ماجد الأنصاري لـ"المجلة": أفلام الرعب تتحدث بلغة عالمية

فيلمه "حوبة" فاز بجائزة "فانتاستيك" العالمية

المخرج والمنتج الإماراتي ماجد الأنصاري

ماجد الأنصاري لـ"المجلة": أفلام الرعب تتحدث بلغة عالمية

اشتغل المخرج والمنتج السينمائي الإماراتي ماجد الأنصاري، على أفلام الرعب بمنظور خاص يستكشف من خلاله المشاعر الإنسانية في أكثر المواقف ضعفا، ويبرزها بلا أقنعة. وعلى الرغم من أنه درس الموسيقى في ولاية كاليفورنيا، لكن السينما جذبته وحقق فيها النجاح والشهرة، منذ فيلمه الأول "زنزانة" عام 2015 ومن ثم إخراجه مسلسل "ما وراء الطبيعة" على "نتفليكس" إلى جانب المخرج المصري عمرو سلامة.

الأنصاري الذي حصل على جوائز عدة آخرها جائزة أفضل فيلم رعب في مهرجان "فانتاستيك فيست" الأميركي، لم يكتفِ بتجربة الإخراج، بل اشتغل في مواقع سينمائية عدة منها مساعد مدير موقع في فيلم "الجن" ومنتج تنفيذي لأفلام عدة منها "راشد ورجب" و"سيدة البحر". هنا حوار "المجلة" معه.

لماذا اخترت نمط أفلام الرعب والتشويق، بما في ذلك في فيلمك الأخير "حوبة"؟

اختياري لأفلام الرعب والتشويق ينبع من قناعتي بأن هذا النوع لا يقتصر على إثارة الخوف، بل يتيح مساحة عميقة لاستكشاف المشاعر الإنسانية في أكثر حالاتها صدقا وهشاشة. فالرعب بالنسبة إلي ليس هدفا بحد ذاته، بل وسيلة للكشف عن توترات داخلية يعيشها كل إنسان كالخوف والقلق والرغبة في التمسك بالأمان وسط المجهول.

في "حوبة" سعيت إلى توظيف عناصر الرعب والتشويق النفسي لخدمة قصة تحمل بعدا إنسانيا متعدد الطبقات، يتناول الصراع بين العاطفة والعقل وبين الحب والخوف بأسلوب بصري وموسيقي يعزز التجربة الشعورية للمشاهد. أؤمن بأن هذا النوع من السينما قادر على ملامسة الجمهور في كل مكان لأنه يتحدث بلغة عالمية عن مشاعر يشترك فيها الجميع مهما اختلفت ثقافاتهم أو تجاربهم.

ما وراء الرعب

هل ترى أن الرعب يفتح آفاقا من التأمل والطرح الفكري، يتجاوز الجانب التشويقي؟

نعم، بالتأكيد. الرعب، عندما يُستخدم بذكاء، يصبح أداة قوية للتأمل والطرح الفكري. فبعيدا من عنصر التشويق أو الخوف المباشر، يتيح هذا النوع من السينما أو الأدب مساحة لاستكشاف ما يخفيه الإنسان في أعماقه، من مخاوف وذنوب ورغبات، وحتى القضايا الاجتماعية والسياسية.

سعيت في "حوبة" إلى توظيف عناصر الرعب والتشويق النفسي لخدمة قصة تحمل بعدا إنسانيا متعدد الطبقات

الرعب الجيد لا يتحدث عن "الوحش" فقط، بل عما يجعلنا نخاف منه. من خلال الخوف، يمكن كشف طبيعة الإنسان وطريقة المجتمع في التعامل مع المختلف ومع السلطة ومع المجهول. ولهذا تجد أن بعض أعظم أفلام الرعب هي في جوهرها تأملات في الهوية والعائلة والذنب، لكنها تستخدم الخوف كمرآة مكبرة لهذه القضايا.

ملصق فيلم "حوبة"

عرض "حوبة" الذي أنتجته "إيمج نيشن" و"سبوكي بيكتشرز" في مهرجان "فانتاستيك فيست"، هلا أخبرتنا عن هذه المشاركة؟

كانت مشاركة الفيلم في مهرجان "فانتاستيك فيست" في أوستن بالولايات المتحدة تجربة مميزة بكل المقاييس، خاصة أن المهرجان يُعد من أهم المهرجانات المتخصصة في أفلام الرعب والخيال على مستوى العالم. العرض هناك مثل فرصة للتعريف بالسينما الإماراتية أمام جمهور عالمي واسع، ولعرض جانب جديد من السرد العربي بأسلوب معاصر.

