هوانغ، المهاجر التايواني الذي يقود ثورة الذكاء الاصطناعي

من مطعم دينيز إلى عرش الذكاء الاصطناعي

AFP
AFP

هوانغ، المهاجر التايواني الذي يقود ثورة الذكاء الاصطناعي

في صباح بعيد من فبراير/شباط 1963، ولد جين-سون هوانغ في تايبه التايونية، ثم حملته طفولته إلى مدينة تاينان الجنوبية: مدينة صغيرة يتنقل داخلها بصفته ابنا لأسرة متوسطة تعيش على راتب أب يعمل مهندسا كيميائيا في مصفاة نفط، وأم معلمة تحمل في كل يوم إلى ولديها عشر كلمات جديدة من القاموس لتعلمهما الإنكليزية، وكأنها تفتح لهما نافذة صغيرة على عالم أكبر. كانت العائلة تتنقل كثيرا، تتحدث الهولوكية التايوانية، وتعيش يقينا هادئا بأن التعليم هو المركب الوحيد الذي لا يغرق.. لم تكن تلك السيدة لتعرف أبدا أن طفلها الصغير سيصبح في يوم من الأيام أحد أقطاب صناعة الالكترونات وضمن مجموعة صغيرة للغاية ستساعد في تشكيل ثورة المستقبل، التي نعرفها باسم "الذكاء الاصطناعي".

حين بلغ ذلك الطفل الخامسة، حمله القدر إلى تايلاند حيث استقر والده لأعماله في المصافي. هناك، في أسوار مدرسة دولية في بانكوك، بدأ الطفل النحيل يتعرف الى عالم جديد لا يشبه شوارع تاينان التي تركها خلفه.

في أواخر الستينيات، كان الأب يسافر إلى نيويورك للتدريب، ليعود بقرار سيغير حياة ابنيه بعدما عزم على إرسالهما الى الولايات المتحدة الأميركية. هكذا، في عمر تسع سنوات، وجد الفتى الذي لا يتقن الإنكليزية نفسه في رحلة بلا عودة نحو أميركا، هاربا مع أخيه من الاضطرابات التي عصفت بتايلاند. وهناك بدأ القدر في لعب دوره، إذ سجل العم والخالة—الحديثا الهجرة—الطفلين بالخطأ في معهد ديني إصلاحي بولاية كنتاكي، ظنا منهما بأنه "مدرسة مرموقة". ولأجل تلك الرسوم الباهظة، باعت الأسرة كل ما تملك تقريبا.

الوافد الآسيوي الصغير

في العاشرة من عمره، عاش هوانغ في السكن الخاص بالأولاد. كان يرى أخاه يكد في مزارع التبغ المجاورة بينما كان هو يرسل إلى مدرسة حكومية لأنه أصغر من أن يقبل به المعهد الإصلاحي. هناك، ظهر "الوافد الآسيوي الصغير ذو الشعر الطويل والإنكليزية المتعثرة"، فاستقبلته الساحة المدرسية بالضرب والسخرية. ورغم تلك التحديات، تعلم تنس الطاولة، وانضم الى فريق السباحة. أما المشهد الأكثر إنسانية فكان حين علم رفيقه الأمي، ذاك الشاب ذو الوشوم والندوب، القراءة، مقابل أن يعلمه الأخير كيف يرفع الأثقال. بعد سنوات قال هوانغ: "أتذكر كنتاكي أكثر من أي مكان آخر".

ابتداء من سن الخامسة عشرة، عمل ليلا في مطعم "دينيز" يغسل الصحون ويمسح الطاولات ويقدم الطعام. خمس سنوات في الوردية الليلية، شكلت صلابة لم يمنحه إياها أحد. بعد التخرج، اختار جامعة ولاية أوريغون لأن رسومها منخفضة، فدرس الهندسة الكهربائية وعلوم الحاسوب، وتخرج مبكرا وبأعلى مرتبة شرف، وهو أصغر من في فصله وأصغر من مظهره نفسه.

