل قاسم سليماني، في تشكيل الحكومات العراقية، نتيجة التحديات التي واجهها في الحرب مع إسرائيل، ورحيل معظم قياداته، وكذلك قامت بتغيير القيادات التي كانت تتواصل مع الفصائل والجهات السياسية العراقية، وهي خطوات جدية لإعادة استراتيجيتها في العراق، عبر الاكتفاء بسحب الفصائل من المواجهة المباشرة مع أميركا وإسرائيل، والتركيز على الجانب السياسي من أجل عدم التصعيد داخل الساحة العراقية، مؤكدة أن الملف العراقي ما زال لدى إسماعيل قآاني، ولكن الأطراف التي كانت تعمل تحت إمرته وتتواصل مع القوى العراقية تغيرت مؤخرا.

ولفتت إلى أن إيران لا تريد أن تخسر العراق، لأنه مكان مهم لتجاوز العقوبات الأميركية والغربية المفروضة عليها، إذ ستتخلى لأميركا عن بعض الأدوار، كما أنها تريد الحفاظ على المعادلة في اختيار رئيس الوزراء العراقي المقبل، بالتوافق بين واشنطن وطهران، وعدم تكرار تجربة عادل عبد المهدي التي انفردت فيها طهران باختياره رئيسا للوزراء وأدت إلى فوضى سياسية.

ونوهت المصادر إلى أن قائد الجمهورية الإسلامية الإيرانية علي خامنئي أرسل للقوى السياسية العراقية رسالة، بيد إسماعيل قآاني خلال الأسبوع الماضي، يطالب فيها بتوحيد موقف القوى السياسية الشيعية، وعدم تفكيك "الإطار التنسيقي"، وينتظر نتائج الانتخابات النيابية العراقية المقبلة، لدعم المرشح المناسب لرئاسة الوزراء والذي يجب أن يكون من قوى "الإطار التنسيقي" حصرا، خصوصا أن جولات مكوكية يجريها بعض السياسيين العراقيين الذين لديهم علاقات مع أميركا إلى إيران للتسويق لأنفسهم للمرحلة المقبلة.

إيران عملت على إعادة هيكلة الملف العراقي مؤخرا، إذ أبعدت "حزب الله" اللبناني، الذي كان له دور بارز في السنوات الماضية بعد رحيل قاسم سليماني، في تشكيل الحكومات العراقية

ولكن السياسي العراقي المقرب من رئيس الوزراء، إبراهيم الصميدعي، قال إن رئيس الوزراء العراقي المقبل هو من سينال ثقة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي وضع شرطا واحدا، هو إنهاء ملف الفصائل العراقية، مشيرا إلى أن المحور الإيراني خرج عن العمل في المنطقة بعد المتغيرات الكبيرة نتيجة 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وبينت المصادر أن الولايات المتحدة الأميركية تعمل على تفكيك قوى الإطار الشيعي، بإبعاد بعض القوى التي صُنفت إرهابية بحجة قربها من إيران.

رويترز
البرلمان العراقي في بغداد، العراق، 7 فبراير 2022.

وتشير المعطيات إلى أن المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران مرشحة للتصاعد داخل الساحة العراقية، وقد تفضي إلى اضطرابات أمنية في حال استبعاد قوى سياسية شيعية تمتلك مقاعد في مجلس النواب من المشاركة في تشكيل الحكومة المقبلة، ويستحضر سيناريو ما جرى في عام 2021، حين رفض مقتدى الصدر، الفائز في الانتخابات آنذاك، الانضمام إلى الإطار التنسيقي المدعوم من إيران، وسعى إلى الانفراد بتشكيل الحكومة، ما أدى إلى اندلاع مواجهات مسلحة بين الجانبين انتهت بانسحاب الصدر رسميا من العملية السياسية.

وذكر السياسي المعروف، عزت الشابندر، أن الاستجابة للمطالب الأميركية بحل "الحشد الشعبي"، ستؤدي إلى إسقاط الحكومة التي تقوم بهذا العمل، خلال 24 ساعة، لأن هذا الإجراء ليس سهلا، مشيرا إلى أن "الحشد الشعبي" لا يمثل تهديدا للمصالح الأميركية، ولكن يعتبر حله مطلبا إسرائيليا.

وبيّن الشابندر أن مستقبل العراق لا يوجد فيه استقرار نتيجة ما تقوم به إسرائيل من التدخل بشؤون الدول، لافتا إلى أن شق تحالف "الإطار التنسيقي" إلى جبهتين سيؤدي إلى خسارة كبيرة للشيعة.

font change