أطلقت الفنانة اللبنانية منار علي حسن العنان لدقائق مشاعرها وأفكارها في معرض قدمته صالة "جانين ربيز" الفنية تحت عنوان "سرديات أجساد مؤلمة"، اخترقت فيه حاجز الصمت لتعبر عن معاناتها ومعاناة ست صديقات لها مع مرض "الفيبروميليجيا" أو ما يسمى بـ"التهاب العضلات الليفي".
لم يكتف هذا البوح بحدود السرد البصري والمباشر لأنواع وأشكال المعانات الجسدية بل امتلك حكمة اتخاذ الألم كمدخل إلى خفايا الذات وإلى وسع العالم الخارجي على السواء.
العملاق المراوغ
أول ما يلفت الناظر في أعمال منار علي حسن، هو أنها تقيم ما يشبه القطيعة مع عالم الغرافيك والتصميم، الذي كان برز بقوة في أعمالها السابقة. ولذلك، كان أول ما بادرنا به هو سؤالها عن هذا التحول، فأجابت: "التصميم الغرافيكي أثر بشكل مباشر في فني، ليس فقط من الناحية التقنية، بل أيضا من حيث النظر إلى الصورة كخطاب بصري متكامل. في التصميم، أتعامل مع الشكل والرسالة بوضوح، وقد انعكس ذلك على ممارستي الفنية بالكامل، حيث أصبح لدي وعي أكبر بكيفية قراءة الصورة وتلقيها من قبل المشاهد. أحيانا أجد صعوبة في التحرر الكامل من قواعد الغرافيك، إذ غرس في داخلي نوعا من الانضباط والنظام في التعامل مع الصورة والأفكار، وهو ما يرافقني حتى في عملي الفني البحت. اليوم، بدأت أسمح لأعمالي الفنية، كهذه المعروضة حاليا، بأن يتسلل إليها الغموض والهشاشة والمشاعر غير المكتملة. في النهاية، لا أرى في التصميم الغرافيكي والفن عالمين متناقضين، بل هما مساران متقاطعان يشكلان معا لغتي البصرية".
يمكن اعتبار معرض منار علي حسن الفردي الأول هذا، خطوة كبيرة نحو العبور إلى أشواك الفن ووروده، دون أي تحفظ. إذ قدمت من خلاله أعمالا انطلقت من معاناة الجسد وأحواله، متجهة نحو آفاق ميتافيزيقية تعبر عن أبعاد أعمق للمشاعر وللنظرة إلى الوجود. في هذا السياق تقول الفنانة: "تحت وطأة الشدة والمحن، غالبا ما نجد أنفسنا مرغمين على إعادة النظر في حياتنا وتعريفها من جديد، في محاولة للحفاظ على هوية ذاتية صادقة. والمعرض مشروع فني قائم على البحث في سرديات شخصية واستكشاف الطبقات الحميمة والشخصية لمعنى الألم الذي ينخر الجسد. في هذه الأعمال الفنية، تتجلى التجارب الحية لسبع نساء لبنانيات يصارعن أمراضا مزمنة ومؤلمة، تشكل جزءا من واقعهن اليومي، وتجسد حضور الجسد بوصفه ساحة للصراع والمعاناة. كما تطرح الأعمال الفنية أسئلة وجودية وتقيم رابطا بين الهوية والعلاقات الشخصية والاجتماعية".