كان مطعم "دينيز" هو مسرح اجتماعاتهم المتكررة إذ أنه مكان هادئ، يقدم قهوة رخيصة، وذكريات قديمة لهوانغ مع الوردية الليلية

وفي وادي السيليكون، كان يعمل نهارا في تصميم الشرائح الإلكترونية، ثم يعود ليلا إلى قاعات ستانفورد. وفي عام 1992، حصل على درجة الماجستير في الهندسة الكهربائية، مغلقا دائرة طويلة من الهجرة والعمل والنجاة، ومفتتحا دائرة أكبر بكثير، ستعرف لاحقا باسم قصة مؤسس "إنفيديا".

REUTERS
شعار شركة "إنفيديا"

بعد تخرجه، دخل جين- سون هوانغ مبكرا إلى قلب صناعة أشباه الموصلات عبر العمل في شركة "أيه أم دي"، حيث أمضى ما يزيد قليلا على عام واحد، شارك خلاله في تصميم المعالجات الدقيقة، وهي التجربة التي منحته أول احتكاك مباشر بالبنية العميقة لمعالجات الحوسبة ووظائفها الأساسية.

حجر الأساس

ورغم قصر هذه المرحلة، فإنها شكلت حجر الأساس لفهمه العملي لكيفية بناء المعالج من الداخل، لا من موقع المستخدم فقط. بعد ذلك انتقل الى العمل في شركة "أل-أس-آي لوجيك" التي كانت تمر آنذاك بمرحلة توسع سريع عقب دخولها البورصة، وكانت متخصصة في تصنيع الشرائح المستخدمة في تحسين قدرات التخزين وتسريع الشبكات داخل مراكز البيانات والبنى التحتية الرقمية. وخلال عمله هناك، لم يقتصر دوره على الجانب الهندسي فقط، بل تنقل بين مواقع متعددة شملت الهندسة، والتسويق، ثم الإدارة العامة، وهذا ما منحه فهما شاملا لكيفية إدارة شركة تكنولوجية من الداخل، ليس فقط من زاوية الابتكار التقني، بل أيضا من زاوية السوق والقرار التنفيذي.

في عام 1993، ولدت فكرة "إنفيديا" على طاولة إفطار في مطعم "دينيز" على جانب الطريق في شرق سان خوسيه، المكان نفسه الذي عمل فيه جين-سون هوانغ في شبابه وهو يغسل الصحون في أحد فروع السلسلة بأوريغون. هناك، جلس هوانغ مع كريـس مالاكاوسكي وكيرتس بريم، وقرر الثلاثة ترك وظائفهم معا والمغامرة في تأسيس شركة تصنع رقاقات رسومية مخصصة لألعاب الحاسوب. في البداية سموها "إن فيجن" قبل أن يقترح هوانغ اسم "إنفيديا" المستوحى من الكلمة اللاتينية invidia—التي تعنى الحسد.

كان مطعم "دينيز" هو مسرح اجتماعاتهم المتكررة إذ أنه مكان هادئ، يقدم قهوة رخيصة، وذكريات قديمة لهوانغ مع الوردية الليلية. وفي إحدى تلك الجلسات الصباحية على مقعد الإفطار، اتخذ الثلاثة القرار النهائي: هنا ستولد الشركة.

عندما أرادوا تسجيل الشركة رسميا، استعان هوانغ بالمحامي جيمس غيثر من شركة "كولي غودوورد" الذي طلب رأس مال الشركة نقدا، الـ200 دولار التي كانت في جيب هوانغ وقتها. عاد هوانغ إلى شريكيه ليطلب من كل منهما 200 دولار أخرى، ليصبح رأس مال "إنفيديا" الأول 600 دولار فقط. وفي 5 أبريل/نيسان 1993، وقع هوانغ بنفسه وثائق التأسيس الأولى.

في مطلع الألفية الجديدة، قاد جين-سون هوانغ تحولا جوهريا آخر داخل "إنفيديا"، تمثل في تطوير معالجات رسومية قابلة للبرمجة بدل أن تظل مجرد أدوات ثابتة لعرض الصورة

رغم خروجه من شركة "أل-أس-آي"، ظل هوانغ على علاقة جيدة معها، مما مكنه من الحصول على تمويل أولي من مديرها التنفيذي ويلفريد كوريغان الذي قدمه بدوره إلى دون فالنتاين من "سيكويا كابيتال". لم يمض وقت طويل حتى انضمت ستر هيل فنتشرز أيضا إلى قائمة المستثمرين، ليبدأ الثلاثة العمل على أول شريحة رسومية ودفع رواتب الموظفين الأوائل.

