بعد ثلاث سنوات من الحرب المدمرة بين الجيش السوداني و"قوات الدعم السريع"، تواجه السودان معضلة سياسية عميقة: كيف نمنع أن يتحول انتصار السلاح إلى هزيمة السياسة؟ فمع تصاعد أصوات ورغبات الحسم العسكري من الطرفين، يصبح السؤال الأكثر إلحاحا: هل هناك مستقبل لدولة مدنية قائمة على سيادة القانون، أم إن المناخ القادم سيفتح الباب لإعادة إنتاج منظومة استبدادية جديدة؟
والأخطر أن الإسلاميين، الذين فقدوا السلطة عام 2019، وجدوا في الحرب فرصة لإعادة تنظيم صفوفهم تحت شعار "حماية القوات المسلحة" و"المعركة الوجودية". دعمهم للجيش- الذي قد يبدو "وطنيا" ظاهريا- يحمل خطر إعادة تموضعهم في قلب القرار السياسي والأمني. وإذا لم تُوضع ضوابط واضحة تمنع عودتهم إلى بنية الدولة، فإن السودان قد يجد نفسه في مواجهة "الإنقاذ 2.0" بشعارات محدّثة وأدوات أكثر مرونة.
ولا تنتقل المجتمعات من الاستبداد إلى الديمقراطية أوتوماتيكيا. الانتقال الحقيقي هو من نظام سلطوي واضح المعالم نحو "شيء آخر" غير مؤكد- قد يكون ديمقراطية وليدة، أو فوضى مستدامة، أو استبدادا جديدا بوجه مختلف. هذا التحدي ليس استثناء سودانيا. فكما أشار المؤرخ السياسي صمويل فاينر في كتابه الكلاسيكي "الرجل على ظهر الحصان: دور الجيش في السياسة"، فإن النشاط السياسي المستقل للجيوش ظاهرة متكررة وواسعة الانتشار ومتجذرة تاريخيا. ما حذّر منه فاينر هو أن انتصار الجيوش في لحظات الفوضى كثيرا ما يؤدي إلى ابتلاع المجال المدني وتحويل الدولة إلى بنية أمنية مغلقة تُدار بعقلية الطوارئ.


