إيران بين آمال الازدهار ونار الحرب والدمار

دعوة لمراجعة السياسات التوسعية والخطط النووية والتحرر من العقوبات للنهوض بالاقتصاد

سارة بادوفان
سارة بادوفان

إيران بين آمال الازدهار ونار الحرب والدمار

هناك آمال عظام لتطور اقتصادي وتنمية حقيقية بعد أن سكتت مدافع الحرب في هذه المنطقة من العالم، خصوصا بين إسرائيل وإيران. لكن ثمة تساؤلات كثيرة تصعب الإجابة عنها في الوقت الراهن، فهل توقفت الحرب بشكل نهائي وهل تحقق السلام الدائم في منطقة الشرق الأوسط؟ وهل هناك من آمال بإعلان دولة فلسطينية مستقلة بعد تعطل قيامها منذ توقيع اتفاقية أوسلو في عام 1994 لأسباب عديدة أهمها التعنت الإسرائيلي؟ إذا افترضنا أن السلام أصبح حقيقة، فما هي معالم التطورات الاقتصادية المحتملة؟ إيران التي عانت منذ تولي نظام ولاية الفقيه الحكم في عام 1979 من التدهور الاقتصادي، هل تشكل جاذبية استثمارية حيث تملك البلاد إمكانات واعدة في مختلف القطاعات؟

كما هو معلوم أن إيران من الدول التي اكتشف فيها النفط، وهو يعتبر من أهم القطاعات، وأنتج مبكرا في عام 1908. وهي ظلت تتمتع بإيرادات نفطية مناسبة حتى نجاح ثورة الخميني وتزايد الاضطرابات السياسية والأمنية ونشوب الحرب العراقية الإيرانية التي امتدت من سبتمبر/أيلول 1980 حتى أغسطس/آب 1988. لكن سلوك النظام الحاكم في إيران والاهتمام بتطوير مفاعلات نووية وإنتاج طاقة منها، زادت مخاوف المجتمع الدولي من تطوير إيران لأسلحة نووية مما دفعه إلى اتخاذ قرارات المقاطعة وفرض عقوبات عليها والحجز على الأموال وتعطيل الصادرات النفطية الإيرانية.

إيران وثروة النفط

بلغ إنتاج النفط في إيران أوجه في سبعينات القرن الماضي وقبل سقوط نظام الشاه محمد رضا بلهوي. تشير المصادر المتخصصة، مثل وكالة الطاقة الدولية، الى أن إنتاج إيران من النفط بلغ ذروته في عام 1976 حين وصل إلى 6,6 ملايين برميل يوميا. وفي عام 1978 أصبحت إيران ثاني أكبر منتج ومصدر للنفط في منظمة "أوبك" وكان ترتيبها الرابع في إنتاج النفط عالميا. وتشير التقديرات إلى أن إيران تمتلك أكثر من 10 في المئة من احتياطات النفط العالمية.

تستطيع إيران أن تنتج أكثر من 5 ملايين برميل من النفط الخام يوميا، كما أنها تملك قدرات لإنتاج الغاز الطبيعي، ناهيك عن إنتاج مصافي التكرير

بعد تراجع إنتاج النفط الإيراني وتصديره بسبب الحرب العراقية الإيرانية والحصار الاقتصادي، تمكنت إيران من تحسين قدراتها وبلغ انتاج النفط 3,9 ملايين برميل في اليوم عام 2008. لا شك أن الأمور أصبحت أكثر صعوبة في السنوات اللاحقة بعد اشتداد التوتر بين إيران والدول الغربية. تعرضت صناعة النفط الإيرانية لعقبات عديدة أهمها الصيانة والتطوير، بما دفع القدرات الإنتاجية إلى الانخفاض. كما أن العقوبات المفروضة على إيران وصناعتها النفطية خلال السنوات المنصرمة، منعت شركات النفط العالمية من الاستثمار في صناعة النفط الإيرانية وتحسين القدرات الإنتاجية والتصديرية.

.أ.ف.ب
صورة فضائية نشرتها شركة "ماكسار تكنولوجيز" لمنشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم، جنوب طهران، والتُقطت في 12 فبراير/شباط 2025

وتأمل الحكومة الإيرانية، إذا ما نجحت المفاوضات النووية مع الغرب، أن ترفع العقوبات ويزال الحصار الاقتصادي بما يسمح بالاستفادة من الطاقات الكامنة في قطاع النفط وعقد شراكات مع شركات عالمية سبق لها العمل في إيران. إذ يمكن إيران أن تنتج أكثر من 5 ملايين برميل من النفط الخام يوميا، كما أنها تملك قدرات لإنتاج الغاز الطبيعي، ناهيك عن إنتاج مصافي التكرير. ويجب أن تتيح هذه القدرات الإنتاجية فرصا تصديرية حيث لم يتخط التصدير 1,7 مليون برميل في اليوم منذ بداية هذا العام.