منذ اليوم الأول، أصبح هوانغ—وهو في الثلاثين من عمره وأصغر من شريكيه—رئيس الشركة ومديرها التنفيذي. كان بريم يقول دائما: "منذ اللحظة الأولى قلنا لجين-سون أنت تدير الشركة… كل ما لا يعرفه كريس وأنا، ستتولاه أنت". هكذا ولدت "إنفيديا"، من مقعد مطعم بسيط، ومن رؤية ثلاثي آمن بأن المستقبل سيبنى على المعالجة الرسومية.

 أول تجسيد عملي لهذه الرؤية جاء مع إطلاق شريحة NV1 عام 1995، التي كانت قادرة على معالجة الرسوميات الثنائية والثلاثية الأبعاد في وقت واحد، وقد تبنت شركة "سيغا" هذه الشريحة لاستخدامها في أحد أجهزتها الخاصة بالألعاب، في خطوة عكست ثقة مبكرة في قدرات "إنفيديا" التقنية. ورغم أن NV1 لم تحقق انتشارا تجاريا واسعا على مستوى سوق الحواسيب الشخصية، فإنها لعبت دورا مهما في ترسيخ فلسفة "إنفيديا" التقنية، القائمة على دفع حدود القدرة الحاسوبية بدل الاكتفاء بالحلول التقليدية. وكان جين-سون هوانغ يرى في الألعاب ساحة اختبار حقيقية لأقصى ما يمكن أن تبلغه المعالجات من أداء، وفي الوقت نفسه سوقا واسعة قادرة على تمويل البحث والتطوير على نطاق كبير، وهو الربط الذي أصبح لاحقا أحد أهم مفاتيح تفوق "إنفيديا".

تحول استراتيجي

بعد مرحلة NV1 وما تبعها من تجربة تأسيسية، قاد جين-سون هوانغ أول تحول استراتيجي حقيقي في تاريخ "إنفيديا" عام ١٩٩٧، مع إطلاق شريحة RIVA 128، التي مثلت انتقال الشركة من تجارب الرسوميات المحدودة إلى المنافسة المباشرة في سوق كروت الشاشة للحواسيب الشخصية.

هذا التحول ثبت موطئ قدم "إنفيديا" داخل السوق الاستهلاكية، لكنه لم يكن التحول الأكبر. التحول الفاصل جاء عام ١٩٩٩ مع إطلاق GeForce 256، الذي قدم الى العالم للمرة الاولى مفهوم وحدة معالجة الرسوميات –باعتبارها معالجا مستقلا للحوسبة الرسومية، لا مجرد مسرع عرض تقليدي. هذه اللحظة أعادت تعريف صناعة كاملة، ووضعت "إنفيديا" في موقع الشركة التي لا تطور منتجا فقط، بل تخلق فئة تكنولوجية جديدة.

REUTERS
جين-سون هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة "إنفيديا"، يصافح الرئيس الأميركي دونالد ترمب في فعالية "الاستثمار في أميركا" التي أقيمت في واشنطن العاصمة

في مطلع الألفية الجديدة، قاد جين-سون هوانغ تحولا جوهريا آخر داخل "إنفيديا"، تمثل في تطوير معالجات رسومية قابلة للبرمجة بدل أن تظل مجرد أدوات ثابتة لعرض الصورة. قبل هذا التحول، كانت كروت الشاشة تنفذ أوامر محددة مسبقا تتعلق بالشكل واللون والإضاءة، دون أي مرونة حقيقية في استخدامها لأغراض أخرى. لكن مع إدخال قابلية البرمجة، أصبح في إمكان المهندسين كتابة تعليمات مباشرة للمعالج الرسومي لتنفيذ عمليات حسابية معقدة، مما حوله من أداة عرض إلى وحدة حوسبة متوازية قادرة على تنفيذ آلاف العمليات في الوقت نفسه.

