"راء عبقري، يمتلك معرفة باطنية"، هكذا وصف الفيلسوف الفرنسي ريمون أبيليو صديقه الشاعر مالكولم دو شازال (1902 – 1981). وصف لن يرى فيه مبالغة كل من حظي بمصادقة هذا الشاعر الموريسي، مثل أندره بروتون وجورج باتاي وفرنسيس بونج الذين عبّروا، كل واحد بدوره، عن افتتانهم به، لكن من دون أن تتمكن شهاداتهم المجيدة الصائبة، من توسيع دائرة شهرته التي تبقى محدودة، مقارنة بشهرتهم، علما أن ثمار عمله الشعري لا تقلّ قيمة عن ثمارهم، لا بل تتحلى، في نظرهم بالذات، بقيمة أكبر.
لذلك نغتنم حدث صدور كتاب غير منشور لدو شازال عن دار "أرفوين" الفرنسية، تحت عنوان "الكلمة"، للتعريف بمسيرته الشعرية، بالبوصلة التي وجّهتها، قبل بلوغ هذا الكتاب المجهول الذي بقدر ما يتناغم في مضمونه مع سائر أعماله، يشكل خلاصة فريدة لها، وبالتالي مناسبة لإعادة قراءة هذا العملاق في ضوئه.
الدهشة الأولى
في مسيرة كل شاعر، تشكل الطفولة المرحلة المؤسسة لحساسيته، لأنها فضاء الدهشة الأولى، النقية، وفضاء الاتصال الأول بالعالم. ومن هذه المرحلة من حياة دو شازال، نحفظ ما كشفه بنفسه في كتابه "معنى وحيد" (1974): "الطفولة هي العبور إلى نظام اللانهاية"، ثم في "سيرة ذاتية روحية" (2008): "لم أكن مثل سائر الأطفال. لذلك كانوا ينفرون مني. تعود عزلتي إلى ذلك الزمن. (...) في طفولتي، أكثر ما أثر فيّ هي الأزهار".
ليس من المستغرب إذن أن ذلك الذي خطا أولى خطواته في الكتابة من خلال مقالات انتقد فيها وطنه (جزيرة موريشيوس) لكونه أشبه بـ"قرطاجة صغيرة يتسلط على ديكتاتوريتها الاقتصادية زعيمان أو ثلاثة عشائريون، ولا يعد من أهل الرأي السديد فيها سوى الأثرياء"، قبل أن يقوض أسس الرأسمالية نفسها، ليس من المستغرب إذن أن يبتعد هذا الشاعر باكرا عن الصالونات الاجتماعية، مفضلا عليها الحدائق النباتية ومحادثة الطبيعة في جزيرته: "الكاتب وإنسان الطفولة لم يكونا بالنسبة لي سوى كائن واحد. لقد أصبحتُ ما كنت عليه".



