كيف تدفع ايران اقتصادياً ومالياً ثمن إضعاف نفوذها؟

التبعات الاقتصادية والمالية لتراجع النفوذ الإقليمي

أ.ف.ب
أ.ف.ب
محل صرافة وسط العاصمة طهران، 28 سبتمبر 2025

كيف تدفع ايران اقتصادياً ومالياً ثمن إضعاف نفوذها؟

أنفقت إيران على تأسيس نفوذ لها في الشرق الأوسط مليارات الدولارات الأميركية. وهي في هذه المرحلة من العمل الأميركي- الإسرائيلي- الدولي تواجه خسائر كبيرة نتيجة إعادة تحجيمها وإضعاف نفوذها الاقليمي. فهناك الخسائر المالية والاستراتيجية والبشرية والاقتصادية فضلا عن تلك السياسية. ومنذ نحو عقدين من الزمن، عملت إيران على الاستثمار في النفوذ السياسي، بدلا من الاستثمار في الداخل الإيراني اقتصاديا وتنمويا.

الأمر الذي أدى خلال السنوات الخمس الماضية إلى تظاهرات شعبية معارضة لهذا التوجه، في الداخل. وهي استطاعت حتى الآن قمعها، وان لم تتمكن من قمع الفكر الذي يقف وراءها. وقال المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، إن إيران أنفقت منذ سنوات على دعم حلفائها في كل من سوريا ولبنان واليمن وغزة. وبلغت خسائرها الاستثمارية أكثر من 100 مليار دولار.

وبحسب المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، فإن إيران دعمت الحوثيين. وقدّر بعض المصادر، بحسب المعهد، أن الانفاق بلغ نحو 34 مليار دولار.

تراجع النفوذ الإيراني، وسط استمرار العقوبات، سيؤثر حتما على قدرة إيران على التفاوض التجاري والاستثماري مع بعض الدول، لأن بعض الشركاء قد يراها أقل فائدة استراتيجية في ظل تراجع نفوذها

 أما الأخطار الاقتصادية داخل إيران، فيتقدم فيها، معضلة أن الانفاق الخارجي الكبير على الحلفاء، يعني أن الأموال تُسحب من الداخل الإيراني. وذلك، بحسب باحثين، ما يزيد الضغوط على موازنة الدولة، في ظل ضعف الإيرادات، وتأثير العقوبات على حركتها الاستثمارية والاقتصادية الداخلية ومع العالم.

العقوبات تنهش الاقتصاد الإيراني

إن تراجع النفوذ الإيراني، وسط استمرار العقوبات، سيؤثر حتما على قدرة إيران على التفاوض التجاري والاستثماري مع بعض الدول، لأن بعض الشركاء قد يراها أقل فائدة استراتيجية في ظل تراجع نفوذها.

وتشير دراسة أعدّها "معهد ولسون"، آخذا في الاعتبار تقديرات الولايات المتحدة ومراكز بحثية، إلى ان ايران أنفقت مليارات الدولارات لدعم نظام سوريا السابق برئاسة بشار الاسد، وحلفائها. وتقول تقديرات سابقة ان حزمة هذا الدعم، بين عامي 2012  و 2020، تجاوزت 10 الى 16 مليار دولار لسوريا والحلفاء ذوي الصلة. واذا اضيف دعم مستمر لـ"حزب الله" وحركات أخرى، يصل اجمالي الدعم الى مستوى أعلى بكثير عبر عقد ونصف العقد. وكانت في ذلك تنفق على المسارات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية، بحسب المعهد.

أ.ف.ب
طالب إيراني يواجه حرس الشغب خلال تظاهرة أمام جامعة أمير كبير في العاصمة طهران، 11 يناير 2020