والآن، لم يعد اسم جين-سون هوانغ مجرد توقيع على كروت الشاشة أو رمزا لصناعة الألعاب الإلكترونية، إذ تحول إلى أحد أكثر الأسماء قدرة على توجيه مستقبل الذكاء الاصطناعي عالميا

أما التحول الأهم فكان إطلاق منصة CUDA عام ٢٠٠٦، وهي اللحظة التي نزعت فيها "إنفيديا" عن المعالج الرسومي صفة كارت شاشة فقط، حولته إلى أداة حوسبة عامة يمكن استخدامها في أي مجال يتطلب قوة حسابية هائلة. ببساطة، CUDA هي بيئة برمجية تسمح للمطورين بكتابة برامج تجعل الـ GPU ينفذ عمليات رياضية معقدة بالتوازي، بدل الاعتماد فقط على المعالج المركزي CPU الذي ينفذ الأوامر بشكل تسلسلي وبوتيرة أبطأ. هذا الفارق جعل الـ GPU قادرا على معالجة آلاف العمليات في اللحظة نفسها، وهذا ما فتح الباب أمام استخدامه في تحليل البيانات الضخمة، ومحاكاة الظواهر الفيزيائية، والتصوير الطبي، ثم لاحقا في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، حيث أصبحت CUDA الجسر الذي عبرت من خلاله "إنفيديا" من عالم الألعاب إلى قلب الثورة الرقمية الحديثة.

العمود الفقري

بهذه السلسلة من التحولات المتتالية، أعاد جين-سون هوانغ تعريف هوية "إنفيديا" أكثر من مرة، من شركة كروت شاشة، إلى شركة GPU، إلى شركة حوسبة متوازية، ثم إلى العمود الفقري العالمي للذكاء الاصطناعي. هذا المسار لم يكن تطورا طبيعيا للسوق، بل نتاج قرارات استراتيجية متراكمة صنعت شركة لا تواكب المستقبل، بل تفرض شكله.

والآن، لم يعد اسم جين-سون هوانغ مجرد توقيع على كروت الشاشة أو رمزا لصناعة الألعاب الإلكترونية، إذ تحول إلى أحد أكثر الأسماء قدرة على توجيه مستقبل الذكاء الاصطناعي عالميا. هوانغ، المهاجر القادم من تايوان، يقف اليوم على رأس شركة "إنفيديا"، التي انتقلت خلال سنوات قليلة من نطاق الرسوميات إلى أن تصبح العمود الفقري الحقيقي للبنية التحتية للذكاء الاصطناعي في العالم.

وخلال العقد الأخير، لم تصبح "إنفيديا" فقط اللاعب الأقوى في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي، بل برز جين-سون هوانغ نفسه كواحد من أكثر رجال التكنولوجيا تأثيرا في مراكز القرار. فشركات مثل "أوبن إيه آي"، و"مايكروسوفت"، و"غوغل"، و"ميتا"، و"أمازون"، تعتمد على شرائح "إنفيديا" لتشغيل نماذجها العملاقة وبناء مراكز بياناتها. ومع صعود الذكاء الاصطناعي إلى قلب السياسة الأميركية، أصبح هوانغ حاضرا في المشهد السياسي بدرجة لافتة، يظهر إلى جانب الرئيس دونالد ترمب في رحلاته الخارجية ومؤتمراته داخل البيت الأبيض، أحيانا أكثر من وزراء داخل الإدارة نفسها.

هذا الحضور ليس مجرد بروتوكول. إنه إشارة واضحة إلى أن هوانغ لم يعد مديرا لشركة تكنولوجيا فحسب، بل أصبح أحد رجال الظل الذين يسهمون فعليا في صوغ القوة التكنولوجية الأميركية في الخارج.

يمثل موقف هوانغ الفكري في منطقة وسطى بين معسكرين، معسكر المحذرين من الأخطار الوجودية للذكاء الاصطناعي، ومعسكر المندفعين بلا حدود لتسريع التطوير

وجاء وصول "إنفيديا" إلى قيمة سوقية تاريخية بلغت خمس تريليونات دولار ليضع خاتمة رمزية على صعود غير مسبوق، وليعكس حجم النفوذ الذي بات هوانغ يمسك بخيوطه—رجل يجمع بين الإدارة الحازمة، والرؤية المستقبلية، والوزن السياسي المتنامي في واشنطن.

