في أول خطوة ميدانية ضمن سياق "عملية السلام" بين تركيا و"حزب العمال الكردستاني"، أعلن الأخير سحب مقاتليه من "منطقة الزاب" في إقليم كردستان، الواقعة شمال شرقي محافظة دهوك، وتاليا إنهاء المواجهات العسكرية في واحدة من أكثر المواضع سخونة في الحرب بين الطرفين، وبعد سنوات من الاشتباكات شبه اليومية، التي أوقعت مئات الضحايا، وأجبرت سكان مئات القرى والبلدات للنزوح منها إلى باقي مناطق الإقليم، وتسببت في دمار واسع للبيئة والبنى التحتية والخدمية.
الخطوة تفتح ملفا شديد التعقيد، يتمثل في المستقبل السياسي والأمني والاقتصادي لخمس بقاع جغرافية واسعة يسيطر عليها مقاتلو "حزب العمال الكردستاني" منذ عقود، ضمن إقليم كردستان ومناطق الحكومة الاتحادية العراقية. فإلى جانب "منطقة الزاب" هذه، يسيطر مقاتلو "الكردستاني" على منطقة جبال قنديل في المثلث الحدودي مع تركيا وإيران، وأيضا على مناطق جبال برادوست، شمال شرقي محافظة أربيل، بالقرب من ناحية سيدكان. كذلك تسيطر وحدات مرتبطة به على قضاء سنجار شمال غربي محافظة نينوى الموصل، وأيضا على مخيم اللاجئين الأكراد الأتراك في قضاء مخمور جنوب محافظة أربيل.
نهاية مرحلة العنف
زارت "المجلة" الكثير من القرى في المنطقة التي أعلن "الكردستاني" سحب مقاتليه منها، والتقت بمن بقي من سكانها القليلين، الذين أكدوا وجود هدوء استثنائي في كامل مناطقهم منذ عدة أسابيع، فيما أبدوا عدم معرفتهم بالجهة التي توجه إليها الآلاف من مقاتلي "الكردستاني"، نافين أن يكونوا قد شاهدوا أية إجراءات غير اعتيادية، بما في ذلك إخلاء القواعد العسكرية ومراكز سيطرة الجيش التركي.
المنطقة المذكورة تقع ضمن محافظة دهوك، وتمتد على شكل مستطيل بين مدينتي شلادزي شرقا وباتيفا وغربا، وصولا إلى الحدود التركية في الشمال، بطول يمتد لقرابة 90 كيلومترا وعرضا يتراوح بين 20-40 كيلومترا، تتمركز حول سلاسل "جبال كارى" العصية للغاية. فالجيش التركي حاول طوال ثلاثة عقود ونصف السيطرة على تلك الجغرافيا أولا، عبر سلسلة من عمليات القصف والتوغلات العسكرية البرية الميدانية، لينطلق منها إلى باقي السلاسل الجبلية، وصولا لجبال قنديل، حيث البنية المركزية والقيادة العسكرية لـ"العمال الكردستاني" وقادته الرئيسين. لكنه لم يتمكن من فعل ذلك، بالذات بعد اتخاذ مقاتلي "الكردستاني" استراتيجية المجموعات الصغيرة المتنقلة، التي شنت سلسلة من الهجمات على نقاط تمركز الجيش التركي طوال السنوات الماضية.
حسب فريق "منظمة صانعي السلام" (CPT) الأميركية/الكردية، فإن مجموع القواعد العسكرية ونقاط السيطرة التركية بلغت 139 موقعا في مختلف المناطق، هاجمت وخاضت خلال العام الماضي فحسب أكثر من خمسة آلاف مواجهة مع مقاتلي الكردستاني، لكن الاستعصاء الجغرافي وقدرة "الكردستاني" على تأسيس بنية حصينة ومعقدة في الجبال، منعت الجيش التركي من تحقيق أهدافه.

