الاتفاق النووي .. و«الانشغال المهووس»!

التعاون العسكري-الاقتصادي بين الصين وإيران يهدد الأمن القومي الإسرائيلي

الرئيس الصيني شي جين بينغ يصافح الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني.

الاتفاق النووي .. و«الانشغال المهووس»!

وجدت إسرائيل نفسها أمام معركة جديدة للحفاظ على أمنها القومي، بعد الإعلان عن خروج الاتفاق بين الصين وإيران للتعاون العسكري الاقتصادي إلى حيز التنفيذ وتعاضد العلاقات.


ومنذ الإعلان عن التعاون الجديد بين الصين وإيران تنشغل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في كيفية التعامل مع مثل هذه العلاقة مع إيران، حيث العلاقات الوثيقة بين الصين وإسرائيل. وكان الاستخلاص الأولي أن مثل هذه العلاقة تشكل خطرا على الأمن القومي الإسرائيلي.
وحمّل أمنيون وسياسيون متخذي القرار في إسرائيل المسؤولية لانشغالهم في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران على خلفية الاتفاق النووي وسموه «الانشغال المهووس» في مقابل تجاهل مخاطر العلاقة بين إيران والصين، التي تعززت قبل نحو السنة في الاتفاق الأولي بين البلدين. واعتبروا أن وصول أي عامل صيني في إسرائيل إلى معلومات حساسة جدا عن الشبكات الإسرائيلية، المدنية والتكنولوجية هو خطر على الأمن القومي.

خلال توقيع اتفاقية الـ 25 عاما بين الصين وايران.


وفي توقعاتهم لرغبة إيران في مثل هذا الاتفاق فإن العقوبات، أولا، ثم احتدام الأزمة الاقتصادية بسب تفشي وباء كورونا دفعا الإيرانيين إلى التوقيع مع الصين.


الاتفاق يتضمن تعهدا إيرانيا بأن توفر للصين النفط بأسعار رخيصة خلال الـ25 سنة المقبلة. ويرى الإسرائيليون أن الصين ستقود مقابل ذلك مشاريع واسعة لبنيتها التحتية تشمل استثمارات في شق الطرق وبناء الموانئ وإنشاء شبكات اتصالات متطورة. ولكن، ما يقلق إسرائيل أكثر هو الجانب العسكري في الاتفاق والذي يشمل تعاونا عسكريا وتطويرا لسلاح مشترك. كما ترى إسرائيل أن الاتفاق الجديد بين إيران والصين يعطل رافعة الضغط الاقتصادي الأميركي ويعزز جدا موقف المساومة الإيرانية من شأنه أن يبشر بزخم متجدد لمساعي الهيمنة الإيرانية في المنطقة. المعنى لإسرائيل دراماتيكي، وفق مسؤولين إسرائيليين الذين أضافوا يقولون: «إن تحديد سعر النفط لـ25 سنة ومقاربة محتملة لتطوير حقول الغاز الطبيعي وإنشاء مشاريع مواصلات وطاقة بمبلغ 400 مليار دولار في إيران، كل ذلك مكاسب للصين من الاتفاق الذي وقعت عليه مع إيران، وهو أمر يستدعي أن تقوم الحكومة الإسرائيلية بإجراء نقاشات مكثفة حول نشاطات الصين فيما يتعلق بشراء وإقامة بنى تحتية حيوية، هنا وفي إيران».
هذا الاتفاق سيضمن لإيران مساعدة اقتصادية حاسمة طويلة المدى في فترة مقلقة بشكل خاص. الصين، وكما يقدر الإسرائيليون، ترى في الاستثمارات في إيران جزءا صغيرا من استراتيجية الصين الكبرى التي تسمى «الحزام والطريق»، التي أساسها ضمان نفوذ الصين وقنوات مفتوحة لنقل البضائع الصينية من شرق وسط آسيا إلى الشرق الأوسط وأوروبا.
 