ينظر هوانغ إلى الذكاء الاصطناعي ليس كابتكار عابر أو موجة تقنية ستأخذ وقتها ثم تنحسر، بل كقوة تاريخية تعادل في تأثيرها الثورة الصناعية. في رؤيته، الذكاء الاصطناعي لن يبقى قطاعا منفصلا داخل الاقتصاد، بل سيتحول إلى طبقة تحتية تتسلل إلى كل نشاط بشري: الطب والطاقة والتعليم، الصناعة الثقيلة والدفاع، الزراعة والتمويل… كل شيء تقريبا. لذلك، لم يعد السؤال: هل ستستخدم الشركات الذكاء الاصطناعي؟بل متى ستبني بنيتها الخاصة عليه؟ وكيف ستعيد تشكيل عملياتها حوله؟

مصنع ذكاء اصطناعي

من أبرز مفاهيم هوانغ المتداولة قوله إن كل شركة في المستقبل ستحتاج إلى "مصنع ذكاء اصطناعي" خاص بها. والمقصود ليس مصنعا بالمعنى التقليدي، بل منظومة إنتاج متكاملة تشمل قدرة حاسوبية، وبيانات، ونماذج، وبنية برمجية قادرة على توليد ذكاء جديد باستمرار. في هذا التصور، الذكاء الاصطناعي ليس منتجا تشتريه المؤسسات، بل قدرة إنتاجية تماثل خطوط التصنيع أو مصادر الطاقة. ومن هنا يؤكد هوانغ أن المؤسسات التي لا تعيد بناء أعمالها على الخوارزميات والتحليل الذكي للبيانات، ستجد نفسها خارج منافسة اقتصاد المستقبل.

ويربط هوانغ هذا التحول مباشرة بالبنية التحتية للحوسبة. في رأيه، من لا يمتلك قدرة تشغيل النماذج العملاقة وتدريبها، لن يملك مكانا في اقتصاد القرن الحادي والعشرين. لذلك يصف الذكاء الاصطناعي بأنه تكنولوجيا سيادية وأداة يعاد عبرها تشكيل ميزان القوة بين الدول. فالسباق الحقيقي، كما يقول، لم يعد على النفط أو الغاز، بل على الرقائق ومراكز البيانات والقدرة على تدريب النماذج الذكية. هكذا يتحول الذكاء الاصطناعي من ملف اقتصادي إلى جزء صريح من معادلات الأمن القومي.

REUTERS
أعلن جين-سون هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة "إنفيديا"، مشروع "سحابة الذكاء الاصطناعي الصناعية" خلال مؤتمر صحافي في برلين

ورغم إيمانه الحاد بقوة هذه الثورة، لا يقدم هوانغ الذكاء الاصطناعي كبديل من الإنسان. هو يراه مضاعفا لقدراته، وأداة ستعيد تعريف الوظائف بدل أن تلغيها، تماما كما فعلت الكهرباء والإنترنت. لكنه يذكر دائما بأن المجتمعات التي لن تستثمر في هذا التحول، ستدفع ثمنا اقتصاديا واجتماعيا قاسيا.

ومن هنا يأتي تركيزه المستمر على المنصات والبنى التحتية المؤسسة لهذه الثورة. فهوانغ لا يروج لـ"إنفيديا" كشركة رقاقات، بل كنظام متكامل. ويمثل موقفه الفكري في منطقة وسطى بين معسكرين، معسكر المحذرين من الأخطار الوجودية للذكاء الاصطناعي، ومعسكر المندفعين بلا حدود لتسريع التطوير. لا يتبنى هوانغ خطاب الفزع كما يفعل جيفري هينتون، ولا يروج ليوتوبيا تقنية كما يفعل بعض قادة الشركات الناشئة، بل يتعامل مع الذكاء الاصطناعي كقوة جبارة تحتاج إدارة عاقلة دون تهويل أو اندفاع.

ومن طفل مهاجر يتنقل بين الغربة والانضباط الصارم، إلى رجل يقف في قلب أكبر ثورة تكنولوجية يشهدها العصر، تبدو سيرة هوانغ تلخيصا زمنيا لعصر كامل. لم يصل إلى القمة عبر مصادفة عابرة، بل عبر سلسلة طويلة من الرهانات الخطرة والعمل المتواصل والإيمان بأن المستقبل يصنع ولا ينتظر.

font change