ووفقاً للبنك الدولي، ضغط الانفاق الخارجي الكبير على موازنة طهران خاصة مع قيود تصدير النفط، ما ادى الى تضخم اقتصادي وعزل مالي. وقال البنك الدولي، ان الانفاق الخارجي والضغط الاقتصادي، مع العقوبات زادا من حجم الضغوط على تحسين مستوى المعيشة. الامر، الذي رفع خطر التوترات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الداخلية. واشار باحثون وديبلوماسيون ل"المجلة" ، ان ايران لدى توقيعها على الاتفاق النووي مع الدول الخمس زائد واحد، تم رفع الحظر الدولي عن اصول مالية لها في الخارج بلغت ال 6  مليار دولار. وبدلاً من ان تستخدمها لتطوير اقتصادها، ومعيشة المواطنين، استخدمتها لتعزيز نفوذها في الشرق الاوسط. أي في المواقع الخمسة: اليمن والعراق، وسوريا، ولبنان وغزة "حماس" . واستمر ذلك حتى السابع من أوكتوبر/تشرين الاول العام 2023 عشية بدء الحرب الإسرائيلية والأميركية على غزة ولبنان. والتي طالت سوريا والعراق، حتى إيران نفسها، في يونيو/حزيران الماضي ولمدة 12 يوماً.

ايران تعمل على النفس الطويل انما ذلك قد لا يجعلها تصمد الى ما لا نهاية. وعلى الرغم من العقوبات لم تصل الى مرحلة انهيار النظام

وازدادت الامور تعقيدا بعد إعادة فرض العقوبات في مجلس الامن من خلال "آلية الزناد"، اي العودة الى القرارات الدولية التي جُمّد العمل بها اثر توقيع الاتفاق النووي في العام 2015. وكان القرار 2231 دَعَم إعادتها اذا لم تلتزم ايران الاتفاق. فعادت مفاعيل القرارات 1737 و1747 و1803 و1929 في سبتمبر /ايلول الماضي. وتتضمن حظرا على الاسلحة، وتجميد اصول فردية وكيانات، بما في ذلك الحرس الثوري، وخطوط الشحن، وحظر التجارة والمعاملات المالية المتصلة ببرامج النظام النووية والصاروخية. وأدى هذا كله الى حظر مجموعات واسعة من الانشطة مع ايران من الدول الكبرى لا سيما الولايات المتحدة والاوروبيون، بما في ذلك التجارة مع ايران.

استمرار تآكل النفوذ في الشرق الأوسط

لكن مصادر ديبلوماسية واسعة الاطلاع على العلاقات الإيرانية-الغربية، تؤكد لـ"المجلة" ، أن ما يراد غربيا من الضغوط السياسية الأميركية والدولية على إيران، هو خلق نقمة شعبية كبيرة اجتماعية واقتصادية، لكي تتحول الى انقلاب مع الوقت. إنما في الظرف الراهن ليس من طرف دولي يريد أن تتقدم إيران اقتصاديا. فقط يريدونها أن تبقى "متخلفة"  في هذا المجال. ويريدونها أن يبقى نظامها الاقتصادي الحالي على وهنه وضعفه، بعيدا من إعادتها إلى زمن الشاه والحريات الاقتصادية والإنسانية. "السيستام" الإيراني حاليا، يتناسب مع استنفاذ إيران واللعب على واقعها.

أ.ف.ب
استمرار تراجع العملة الإيرانية على وقع العقوابات الغربية، 3 أغسطس 2025

وأوضحت هذه المصادر، أن إيران تمكنت من الحصول على إيرادات في ظل العقوبات، من طريق التهريب لا سيما للنفط بواسطة الصين وروسيا. كما استطاعت تبيض الأموال عبر دولة جارة لها أيضا، ولكن بغض نظر دولي على سلوكها هذا، فيما تبيض الأموال لمصلحة "حزب الله" ودور شركات تحويل الأموال أو منظومة العملاء الرقمية العالمية، يجري رفع السقف الاميركي في السعي لكبح مساراتها.

وفي اعتقاد هذه المصادر، أن لا شيء سيوقف إيران عن الوسائل التي تعتمدها لتمويل نفقاتها، وإن كانت المجالات تضيق نتيجة الرقابة المشددة. وباتت طرق أفريقيا وأميركا اللاتينية، معروفة. لدى إيران شبكة من التمويل التي تعمل خارج النظام العالمي المالي. وتسعى دائما لإيجاد مسارب لتأمين التمويل، على الرغم من التضييق الدولي والاميركي عليها، وعلى الرغم أيضا من التباطؤ في التهريب بسبب الإجراءات ضدها.

