يتضح لنا من قراءة كتاب "ألف بساط" أن الأهمية التي يوليها كل من دولوز وغواتاري لمفهوم الجذمور Rhizome تعود، أولا وقبل كل شيء، إلى معارضتهما نموذجي الجذر والشجرة اللذين طبعا الفكر التقليدي في مختلف مناحيه.
نعلم أن الجذر، سواء أكان وتديا أم حزميا، هو نظام نباتي يتطور على طول محور عمودي هرمي. هو "أصل" النبتة ومصدر نموها، واجتثاث النبتة من جذرها يؤدي، في معظم الأحيان، إلى ذبولها واندثارها. أما الجذمور فهو، في المقابل، نظام نباتي يتكاثر أفقيا، وغالبا تحت الأرض، وهو خال من المركز، أو، ما يعادل ذلك، له مراكز متعددة، فما إن نجتثه هنا، حتى يتدفق هناك. في هذا المعنى، يمثل الجذر صورة للأساس أو المبدأ الهرمي (الأرخي اليوناني)، بينما يقدم الجذمور، على العكس من ذلك، صورة للصيرورة أو الشبكة، ولكل تعددية ترفض المركزية والهرمية.
صورتان متعارضتان عن الفكر إذن: صورة الشجرة التي تعلو في استقامة، وصورة العشب الذي يتوالد بين الأشجار. مقابل الشجرة، هناك الريزوم.
مجاز الشجرة
ليست الشجرة هنا مجرد مجاز واستعارة، إنها كيفية عمل، وهي جهاز يغرس في الفكر كي ينبت في استقامة، ويثمر أفكارا تنعت بالصائبة. تنبت الشجرة انطلاقا من بذرة. إنها تتجذر في أصل، وتعلو صوب اتجاه عمودي واحد. وسرعان ما تغدو آلة للتفرعات الثنائية. الشجرة جذر وفروع، جذع وأغصان، ماض ومستقبل، إنها تكوين ونمو، تاريخ وتطور.
الأشجار لا تنفك تغرس في حياتنا ومعارفنا ورؤوسنا: شجرة الحياة، شجرة المعرفة، شجرة الأنساب. الجميع يبحث عن الجذور، الجميع يطالب بالتأصيل، والسلطات لا تنفك عن التشجير، تشجير الهويات والرؤوس والعقول.
الشجرة يحكمها منطق ثنائي. نقرأ في "ألف بساط": "الشجرة والجذر، من حيث هما شكلان، فإنهما ما يفتآن يفرضان قانون الواحد الذي يصير اثنين، ثم الإثنين اللذين يتحولان أربعة... المنطق الثنائي هو الواقع الفكري للشجرة-الجذر".
من حسن الحظ أن أعشابا تنبثق هنا وهناك، بين الأشجار، وحتى بين الأحجار. يورد كتاب "ألف بساط" هذا الاقتباس عن هنري ميلر:" لا وجود للعشب إلا بين الأماكن غير المغروسة. إنه يملأ الفراغات. وهو ينبت بين-بين... العشب تدفق، إنه درس في الأخلاق".



