رام الله- يأتي موسم قطف الزيتون في الضفة الغربية عادة باعتباره موعدا اقتصاديا وعمود رزقٍ لآلاف الأسر الفلسطينية، غير أن مشهد هذا العام بدا مختلفا كليا. فقد تحوّل موسم الرزق إلى ساحة اشتباك منخفض الحدة، تتقاطع فيها اعتداءات المستوطنين المتزايدة، والإغلاقات العسكرية، وتوتر أمني متصاعد، وسط غياب شبه تام لأي آليات حماية فعّالة للمزارعين.
فقد تحول الموسم من مناسبة فلاحية وطقس تراثي إلى معركة بقاء اقتصادية وإنسانية للفلسطينيين حيث تبرز في خلفية هذا المشهد أزمة معيشية خانقة بعد انهيار مصادر الدخل الرئيسة الثلاثة: تعثر أو تأخّر رواتب شريحة واسعة من موظفي القطاع العام في السلطة الفلسطينية، توقف عشرات آلاف العمال عن الوصول إلى أعمالهم داخل إسرائيل، وتراجع الحركة التجارية بين الضفة ومدن الداخل، ما جعل من "زيت السنة" المورد الأخير لعشرات آلاف العائلات، قبل أن يتحوّل إلى ساحة مواجهة عنيفة بين المستوطنين والجيش الإسرائيلي من جهة والمزارعين الفلسطينيين من جهة أخرى في مشهد يمكن تسميته "حرب الزيتون".
وتزامن موسم القطاف هذا العام مع الهدنة الهشّة في غزة، فانعكست تداعيات الحرب على الحياة اليومية في الضفة، حيث سجّلت منظمات حقوقية وناشطون ارتفاعا غير مسبوق في اعتداءات المستوطنين على عشرات القرى الفلسطينية المحاذية للمستوطنات ومنع وصول المزارعين إلى الكروم، والاعتداء على القاطفين، وسرقة المحاصيل وحرق الأشجار وتدمير المعدات الزراعية، وإطلاق النار المباشر، كما حدث في محافظة طوباس شمال الضفة الغربية، حيث ترافق ذلك مع إجراءات عسكرية إسرائيلية شملت إغلاقات طرق فرعية ورئيسة وعمليات دهم متكررة، ما قلّص الوقت المتاح لقطف الثمار ونقلها إلى المعاصر، وتسبب بخسائر كبيرة في المحصول نتيجة التأخير، وحرمان مئات العائلات من الوصول إلى أراضيها في الأيام "الذهبية" التي يحددها الجيش الإسرائيلي عادة للتنسيق، فيما لم يوفر أية حماية لمزارعي الزيتون أمام اعتداءات المستوطنين، بل شارك في أحيان كثيرة في منع الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم.
وقال رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان مؤيد شعبان إن الجيش الإسرائيلي والمستوطنين نفذوا ما مجموعه نحو 340 اعتداء ضد قاطفي الزيتون منذ انطلاقة الموسم في الأسبوع الأول من شهر أكتوبر/تشرين الأول وحتى هذه اللحظة، كما سجل الموسم الحالي 92 حالة تقييد حركة وترويع لقاطفي الزيتون، إضافة إلى 59 حالة للضرب والاعتداء بحق المزارعين.