 التكلفة الاقتصادية على إيران من جراء إضعاف نفوذها في المنطقة والعقوبات الاقتصادية عليها، ما يفوق تريليونا و200 مليار دولار أميركي. والأثر الاقتصادي الأساس هو على الطبقة الوسطى، كما أن العملة الإيرانية تدنت قيمتها بنسبة 50 في المئة

خضر زعرور، أستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة نورث كارولاينا ستايت

وفي هذا الإطار، يعتبر أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة نورث كارولاينا ستايت، البروفسور خضر زعرور، "أن إيران تحاول أن تلعب على عامل الوقت وانتظار ظروف أفضل لها. لذلك هي عمدت إلى الالتفاف على العقوبات الاقتصادية الأممية والأميركية، لأنها تعمل على النفس الطويل. انما ذلك قد لا يجعلها تصمد إلى ما لا نهاية". وقال "قد تستطيع الصمود نحو ثلاث سنوات على الأكثر، لكن العقوبات تزداد و"الضغوط القصوى" كما سماها الأميركيون. لكن ذلك يتزامن مع عودة التظاهرات الشعبية ضد التدهور الاجتماعي نتيجة انعكاسات العقوبات التي تستمر منذ العام 1979. حتى أن التحويلات المالية لوكلائها في المنطقة لم تعد كما في السابق، ولو أنها لا تزال تمرر مبالغ لها. إنما ما يؤثر هو العقوبات الاقتصادية والتزامن مع الضربة العسكرية وما تلقته في يونيو/ حزيران الماضي في هذا المجال كان مؤثرا".

أ.ف.ب
ساحة الثورة وسط العاصمة الإيرانية طهران، 11 نوفمبر 2025

 وأوضح زعرور،" أن إيران من ضمن سعيها لتجاوز "الضغوط القصوى"، لجأت إلى تحسين علاقاتها مع المملكة العربية السعودية، ومع كل من مصر وتركيا، وهي لطالما لديها علاقات جيدة مع الجزائر". وأكد أنه "إذا وصل تأثير العقوبات إلى نقطة تحوّل، عندها سينهار النظام. لكن حاليا، ليست إيران في مرحلة مواجهة انهيار نظامها، على الرغم من كل هذه العقوبات". وأكد زعرور "ان التكلفة الاقتصادية على إيران من جراء إضعاف نفوذها في المنطقة والعقوبات الاقتصادية عليها، يفوق تريليونا و200 مليار دولار أميركي. والأثر الاقتصادي الأساس، هو على الطبقة الوسطى. كما أن العملة الإيرانية تدنت قيمتها بنسبة 50 في المئة. هذا فضلا عن المآسي الاجتماعية وضعف القدرة الشرائية للأجور، وعدم تمكن الإيرانيين من كفاية احتياجاتهم الاجتماعية وفق المطلوب، لا سيما على مستوى شراء الغذاء والدواء، وقد بلغت نسبة التضخم 50 في المئة".

وقال: "ليس كل ما تسدده الصين وروسيا لإيران من ثمن النفط هو مالي، هناك تسديد سياسي وديبلوماسي، ومقايضة نفط بمواد أخرى".

وما من شكوك حول ان ايران لا تواجه فقط العقوبات، انما ايضا تحاول الاحتفاظ بأذرعتها ولكن في سياق مختلف. اكبر ضربة وخسارة كانت من خلال استهداف منشآتها النووية. ليس فقط بسبب التكلفة الكبيرة، لذلك، بل ايضا ما يؤدي الى خسارة استراتيجية. "ايران دفعت ثمن نفودها في الشرق الاوسط من خلال العقوبات الاقتصادية". هذا ما يقوله لـ"المجلة" الكاتب والباحث في الشؤون الايرانية حسن فحص.

