"وبعد أن اطمأن بهم الجلوس ساعة من الزمان أقبل عليهم عبد وعلى رأسه سفرة طعام فيها أوان من الصيني والبلور... وكانت هذه السفرة مما درج وطار وسبح في البحار، كالقطا والسمان وأفراخ الحمام وشياه الضأن وألطف السمك. فلما وضعت تلك السفرة بينهم تقدموا وأكلوا بحسب الكفاية. ولما فرغوا من الأكل قاموا عن الطعام، وغسلوا أيديهم بالماء الصافي والصابون الممسك، وبعد ذلك نشفوا أيديهم بالمناديل المنسوجة بالحرير والقصب، وقدموا لنور الدين منديلا مطرزا بالذهب الأحمر فمسح به يديه. وجاءت القهوة فشرب كل منهم مطلوبه، ثم جلسوا للحديث..." - حكاية نور الدين ومريم الزنارية، "ألف ليلة وليلة".
ينظر عادة إلى المماليك على أنهم قساة دمويون، غليظو القلوب وشديدو الطباع، وقد يكون هذا صحيحا، لكن لهذه الغلظة وجها آخر شديد الوداعة، فمن المعروف أن كثيرا من المماليك كانوا يقضون بعضا من أوقات السلم في الصيد والتنزه والاهتمام بالخيول، وكانوا معروفين بالأناقة وحبهم للعطور وحب العمارة، كما كانوا متذوقين للفن وللجمال، وللطيبات من الطعام أيضا. ففي لفتة تكشف جانبا حميميا من حياة البلاط المملوكي، يروى أن السلطان الصالح (صالح) قرر أن يدعو والدته ورفاقه المقربين إلى وليمة عظيمة، وما كان منه إلا أن شد على وسطه مئزر الطهي، وأشرف على طبخ أطباق الوليمة وتولى مهمة إعداد المائدة ووضع الأطباق عليها بنفسه. وفي الحقيقة، لم يكن الطعام مجرد حاجة إنسانية أو مذاقا لذيذا فحسب، بل كان سجلا إنسانيا حافلا بالحكايات عن حكم المماليك وأناقتهم، وعن تمازج التوابل والعادات والأطعمة في مدينة عالمية، وأهم حاضرة شرقية في زمنهم، أي القاهرة.
دخول الإسلام
في البداية، جلب الفتح العربي مع اللغة العربية والدين الإسلامي العديد من التأثيرات والتحولات. إذ أرسى دعائم التجديد في المنظومة الزراعية للبلاد، فلم تكتف الأراضي الخصبة على طول نهر النيل بإنتاجها الوفير القديم، بل استقبلت المحاصيل الجديدة. فدخل الأرز، وتجذر قصب السكر، وأينعت ثمار الموالح، مما أضاف إلى المائدة المصرية ثراء في المكونات وتوسعا في الخيارات الغذائية.