فوز الفيلم بجائزة أفضل فيلم رعب في المهرجان كان مصدر فخر كبير لنا وشهادة على جودة العمل وجهود الفريق بأكمله، من الطاقم الفني إلى الممثلين. كما أكد هذا التتويج أن للسينما الإماراتية حضورا قويا وقابلية للوصول إلى جماهير مختلفة حول العالم وأننا قادرون على تقديم أعمال تحمل هوية محلية بروح عالمية.

عشتَ فترة في أوغندا وحضرتَ "مختبر مايشا للأفلام" هناك، وهي مبادرة تدريبية غير ربحية لصانعي الأفلام الناشئين في شرق أفريقيا، ما خصوصية هذه التجربة؟

تجربة "مايشا" كانت مميزة جدا، لأنها وضعتني في بيئة مختلفة تماما عما كنت معتادا عليه. وجدت نفسي بين صُناع أفلام من خلفيات وثقافات متنوعة يجمعهم شغف صادق بسرد القصص رغم قلة الإمكانات. هناك لم يكن الاهتمام بالتقنيات بقدر ما بالجوهر: ما الذي تريد أن تقوله ولماذا؟

هذه التجربة علمتني البساطة والصدق في السرد، وأن السينما لا تحتاج بالضرورة إلى ميزانية ضخمة لتكون مؤثرة. كانت ورشة مليئة بالطاقة الإنسانية والإبداع الخام، أعادت لي الإيمان بأن الشغف وحده كافٍ لخلق سينما حقيقية.

بين الفكرة والواقع

لماذا اخترت فكرة السجن موضوعا لفيلمك الأول "زنزانة"، وما المختلف الذي عملت عليه لتقديم هذه المكان الذي كثيرا ما تناولته الأعمال الفنية العربية؟

فكرة "زنزانة" جذبتني لأنها مساحة مغلقة تحمل في داخلها كل شيء: الخوف والصراع والإنسان نفسه عندما يُجرد من كل ما حوله. الزنزانة ليست فقط مكانا ماديا، بل حالة ذهنية، مواجهة مباشرة مع الذات حيث لا يبقى سوى الحقيقة.

بعض أعظم أفلام الرعب في جوهرها تأملات في الهوية والعائلة والذنب، لكنها تستخدم الخوف مرآة مكبرة لهذه القضايا

الكثير من الأعمال العربية تناولت السجن من منظور اجتماعي أو سياسي، لكني أردت أن أذهب إلى الجانب النفسي والإنساني. ركزت على التوتر، على العزلة، وعلى فكرة أن الخطر الحقيقي قد لا يكون في الخارج بل في داخل الفرد. حاولت أن أقدم الزنزانة كمنصة للغوص في أعماق الشخصية، لا كمجرد خلفية درامية.

ملصق فيلم "زنزانة"

كيف تصف تجربتك بإخراج ثلاث حلقات من مسلسل "نتفليكس" الشهير "ما وراء الطبيعة" المستوحى من روايات أحمد خالد توفيق؟

هذه التجربة كانت محطة مهمة جدا في مسيرتي. العمل على مشروع يحمل هذا الإرث الكبير من روايات أحمد خالد توفيق، كان مسؤولية ضخمة، لأن هذه القصص شكلت جزءا من ذاكرة جيل كامل. حاولت أن أتعامل مع المادة باحترام، لكن أيضا بروح جديدة، بصرية وسينمائية، تعطيها بعدا معاصرا دون أن تفقد هويتها الأصلية.

ملصق مسلسل "ما وراء الطبيعة"

كانت تجربة غنية من حيث التعاون مع فريق مصري مبدع والإنتاج على مستوى عالمي مع "نتفليكس". تعلمت الكثير عن إدارة مشروع بهذا الحجم، وعن كيفية الموازنة بين الرؤية الفنية ومتطلبات المنصة. بالنسبة إلي، كانت فرصة لاكتشاف كيف يمكن الخيال والرعب العربي أن يُقدَّما بلغة عالمية.