 تتجلى الخسارة الكبرى لإيران في سقوط النظام السوري، حيث كانت هناك عقود استثمارات ضخمة في سوريا في البنى التحتية، والمصانع والمرافئ، ومصانع الكهرباء، والمعادن، والطرق، تبلغ ما يفوق 140 مليار دولار

حسن فحص، باحث ومتخصص في الشؤون الإيرانية

 وأشار فحص الى ان "أول قرار صدر عن مجلس الامن بعقوبات ضد ايران كان في 2006، وصدر القرار الثاني اثناء حرب 2006 في الجنوب اللبناني، تحت عنوان البرنامج النووي الايراني. كان السبب الاساس والمباشر هذا النفوذ الذي تمدد وظهّر نفسه آنذاك. فكان التوسع في اليمن، والعراق، مما عقّد المشهد على الحكم الايراني. ان حجم التجارة الايرانية والعلاقات مع العراق يبلغ 5 مليار دولار، ولم تستطع طهران تحصيل عائداتها منها حتى عشية "طوفان الأقصى"، الا بموافقة اميركية. وكانت العائدات على سبيل مواد غذائية، وادوية وصفقات متنوعة.

وقال إن "ايران لها ديون على العراق تبلغ اكثر من 11 مليار دولار، حصلت منها بدلا من ذلك، الغاز والكهرباء، وستستكمل الدفعات عندما يسمح الاميركي بها. هذا عدا الديون للقطاع الخاص الايراني، وجرى التوصل الى تسويات بالعملة العراقية للتسديد للايرانيين مرات عدة، لا سيما ان العقوبات هي على الدولار. حتى بالعملة المحلية من الصعب التسديد لايران، بسبب التزام العراق العقوبات الاميركية. يذكر أن ايران لم تجدد للعبادي في 2018 بسبب التزامه العقوبات على ايران". 

أ.ف.ب
علم إيراني ملقى على الأرض خارج السفارة الإيرانية في دمشق، بعد يوم من سقوط النظام السابق، 9 ديسمبر 2024

واوضح فحص، " ان الخسارة الكبيرة لايران كانت لدى سقوط النظام السوري، حيث كانت هناك عقود استثمارات ضخمة في سوريا في البنى التحتية، والمصانع والمرافىء، ومصانع الكهرباء، والمعادن، والطرقات، تبلغ ما يفوق 140 مليار دولار. وهناك تراكم ديون على الدولة السورية يبلغ قيمته 30 مليار دولار. هذا عدا عن الاستثمار بالعسكر والامن والصواريخ، والذي يقدر بما يفوق ال70 مليار دولار".

 واشار " الى ان استثمارات ايران الاقتصادية ب" حزب الله"  لخدمة مشروعها الاقليمي، عائداتها بالسياسة والنفوذ، وخسرت ايران في لبنان، بعدما دعمت الحزب بالنفط والمواد الغذائية والمؤسسات الانسانية والاجتماعية. وكساحة سورية مفتوحة للحرب، خصصت ايران مليار دولار نال منها الحزب نصيبه، لكن هذا المبلغ تم بغض النظر عن ميزانيتها في الساحة اللبنانية، التي كانت مفصولة عن المعركة في سوريا".  وكشف ان " ايران خصصت نحو 6 مليار دولار بعد حرب يوليو/ تموز 2006 لإعادة الاعمار. وهي خصصت حالياً من 6 الى 10 مليار دولار لإعادة الاعمار في لبنان عندما يزول الحصار عنها".

لا أحد في إيران ينكر حجم العقوبات الاقتصادية التي تؤثر على الاقتصاد الإيراني، واقتصاديات العائلة والناس. وهي ضريبة باهظة

محمد صالح صدقيان، مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية في طهران

ويقول وزير الخارجية والمغتربين اللبناني السابق الدكتور عدنان منصور لـ"المجلة"، "ان إيران تضررت من العقوبات في مجملها، فالاستثمارات الأجنبية ممنوعة فيها، وممنوع عليها أن تستثمر في الخارج. كما أن التصدير ممنوع، وكذلك التعاطي عالميا مع البنك المركزي الإيراني، فضلا عن اخراج إيران من منظومة "السويفت" المالية. وليس لديها تجارة أو تبادل تجاري مع الدول، ومنعت الرحلات الجوية من مطار طهران واليه. وهناك أيضا توقف للتحويلات المالية. فقد أراد الأميركيون تصفير المردود النفطي والصادرات النفطية. إنما إيران استطاعت دائما أن تجد طرقا غير مباشرة لاستمرار التصدير، ولديها حتى الآن كل يوم صادرات نفطية تبلغ مليونين و300 ألف برميل. ويصل الإنتاج إلى العديد من الدول. وكل ذلك، على الرغم من العودة إلى العقوبات الصادرة عن مجلس الأمن بقرارات دولية قبل توقيع الاتفاق النووي، وهي ما يسمى "آلية الزناد". وهذه العقوبات مضافة الى العقوبات السابقة والعقوبات الأميركية والأوروبية أيضا".

