لا ذكر ولا إشارة مباشرة إلى الرئيس الأميركي دونالد ترمب في فيلم بول توماس أندرسون، "معركة تلو أخرى"، إلا أن ظلاله، وكل ما يمثله، في السياسة والثقافة والاجتماع الأميركي، لا تخطئها العين. الفيلم الذي اقتبسه أندرسون بطريقة "غير لطيفة" (أي بكثير من التصرف)، كما صرّح أندرسون، عن رواية توماس بينشون "فاينلاند" (1990)، تمتد أحداثه لفترة عشرين سنة تقريبا، وإذا كان هناك جدال بين مشاهدي الفيلم حول الفترة المحددة لتلك الأحداث، سواء كانت تمتد بين ثمانينات القرن الماضي وبداية الألفية، أو بين التسعينات وزمن أوباما، أو حتى بين بداية الألفية وبداية رئاسة ترمب الأولى، فإن هذا غير جوهري: أميركا التي يصفها الفيلم، هي أميركا التي نعرفها على الأقل طوال القرن العشرين وإلى وقتنا هذا، حيث جيل جديد يسعى إلى التغيير – وغالبا ما يهزم - وحرس قديم يسعى إلى إبقاء الأمور على حالها، بل ودفع أجندته الخاصة قدما.
ترمب وتياره "حركة ماغا"، حاضران بقوة في الفيلم، ليس من خلال طرح مسألة الهجرة فحسب، بل من خلال بناء صورة المؤسسة السياسية الأميركية البيضاء، سواء تجلت في الجيش أو في النخب الاقتصادية والمالية، أو في ما يسميه الفيلم "نادي مغامري الكريسماس"، وهم يمثلون نخبة النخبة البيضاء الأميركية الساعية إلى الحفاظ على مكتسباتها التاريخية، والوصول إلى صورة تأسيسية مشتهاة عن أميركا مسيحية بيضاء طهرانية لا يخالطها عرق آخر.
كما يحضر ترمب وتياره، من خلال ضدهما، أي اليسار الراديكالي، فيصعب عدم عقد مقارنة بين الشباب الثائر في الفيلم وشباب الجامعات الأميركية الذي انتفض ضد حرب الإبادة الإسرائيلية ودعم الإدارة الأميركية لها، وإن كان هذا الشباب الثائر في الفيلم أقرب إلى "حركة الفهود السود" في الستينات، التي كانت تعدو إلى التغيير بقوة السلاح، مما إلى الشباب السلمي وحراكه المدني اليوم. إلا أن وجه الشبه هو في قوة الغضب والرفض التي يختزنها هؤلاء الشباب ضد المؤسسة السياسية المهيمنة.
وجوه أميركا المتناقضة
بدلا من المجموعة الثورية التي يصورها توماس بينشون في روايته، وهي مجموعة من الهيبيين الثائرين في الستينات على "المؤسسة الأميركية" الطامحين إلى النقاء والحرية المطلقة، وقد تخلت عنهم أحلامهم أو تخلوا هم عنها (أحداث الرواية تبدأ مع ولاية رونالد ريغان الثانية في 1984)، يختار أندرسون أن يبدأ شريطه هذا على الأرجح من حيث هزمت تلك المجموعة، أي في الثمانينات على الأرجح، مع مجموعة أخرى متخيلة من اليساريين الثوريين المختلطين عرقيا، يسمون أنفسهم "الفرنسيين الـ 75" (الأرجح إشارة إلى الثورة الفرنسية ومبادئها)، قضيتهم الرئيسة تحرير المهاجرين المكسيكيين المعتقلين في مراكز الهجرة الأميركية، مع قضايا أخرى تبرز بين وقت وآخر، مثل الحق في الإجهاض أو محاربة الرأسمالية متمثلة في البنوك الكبرى.