حقل غاز بارس بين قطر وإيران

يتوفر الغاز الطبيعي في حقول عديدة في إيران وبكميات تجارية. هناك حقل غاز مشترك بين قطر وإيران، هو حقل بارس الجنوبي (South Pars)، ويعد هذا الحقل البحري أكبر حقل غازي في العالم. تقدر كمية الغاز في الحقل بـ1800 تريليون قدم مكعب، وفقا لبيانات منظمة الطاقة الدولية (IEA). ويمكن هذا الحقل، إذا تحسنت الأوضاع الأمنية والسياسية ورفعت العقوبات عن إيران، أن يكون مصدرا مهما لرفع الطاقة الإنتاجية والتصديرية. فهل سيساهم الخليجيون من خلال الشركات النفطية بتوفير الأموال اللازمة لإقامة شراكات مع الإيرانيين؟

تعاني إيران من أوضاع اقتصادية حرجة وهي تواجه تحديات صعبة لمواجهة متطلبات المعيشة اللائقة للإيرانيين. هناك تحديات التضخم النقدي وتدهور سعر صرف العملة الوطنية، بما دفع إلى تراجع مستويات المعيشة وارتفاع معدلات البطالة. يبدو أن هذه المعضلات الاقتصادية لا يمكن مواجهتها باقتدار دون معالجة علاقة إيران بالعالم الخارجي والتحرر من الحصار والمقاطعة، وكذلك مراجعة سياسات النظام الهادفة لتوسيع النفوذ الإقليمي وبناء مفاعلات نووية.

يقدر معدل النمو في عام 2025 بنحو 0,3 في المئة، والتضخم 43,3 في المئة. كما قدر البنك الدولي الناتج المحلي الإجمالي لإيران بـ405 مليارات دولار في عام 2023، وهو مرشح للارتفاع إلى 437 مليار دولار في عام 2025

صندوق النقد الدولي

لا تتوافر بيانات مدققة عن أوضاع الاقتصاد الإيراني نظرا لطبيعة العلاقات السياسية مع الدول الغربية وتعطل تزويد صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بالإحصاءات المطلوبة. لكن صندوق النقد أشار في تقرير حديث إلى أن معدل النمو في عام 2025 قد يصل إلى 0,3 في المئة، في حين قدر معدل التضخم خلال السنة الجارية بـ43,3 في المئة. كما قدر البنك الدولي الناتج المحلي الإجمالي بـ405 مليارات دولار تقريبا في عام 2023، وهو مرشح للارتفاع في عام 2025 إلى 437 مليار دولار، ليتخطى دخل الفرد السنوي 4,750 دولارا، استنادا إلى عدد سكان إيران الذي يفوق 92 مليون نسمة وفقا لتقديرات الأمم المتحدة.

العلاقات الاقتصادية مع دول الخليج

عزز الاعتداء الإيراني الأخير على قاعدة العديد في قطر الشعور بعدم الثقة بنيات النظام الإيراني تجاه دول الخليج. وعلى الرغم من أن العلاقات التجارية بين إيران ودول الخليج متأصلة منذ زمن قديم، واعتمدت دول الخليج على إيران لاستيراد المواد الغذائية الأساسية، فإن الأوضاع الأمنية لا تزال متوترة، وهناك عدم تجاوب إيراني مع مطالب دول الخليج لإقامة علاقات جوار ملائمة، وثمة ملفات اقتصادية عالقة، منها الادعاء بحقوق في حقل غاز الدرة، المملوك من السعودية والكويت.

واس
وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان يستقبل وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، جدة، 8 يونيو 2025

وهناك علاقات تجارية مزدهرة بين عدد من دول الخليج وإيران. على سبيل المثل، تعتبر الإمارات ثاني أكبر مصدّر إلى إيران بعد الصين. ارتفعت صادرات الإمارات من 6 مليارات دولار في عام 2018، وهو العام الذي ألغى فيه الرئيس دونالد ترمب الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني، إلى 22 مليار دولار في عام 2024. كما أن الإمارات تعتبر من أكبر مستوردي الغاز المسال من إيران.

أما دول الخليج الأخرى، فتتمتع بعلاقات تجارية معتدلة مع إيران، ويمكن هذه العلاقات أن تتحسن مع تطور الأوضاع السياسية، بالتوازي مع انفتاح إيراني اقليمي ودولي.

