من زيارات صمويل بيكيت البارزة لطنجة في صيف 1978، ما تأكد من خلال مصدرين موثوق بهما، هما أرشيف صوره الفوتوغرافية وأرشيف مراسلاته.
بالنسبة إلى الصور الفوتوغرافية غير المألوفة التي التقطت لصاحب "في انتظار غودو" في طنجة، كان مصورها هو الفرنسي فرنسوا ماري بانييه، بينما كان يعمل على مشروع ألبوم يرصد فيه إيقاع الحياة المغربية صيفا في طنجة، ولفت انتباهه ذات مصادفة، قوام شخص مفرط في النحافة، يمشي مثل طائر مالك حزين، فاستأثر بإعجابه. بانييه مصور عرف اسمه الفني في السبعينات، صاحب مشروع جمالي معني في خلفيته الوجودية بلقاءات غير مخطط لها مع غرابة أشخاص ضمن مجرى الحياة اليومية، قبل أن يتحول إلى مصور محترف للمشاهير، وقد أدين عام 2016 في قضية استغلال المليارديرة ليليان بيانكور.
هيئة مالك الحزين
التقى فرنسوا ماري بانييه إذن صمويل بيكيت مصادفة، في أحد شوارع طنجة، وهو يجهل تماما حقيقته ككاتب عالمي، حاصل على جائزة نوبل للأدب، وقد وصف المشهد اللافت على هذا النحو: "قبل نحو ثلاثين عاما، كانت شواطئ طنجة مسكونة بكائن آلي".
فظل يتعقبه ويلتقط له صورا، خفية، إلى أن تجاسر على التعرف اليه، فكانت لحظة لقائه بمثابة اكتشاف مذهل، سيتحول إلى صداقة عمرها برهة قصيرة، بدأت بتحفيز من تأثير بصري خاطف، وترسخت بتأثير إنساني وجمالي لاحق: "ومع استمرار تقاطع طرقنا، التقينا أخيرا. فتخليتُ عن الكاميرا وتوقفت عن التصوير. بصوته الداكن حدثني عن الكتب البالغ عددها 27 التي لم يجد لها ناشرا، وعن زوجته سوزان، وعن صداقته مع جيمس جويس، وعن عائلته في إيرلندا. ثم تخيل دهشة أمه لو كانت علمت بحصوله على جائزة نوبل".