الفرص الضائعة لأيران والغرب..

 وأكد منصور "ان إيران أبرمت مع الصين اتفاقا مدته 25 سنة، لتزويد الصين النفط والغاز. صحيح أن إيران استطاعت أن تلتف على العقوبات، لكنها لا تزال تحت ضغط اقتصادي، لناحية دول العالم، التي تلتزم عدم التعامل معها، منعا لتعرضها بدورها لعقوبات أميركية وأممية".

 ولفت إلى "أن الغرب خسر في المقابل استثمارات وتبادلات تجارية مع إيران. وكانت طهران ستشتري لدى توقيع الاتفاق النووي في 2015، 100 طائرة إيرباص من الأوروبيين، بقيمة 14 مليار دولار. لكن العقوبات جمّدت هذه العملية. زكانت شركة "بييجو" الفرنسية تصدر إلى إيران، 180 ألف سيارة سنويا، وتصنّع داخل إيران 150 ألفا، أي ما مجموعه أكثر من 300 ألف سيارة، وهذا حجم كبير من الاستثمار خسرته أوروبا. مع الإشارة إلى أن الأوروبيين أجبروا على معاقبة إيران بسبب الأميركيين، وهم لم ينسحبوا من الاتفاق النووي مثل الولايات المتحدة.

واعتبر مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية في طهران، محمد صالح صدقيان في حديث إلى"المجلة"، أنه "من أجل منع إيران من تحقيق مصالحها الأمنية داخل إيران أو في الإقليم، يستأهل الأمر أن تتعرض لعقوبات اقتصادية أو ما شابه كل ذلك. إيران دولة كبيرة في المنطقة، وهي تنظر إلى المنطقة، من ناحية الأمن القومي الإقليمي". وأوضح "ان إيران حساسة تجاه التدخلات الأجنبية في المنطقة، وتعتقد أنها لا تنسجم مع مصالح دول المنطقة. وتعتقد أن الأمن الإسرائيلي مكلف لدول المنطقة وللأمن والاستقرار فيها. العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة أو الأمم المتحدة، أو الدول، مؤذية لإيران. لكنها تتعلق بالأمن الداخلي الإيراني، وبالأمن الاقليمي. وإيران تعتقد أنه لا يمكنها أن تكون متفرجة على ما يدور في دول المنطقة، لذلك تدفع ضريبة اقتصادية كبيرة، من خلال العقوبات المفروضة".

أ.ف.ب
تظاهرة إيرانية خارج السفارة اليونانية، في طهران، 8 أبريل 2014

 وأكد "ان لا أحد في إيران ينكر  حجم العقوبات الاقتصادية التي تؤثر على الاقتصاد الإيراني، واقتصاديات العائلة والناس. وهي ضريبة باهظة. لكن إيران تدفعها من أجل المصلحة القومية الإيرانية، والأمن القومي الإيراني. وتعتقد بذلك أنها مهددة من إسرائيل، والولايات المتحدة. وبالتالي، تتعرض لعقوبات منذ العام 1980 حتى الآن، وهناك سلة عقوبات عليها. وكل الإدارات الأميركية التي دخلت إلى البيت الأبيض، سواء إدارات ديمقراطية، أو جمهورية، أثرت كثيرا، ولا تزال تؤثر". وقال "هناك طلب أميركي من إيران، ذكره وزير الخارجية عباس عراقجي، مفاده أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب قدم لإيران عرضا ،في حال تنفيذه، سترفع واشنطن كل العقوبات". ولم يوضح عراقجي التفاصيل، لكن العرض يتعلق بالبرنامج النووي، والقوة العسكرية. يريد الأميركيون قوة ضعيفة وعقيمة لإيران. وهذا لا يصب في مصلحة إيران، لأن الجانب الأميركي يقول انزع سلاحك حتى أستطيع ضربك". وقد رفضت إيران العرض بالمطلق.

