لم يعش الكاتب السعودي أحمد أبو دهمان عابرا للجغرافيا ومعبرا عنها، بقدر ما عاش ذاكرة تمشي حاملة على رأسها قرى كاملة في اللهجات واللغة والأسطورة مسافرة بها نحو العالم.
كان أبو دهمان ذلك الفتى الذي خرج من جنوبه المعلق بين الجبال والغيوم، ليكتب عن الطفولة والإنسان والهوية بلغة الآخر، دون أن يتخلى عن نبرة المكان الأولى أو طين القرية العالق في روحه. ذابت في تجربته الحدود بين السيرة والخيال، وتحول الاغتراب إلى أداة معرفة حولت القرى السعودية الصغيرة إلى نص مفتوح على الثقافة العالمية.
في قريته آل خلف بمنطقة عسير جنوب السعودية ولد أبو دهمان وفيها تشكلت طفولته بين القمم الجبلية واللوحات البصرية، والعلاقات الاجتماعية المتشابكة. هناك حيث القصور والأبراج التراثية العالية، وآبار بني هلال التي علمته فن الإصغاء الى الحكايات، ومراقبة الإيقاعات الشعبية، والفرح البسيط الذي شكل لاحقا نواة ساعدته في صناعة مكونات مشروعه السردي.
التحولات وأسئلة الهوية
التحولات الحياتية هي التي تجعلنا نقرأ العالم لنرويه للناس بأساليبنا، وهذا بالتحديد ما حدث في عام 1979 لأبو دهمان حيث شكل التحاقه بجامعة "السوربون" في باريس منعطفا حاسما في حياته الفكرية والإنسانية. هناك وجد نفسه فجأة في مواجهة حضارة ولغة مختلفة، وواقع ثقافي فرض عليه إعادة طرح الأسئلة الكبرى: من هو؟ وإلى أي مكان ينتمي؟ وكيف يمكن الذات القادمة من قرية جنوبية أن تعيد تعريف نفسها داخل محور ثقافي عالمي؟