يقدر عدد الإيرانيين المقيمين في الخارج بـ4,5 ملايين ويمكن هؤلاء أن يشكلوا أساسا للتنمية المستدامة في إيران متى توفرت لهم الفرص والظروف الأمنية المواتية

لا شك أن هناك ضرورة للحوار وإجراء مفاوضات بين منظومة مجلس التعاون الخليجي وإيران بهدف التوصل إلى اتفاقات اقتصادية متبادلة تحظى بقبول الطرفين، وقد تفضي في نهاية المطاف إلى إبرام اتفاقية تجارة حرة.

آمال الاستثمارات في إيران

تملك إيران أكثر من 10 في المئة من الاحتياطيات النفطية الطبيعية في العالم، ولديها إمكانات كبيرة في القطاع الزراعي الذي يساهم بنسبة تفوق الـ10 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي، ويمكن رفع هذه النسبة في ظل أوضاع سياسية ملائمة وشروط استثمارية مناسبة.

للمزيد إقرأ: مضيق هرمز وامتحانُ النفط

كذلك، تتمتع إيران بقوى عاملة تتميز بالمهنية والمثابرة، وهناك نسبة مرتفعة نسبيا من المتعلمين في صفوف الشعب الإيراني. إلا أن الظروف السياسية والمعيشية الصعبة دفعت بالكثير من الإيرانيين المتعلمين والمتخصصين في مجالات مهنية عديدة الى الرحيل والبحث عن فرص عمل في الخارج.

رويترز
صادرات الطاقة تزيد استقرار الاقتصاد الإيراني

يقدر عدد الإيرانيين المقيمين في الخارج بـ4,5 ملايين في السنة الجارية، وهم يتوزعون بين أميركا الشمالية وأوروبا وعدد محدود من دول الشرق الأوسط مثل تركيا والعراق ودول الخليج العربية. يمكن هؤلاء أن يشكلوا أساسا للتنمية المستدامة في إيران متى توفرت لهم الفرص والظروف الأمنية المواتية.

غني عن البيان أن دول الخليج تهتم بالاستثمار في إيران، خصوصا من شركات ومؤسسات وأفراد في القطاع الخاص ممن يملكون علاقات وطيدة مع نظرائهم الإيرانيين. ولكن يبقى من المهم توفر قوانين وأنظمة تحكم الأعمال الاستثمارية وتحمي حقوق المستثمرين، وهذه أولية لا بد أن يتفهمها صانعو السياسات الاقتصادية في إيران مستقبلا.

يمكن لدول الخليج أن توظف جزءا من أموال الصناديق السيادية أو من ثروات القطاع الخاص في إيران في مشاريع واعدة ومجدية اقتصاديا بشروط توفر الاستقرار السياسي والتحول نحو اقتصادات السوق

يمثل استقرار سعر صرف العملة الوطنية أهم العناصر الجاذبة للاستثمار، ولا يمكن التعويل على تدفق استثماري إلى البلاد عندما يكون سعر صرف الدولار 86,900 تومان (أو 869,000 ريال)، قابل للتغيير سلبا خلال الأيام والشهور المقبلة، ما لم تتحسن الأوضاع الاقتصادية في البلاد وينتعش تصدير النفط والغاز تحديدا.

رويترز
نيران وسحب من الدخان تتصاعد من منشأة شاران النفطية التي استهدفتها القوات الإسرائيلية، طهران، 15 يونيو 2025

وتراجع سعر صرف العملة الإيرانية منذ ثورة 1979 حيث كان سعر الصرف للدولار 70 ريالا فقط، أما سعر الصرف الحالي فهو يظهر مدى تدهور الأوضاع الاقتصادية وهروب رؤوس الأموال التي قدرت بنحو 30 إلى 40 مليار دولار منذ قيام الجمهورية الإيرانية في إيران.

يمكن دول الخليج أن توظف جزءا من أموال الصناديق السيادية أو من ثروات القطاع الخاص في إيران في مشاريع واعدة ومجدية اقتصاديا بشروط توفر الاستقرار السياسي والتحول نحو اقتصادات السوق وتحرر الملكية والانفتاح وتعزيز دور القطاع الخاص الإيراني، بعيدا من هيمنة القوى الحاكمة أو مؤسسات الحرس الثوري.

ربما تكون هذه الآمال صعبة التحقيق على المدى القريب، لكن إيران لن تتمكن من الاستفادة من استثمارات خليجية أو من دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، دون إحداث تغييرات بنيوية سياسيا واقتصاديا تعيد البلاد إلى الانتعاش والازدهار.

font change

مقالات ذات صلة