مواصلة الحفاظ على الحذر
الإعلان عن توقيع الاتفاق جاء بعد وقت قصير من لقاء بين الصين وأميركا سادت فيه أجواء متوترة بين ممثلي الدولتين، في الوقت الذي تولد فيه الانطباع بأن إدارة بايدن ستقود خطا متصلبا مناوئا للصين. بالنسبة لإسرائيل المعنى الأساسي لهذه الخطوة هو تعزيز الإمكانيات الاقتصادية الموضوعة أمام إيران.

تحذير إسرائيلي من التقارب الصيني - الإيراني


«الصين ليست عدوا لإسرائيل وهي معنية بعلاقات اقتصادية وطيدة مع كل الأطراف في المنطقة دون أي صلة بالمواقف الآيديولوجية»، قال مسؤول إسرائيلي وأضاف: «في المقابل، إسرائيل ستضطر إلى أن تواصل الحفاظ على الحذر فيما يتعلق بالاستثمارات الصينية لديها، أيضا بسبب المعارضة الأميركية المتزايدة لذلك، وخوفا من تدخل الصين في مشاريع حساسة تقود إلى تسريب معلومات كان من الأفضل أن تبقى فقط في أيدي إسرائيل».


دان شيفطن، رئيس مركز أبحاث الأمن القومي في جامعة حيفا، يرى أن ما سماه «التحالف الإيراني الصيني»، يشكل تهديدا استراتيجيا على إسرائيل، إذا ما تطورت بكاملها الطاقة الكامنة في حلف إيران- الصين، فمن شأن الشرق الأوسط أن يعلق مرة أخرى في حرب باردة بين القوى العظمى بشكل يهدد إسرائيل»، ويضيف شيفطن: «مساعدة صينية مكثفة للنظام الإيراني من شأنها أن تسند إيران في محاولاتها لفرض هيمنتها على المنطقة في إطار حرب باردة من نوع آخر تتطور بين الولايات المتحدة والصين. إسناد صيني كهذا، يترافق ومصالحة على نمط أوباما من إدارة بايدن، من شأنه أن يحقق مثل هذه الهيمنة التي تطرح على إسرائيل تحديا استراتيجيا لم تشهده منذ حرب أكتوبر عام 1973».


وعودة إلى السياسة الإسرائيلية تجاه إيران وكما يقول شيفطن: «تعيش إسرائيل في السنوات الأخيرة حربا تتصاعد مع إيران، في محاولة لمنعها بالقوة من بناء بنى تحتية عسكرية كثيفة حول حدودها. وهذا هو معنى التفجيرات الواسعة المنسوبة لإسرائيل في سوريا وفي غرب العراق. تفهم إيران بأن إسرائيل هي الوحيدة التي يمكنها أن تصد تطلعاتها في الهيمنة وتخصص هذه البنى التحتية لردع إسرائيل من خلال تهديد خطير لمراكزها السكنية».
 
ميناء حيفا والقلق الإسرائيلي

إضافة إلى ما ذكر من قلق إسرائيلي للتعاون الصيني الإيراني فإن الجوانب الاستراتيجية والأمنية هي الأكثر خطرا على إسرائيل. وقد سبق وأثارت الولايات المتحدة هذا الجانب عندما فازت شركات صينية بمناقصات مشاريع عدة في إسرائيل، وفي أبرزها ومركزها بناء ميناء جديد في حيفا. فقد اعتبرت الولايات المتحدة أن عمل الشركات الصينية في ميناء حيفا، حيث العديد من الآليات العسكرية الأميركية ترسو في ميناء حيفا وفي عملها وتشغيلها وحتى تنفيذ أهداف لها معلومات أمنية واستراتيجية حساسة.