اشتغلت بالكتابة وعملت كمنتج تنفيذي، كيف يثري التنوع عملك الأساس كمخرج سينمائي وتلفزيوني؟

أعتقد أن التنوع في التجربة هو ما يصقل المخرج فعلا. الكتابة تعلمني أن أبدأ دائما من الفكرة، من الجوهر، من المعنى الذي أريد قوله قبل أي شيء بصري. أما الإنتاج التنفيذي فيجعلني أفكر بواقعية، كيف تترجم الفكرة إلى واقع، وكيف تُدار كل تفاصيلها حتى تصل إلى الشاشة بالشكل الذي أريده.

عندما أعود إلى الإخراج وأنا أحمل هاتين الزاويتين، أكون أكثر وعيا بما يحتاجه المشهد دراميا وعمليا. أفهم التوازن بين الحلم والتنفيذ. هذا التنوع جعلني أرى السينما كعملية كاملة لا كمرحلة واحدة. في النهاية، كل هذه الأدوار تخدم الهدف نفسه، أن تروي قصة بصدق وبأفضل شكل ممكن.

أثر الموسيقى

ماذا تبقى من طموحك الموسيقي، باعتبارك درست الموسيقى في "لونغ بيتش" في كاليفورنيا قبل دخولك عالم السينما؟

الموسيقى ما زالت جزءا أساسيا مني حتى لو لم أمارسها كمهنة اليوم. هي اللغة الأولى التي علمتني الإيقاع والتوازن والصمت، وهي عناصر موجودة في كل مشهد أصوره. عندما أتعامل مع الصورة أفكر فيها مثل مقطوعة موسيقية، متى ترتفع، متى تهدأ، ومتى تصمت لتترك الأثر.

ربما لم أستمر في الموسيقى كمؤلف أو عازف، لكنها ما زالت ترافقني في كل فيلم أقدمه. أعتقد أن طموحي الموسيقي تحول إلى إحساس موسيقي في الإخراج، في المونتاج، في الإيقاع الداخلي للمشاهد، وحتى في طريقة توجيه الممثلين. هي جزء من بصمتي التي لا تختفي.

هناك صناع سينما بدأوا يستعينون بالذكاء الاصطناعي في إنتاج أفلامهم، فهل تفكر في الاستعانة به؟

بصراحة، أرى أن الذكاء الاصطناعي أصبح أداة لا يمكن تجاهلها، لكنه يظل أداة في النهاية وليس بديلا من الخيال الإنساني. ما يهمني هو كيف يمكن استخدامه لخدمة الفكرة وليس العكس.

أفكر في الاستعانة به في مراحل محددة مثل تطوير التصور البصري أو المساعدة في مرحلة ما قبل الإنتاج، كتصميم اللقطات أو اختبار نغمات اللون والإضاءة. لكنه لن يحل محل الإحساس الإنساني الذي يجعل الفيلم صادقا.

علمتني الموسيقى الإيقاع والتوازن والصمت وهي عناصر موجودة في كل مشهد أصوره

بالنسبة إلي، الذكاء الاصطناعي مثل الكاميرا أو المونتاج، وسيلة يمكن أن توسع أدوات المخرج، لكنها لا يمكن أن تخلق الإحساس أو التجربة وحدها.

كيف تنظر إلى التجربة السينمائية في الإمارات وهل استطاعت أن تجد خصوصيتها؟

أعتقد أن التجربة السينمائية في الإمارات تمر بمرحلة نضوج حقيقية. في البداية كان الهاجس هو إثبات القدرة على صناعة أفلام محليا، واليوم أصبح التركيز على الهوية وعلى إيجاد صوت إماراتي خاص داخل المشهد العربي والعالمي.

هناك جيل جديد من المخرجين والكتاب بدأ يعبر عن نفسه بجرأة، يلامس قضايا المجتمع بعمق، ويقدمها بلغة سينمائية متطورة. نحن نبحث عن صوتنا الخاص الذي يتشكل من خليط من ثقافتنا المحلية وحسنا الإنساني العالمي.

مشهد من فيلم "حوبة"

ما زلنا في بداية الطريق، لكن الأهم أن هناك رؤية ووعيا سينمائيا يتشكل. ومع الدعم المؤسسي المتزايد والفرص التي تُمنح للمواهب الجديدة، أرى أن السينما الإماراتية قادرة على أن تقدم شيئا مختلفا فعلا وصادقا في الوقت نفسه.

font change