العقوبات لم تستطع تحقيق الأهداف التي أرادتها الولايات المتحدة ومجلس الأمن على مدى 46 عاما، أي منذ 1980

محمد صالح صدقيان، مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية في طهران

 وأشار إلى "ان العقوبات موجودة على تصدير النفط، وانتقال الأموال والتحويلات. وكل الموازنة الإيرانية تتأثر بالعقوبات، وهي تضاهي العقوبات التي فُرضت على صدام حسين ومعمر القذافي. لكن إيران استطاعت أن تنجز الكثير والتفّت على العقوبات وتجاوزتها، لناحية التنمية والبرنامج النووي والصاروخي". ورأى صدقيان "أن هذه العقوبات لم تستطع تحقيق الأهداف التي أرادتها الولايات المتحدة ومجلس الأمن على مدى 46 عاما، أي منذ 1980 لدى انتصار الثورة الإسلامية. واستطاعت إيران الصمود، وتحقيق إنجازات".

 وأكد أنه "من الصعب الحصول على رقم معين بالنسبة إلى الخسائر الاقتصادية الإيرانية نتيجة كل هذه العقوبات ومحاولات لجم النفوذ الإيراني في المنطقة. لكن حجم موازنة الدولة هو 140 مليار دولار. وإيران دولة كبيرة تقدر مساحتها بمليون وستماية وخمسين ألف كلومتر مربع، ولديها 85 مليون نسمة. والوضع في الشرق الأوسط نرى أنه لا يزال خاضعا للتغييرات".

الصحافي والباحث السياسي الدكتور قاسم قصير أوضح لـ"المجلة" أن المتغير الاستراتيجي الذي حصل، أدى إلى تغير النظام في سوريا، وهذا ما أثر اقتصاديا، لأن ايران كانت تستثمر عشرات مليارات الدولارات في سوريا، ثم الحرب في لبنان التي أدت إلى قرارات قاسية بالنسبة إلى "حزب الله".  

وأوضح "بالنسبة إلى الداخل الإيراني، هناك زيادة العقوبات على إيران بعد فشل الاتفاق مع الولايات المتحدة والأوروبيين، وذلك من خلال إعادة تفعيل ما يسمى "آلية الزناد". وهذا يفرض عقوبات جديدة على إيران. وبالنسبة إلى لبنان، إيران لا تقدم أموالا. بالنسبة إلى العراق، لا تقدم إيران دعما ماليا، وهو لا يحتاج ذلك، هناك علاقات اقتصادية جيدة بين إيران والعراق، ويبدو أن هذه العلاقات لا تزال مستمرة. وهي علاقات قديمة، وملايين من العراقيين يأتون إلى إيران. بالنسبة إلى لبنان يبدو حتى الآن، أن الأمور لا تزال قائمة، وهناك معلومات أميركية أن إيران قدمت مساعدات لـ"حزب الله" للإيواء وغير ذلك".

وقال "بالنسبة إلى اليمن، لا تزال العلاقات قائمة، ولا توجد معطيات دقيقة حول طبيعة هذه الأرقام. لكن من الواضح أن الأمور مع اليمن جيدة، واليمن لا يزال يقوم بدور في المنطقة، ودوره ذو خصوصية، لأن اليمن يمتلك إمكانات وقدرات جيدة. وعلى الرغم من الحصار على اليمن، بقي يلعب دورا مهما. ولا يزال هذا الدور قائما ولم يتراجع". وكانت "رويترز" قد وصفت ضرب النفوذ الإيراني بـ"الضربة التاريخية" لنفوذ إيران في المنطقة، لصالح دول أخرى مثل إسرائيل ودول عربية.

 فقدت إيران استثماراتها الضخمة في سوريا، المكان الأساس الذي غيّر موازين القوى بالنسبة إلى مستقبل النفوذ الإيراني. وتُعتبر الخسائر ما مجموعه 50 مليار دولار كانت استثمرتها إيران في سوريا لدعم نظام بشار الأسد، وقد فقدت الاستثمارات بالكامل، بحسب المعهد الدولي للدراسات الإيرانية.

font change