سوريا أمام مفترق طرق، بعد اللقاء التاريخي الذي جمع بين الرئيس دونالد ترمب ونظيره السوري أحمد الشرع وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الرياض يوم 14 مايو/أيار 2025، واللقاء الثاني بين ترمب والشرع على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر/أيلول الماضي، واللقاء الثالث الذي سيعقد في البيت الأبيض في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2025.
ستكون زيارة الشرع هي الأولى لرئيس سوري إلى البيت الأبيض في التاريخ، علما أن محمد علي العابد زاره قبل أن يكون رئيساً عام 1932، يوم قدم أوراق اعتماده كسفير للسلطنة العثمانية عام 1908، وكذلك ناظم القدسي، عندما كان سفيراً عام 1944، قبل سنوات من انتخابه رئيساً عام 1961. وقد زار الرئيس شكري القوتلي أميركا في مطلع الستينات، بعد خروجه من الحكم عام 1958، لكنه بقي في هيوستن للعلاج ولم يزر واشنطن. أما عن القمم الرئاسية فكانت عدة في عهد حافظ الأسد، مع ريتشارد نيكسون في دمشق عام 1974، ومع جيمي كارتر في جنيف عام 1977، ومع جورج بوش الأب في جنيف أيضاً عام 1990، ومع بيل كلينتون، في دمشق (1994) وجنيف (1996، 2000). في كل مرة كانت أمور مفصلية عدة توضع على طاولة المفاوضات، ويأتي تغير جذري في سياسة سوريا الخارجية كما هو الحال اليوم مع تزايد الكلام عن قرب دخول دمشق في التحالف الدولي ضد الإرهاب.

وفيما يلي تاريخ القمم السورية-الأميركية منذ فتح المفوضية السورية في واشنطن عام 1944:
القمة التي لم تعقد: القوتلي–روزفلت (1945)
كما هو الحال اليوم في الدور المحوري الذي لعبه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في جمع ترمب والشرع في الرياض، عمل جدُّه الملك عبد العزيز على جمع الرئيس شكري القوتلي بالرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت في مصر سنة 1945. كان ذلك بعد سنة على تبادل السفارات بين البلدين، وفي أعقاب عودة روزفلت من مؤتمر يالطا، واللقاء الشهير الذي جمعه بالعاهل السعودي في 14 فبراير/شباط 1945. لم يكن أي رئيس سوري قد التقى برئيس أميركي من قبل، باستثناء محمد علي العابد الذي قابل الرئيس تيودور روزفلت في عام 1908، يوم كان سفيراً للدولة العثمانية في واشنطن، وذلك قبل 24 سنة من انتخابه رئيساً للجمهورية في سوريا. وقد جاء تيودور روزفلت إلى دمشق بعد خروجه من البيت الأبيض في أبريل/نيسان 1910 ولكنه لم يلتق بأي زعيم محلّي.
لم يحدث لقاء القوتلي–روزفلت بسبب تدهور الوضع الصحي للرئيس الأميركي، ولكن كان من المقرر له أن يجلب سوريا إلى صف الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، وهو ما حدث بالفعل عندما اجتمع الرئيس السوري برئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل في 17 فبراير، بترتيب أيضا من الملك عبد العزيز. يومها، أعلنت سوريا الحرب على ألمانيا النازية، وحصلت في المقابل على دعوة للمشاركة في مؤتمر تأسيس الأمم المتحدة في مدينة سان فرانسيسكو في نهاية شهر أبريل من عام 1945. وقد أدى هذا الاحتضان الدولي، مع الوقت، إلى تحرير سوريا من الانتداب الفرنسي عام 1946.
تدهورت العلاقات السورية–الأميركية بعد وفاة روزفلت وأثناء حرب فلسطين عام 1948، وعندما قررت دمشق التحالف مع الاتحاد السوفياتي في الحرب الباردة. قطعت العلاقات الثنائية بين البلدين في رئاسة القوتلي الأخيرة سنة 1957، ولم يتم استئنافها إلا بعد انهيار الوحدة مع مصر عام 1961. ثم عادت للانقطاع مرة ثانية خلال حرب يونيو/حزيران 1967، ولم تعد إلا في يونيو 1974، بعد أربع سنوات من وصول حافظ الأسد إلى الحكم.

القمة الأولى: الأسد–نيكسون (1974)
في 15 يونيو 1974، زار ريتشارد نيكسون دمشق في أول زيارة رسمية لرئيس أميركي إلى سوريا، بهدف دفع عملية السلام قدماً من جهة، والتغطية على فضيحة "ووترغيت" التي كانت مشتعلة في واشنطن، من جهة أخرى. كانت الولايات المتحدة يومها قد بدأت بالعمل مع الرئيس المصري أنور السادات على إنهاء الحرب مع إسرائيل، وأراد نيكسون أن تكون سوريا شريكة في عملية السلام، ولكن وزير خارجيته هنري كيسنجر رفض إعطاء تعهد خطّي للأسد بضرورة الانسحاب الإسرائيلي من الجولان المحتلة منذ عام 1967. نجحت الزيارة في طيّ صفحة الخلافات بين البلدين، وفي عودة العلاقات الدبلوماسية على أكمل وجه، ولكنها لم تحقق شيئا يذكر فيما يتعلق بعملية السلام، وقد استقال نيكسون من منصبه في 8 أغسطس/آب 1974، بعد أقل من شهرين على زيارته دمشق.
