هل انتصرت إيران؟

هل انتصرت إيران؟

استمع إلى المقال دقيقة

يتساءل المرء ماذا جنت إيران من برنامجها النووي غير الخسائر البشرية والاقتصادية، وتلك المتراكمة عبر عقود من الزمن، في وقت يعاني الشعب الإيراني شظف العيش، وتدني القدرة الشرائية، وسوء الخدمات على أنواعها، وذلك بعيدا من الجدل الدائر بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب وأجهزة الاستخبارات والإعلام الأميركية، ما إذا كان هذا البرنامج وأنفَاقه وتجهيزاته قد تضررت أم دُمِّرت، وما إذا كان قد تمّ نقل اليورانيوم المخصب قبل "مطرقة منتصف الليل" أم لا.

يزداد التعجب عند قراءة التقارير المختلفة حول تقدير التكاليف المالية الكاملة للبرنامج النووي الإيراني منذ انطلاقه حتى اندلاع حرب الاثني عشر يوما الأخيرة، التي قد تكون بلغت، ما قبل الحرب، بين 100 و350 مليار دولار، إذا أُخِذت في الاعتبار كل العقوبات والخسائر الاقتصادية ذات الصلة.

وتقول مجلة "ذي نيويوركر" إن هذا البرنامج لا يوفر سوى نحو واحد في المئة من احتياجات إيران من الطاقة، في حين تصل تكلفته إلى 500 مليار دولار في البنى التحتية والبحوث والعقوبات الدولية.

وباحتساب ما أنفقته إيران على وكلائها وأذرعها العسكرية والسياسية والإعلامية خارج حدودها، خلال العقود الثلاثة الأخيرة، تشير أرقام متقاطعة في تقارير مراكز دراسات اقتصادية وأمنية، إلى أن حجم الإنفاق يراوح ما بين 100 الى 200 مليار دولار، ويشمل "حزب الله" اللبناني والميليشيات العراقية والحوثيين و"حماس" والنظام السوري الأسدي المجرم، وغيرها.

باحتساب تكاليف العقوبات والفرص الاقتصادية الضائعة على دولة نفطية بحجم إيران، تتحدث تقديرات عما لا يقل عن تريليوني دولار خلال أربعة عقود، خسرتها أجيال متعاقبة من الشباب الإيراني

ومع احتساب تكاليف العقوبات والفرص الاقتصادية والاستثمارية الضائعة على دولة نفطية مثل إيران، بمساحتها وعدد سكانها، تتحدث تقديرات الخبراء عما لا يقل عن تريليوني دولار خلال أربعة عقود، خسرتها أجيال متعاقبة من الشباب الإيراني. ومن المعلوم أن الاقتصاد الإيراني يواجه أزمة غير مسبوقة، مع ارتفاع معدل التضخم إلى نحو 40 المئة، وانهيار متسارع لقيمة العملة الوطنية. 

في الثمانينات كانت كوريا الجنوبية في وضع اقتصادي مشابه لإيران في السبعينات، في حين أن ناتجها المحلي يفوق اليوم 1,7 تريليون دولار، بينما لا يتجاوز الاقتصاد الإيراني 300–400 مليار بأسعار السوق.

كما تجاوزت تركيا إيران منذ التسعينات، ووصل ناتجها إلى أكثر من تريليون دولار، على الرغم من أزماتها السياسية والاقتصادية. 

وحاليا تتفوق الإمارات على إيران بنحو 100 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي، علما أن مساحة إيران تفوق الإمارات بنحو 20 ضعفا تقريبا، وتفوقها بنحو 8 أضعاف من حيث عدد السكان.

في دولة بحجم تركيا، التي لها عدد سكان مشابه، فإن نصيب الفرد من الناتج المحلي يوازي 16 ألف دولار سنويا، فيما لا يتجاوز 4,000 دولار في إيران. ومع هذا المستوى من دخل الفرد، يتبين كيف تمكنت إسرائيل من اختراق إيران بمئات العملاء، حيث قالت طهران إنها كشفت 700 منهم إثر فضائح اختراقات حرب الإثني عشر يوما الأخيرة، التي يبدو أنها لا تزال مفتوحة على كل أشكال احتمالات الحروب التكنولوجية منها، أو الجولات النارية المستقبلية المتقطعة، ما دامت السماء مفتوحة فوق طهران، والصواريخ الباليستية والفرط صوتية قادرة على أن تطال بورصة تل أبيب. 

يستطيع الجميع الكذب ما يشاؤون، لكن ذلك لن يغيّر شيئا من حقيقة أن معاناة الإنسان في إيران مستمرة، وأن الموت جوعا أو حرقا في غزة لا يتوقف، كما أن الموت البطيء اليومي، تحت رايات "الزحف إلى القدس" و"الاقتصاد المقاوم"، لا يزال حاضرا في اليمن ولبنان 

إذا وضعنا هذه الوقائع والأرقام جانبا، وعدنا إلى السياسة وخطاباتها، لربما من حق كل طرف أن يصوغ روايته، لكن ما سمعناه وشاهدناه يثير العجب العُجاب، ويُسجَّل في تاريخ الحروب غير المسبوقة، والسياسات المتمادية في احتقار العقول والاستهانة بالشعوب. 

في كل الأحوال، إذا كان ترمب حرا في إطلاق التصريحات كما يشتهي، وقادرا على التعبير عن امتنانه وشكره لإيران على "صواريخها المنضبطة"، وإعلانه السماح للصين باستيراد النفط الإيراني مجددا، فإن من حق المرشد علي خامنئي أيضا أن يعلن النصر وأن يقول إن إسرائيل انهارت وأميركا لم تحقق شيئا، وذلك بما يخدم مصالحه الداخلية، تماما كما دأب نتنياهو وإسرائيل على فعل ذلك. 

يستطيع الجميع قول ما يشاؤون، فالكذب بلا حدود، وبلا خجل، وبلا حساب، لكن ذلك لن يغيّر شيئا من حقيقة أن التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية والأميركية مرعبة بكل المقاييس، وأن معاناة الإنسان في إيران مستمرة، وأن الموت جوعا أو حرقا في غزة لا يتوقف، كما أن الموت البطيء اليومي، تحت رايات "الزحف إلى القدس" و"الاقتصاد المقاوم"، لا يزال حاضرا في اليمن ولبنان بفعل استمرار مزايدات الأتباع الإيرانيين.

font change