ورأت الولايات المتحدة في تواجد الصين هناك خطرا لما يمكن أن ينجح صينيون يعملون في الميناء في الحصول عليه من معلومات. ومن ميناء حيفا يطلق سلاح البحرية الإسرائيلية عمليات عسكرية، بعضها سري، يتم التشاور حولها مع الولايات المتحدة. ووجود شركة صينية هناك من شأنها أن تتجسس على خطة العمليات وعلى التعاون الأمني بين سلاحي البحرية الإسرائيلية والأميركية.
والأمر نفسه اليوم ينطبق على إيران، ولكن بشكل أخطر أضعاف ما هو الوضع مع الولايات المتحدة حيث توثيق العلاقات بين الصين وإيران من شأنه أن يوصل معلومات أمنية وحساسة إلى إيران مباشرة وربما من دون تردد.


ويعتبر ميناء حيفا واحدا من أهم المنشآت الأمنية الحساسة في إسرائيل من الناحيتين الأمنية الاستراتيجية، حيث تقام في الميناء القاعدة العسكرية البحرية، التي تشكل عصب الدفاع الإسرائيلي في أي مواجهة حربية بين إسرائيل ومنطقة الشمال، ولبنان على وجه الخصوص، وهي أيضا واحدة من المواقع الاستراتيجية الهامة والمستهدفة من جهات معادية.


جهاز الشاباك الإسرائيلي احتج سابقا، هو الآخر، بعد فوز شركة صينية في بناء الميناء الجديد وفي حينه أوضح أن الصين تملك قدرات عالية في مجال التجسس. وحذر المدير السابق لمشروع بناء الغواصات التي تحصل عليها إسرائيل من ألمانيا، جنرال احتياط شاؤول حوريف، من خطر ما يمكن أن يتم كشفه أمام الشركات الصينية من معلومات حساسة، تهدد بشكل كبير أمن إسرائيل والقاعدة العسكرية البحرية في ميناء حيفا. وفي رأيه فإن أكبر المخاطر تكمن لدى معرفة الصينيين، العاملين في الميناء، تفاصيل قطعة بحرية موجودة في ميناء حيفا خرجت بمهمة في عمق البحر وهدف المهمة.


المشروع الثاني، الذي تقدمت له شركة صينية ويشكل خطرا على أمن إسرائيل هو إقامة منشأة لتحلية المياه، التي بحسب الإسرائيليين، هي الأكبر من نوعها في العالم. فقد كشف أن شركة «هاتشيسون» الصينية، ومقرها في هونغ كونغ، قدمت أحد المقترحات لإقامة المنشأة.


وستقام المنشأة بالقرب من منشآت أمنية حساسة، كما أن هذه المنشأة قريبة من قاعدة سلاح الجو «بلماحيم»، وعلى بعد كيلومترات معدودة من مركز الأبحاث النووية «ناحال شوريك».

هيئة استشارية
في أعقاب الضغوطات من جهات إسرائيلية وأميركية تقرر في إسرائيل إقامة هيئة استشارية للمشاريع الأجنبية، برئاسة ممثل عن وزارة المالية ومشاركة ممثلين عن وزارة الأمن، للحيلولة دون فوز شركات صينية بمناقصات مشاريع إسرائيلية حساسة وضخمة.
وبموجب الاقتراح تمنح الهيئة صلاحيات استشارية، وتقوم بالتدقيق في كافة استثمارات الشركات الأجنبية في إسرائيل. وخلال بحث مشاريع الاستثمارات الأجنبية تشارك مؤسسات حكومية من وزارتي التجارة والخارجية في الاجتماعات، على أن تقتصر المشاركة في رؤيتها حول المقترحات دون منح ممثليها حق المشاركة في اتخاذ القرار.


بموجب ما صادق عليه المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي، في حينه، فلا تمنح الشركات الإسرائيلية، التي تنفذ مشاريع متعلقة بما يسمى «البنى التحتية القومية» والشركات المرتبطة بمؤسسات مالية إسرائيلية أو بالصناعات الأمنية، تصاريح لمناقصاتها ومشاريعها دون الحصول على تصاريح الهيئة الجديدة.


إن التقارب بين الصين وإيران، في مقابل الجهود التي تبذلها الصين لتعزيز علاقاتها مع دول الخليج ودول عربية أخرى تستدعي إسرائيل إلى التعامل بمنتهى الجدية مع الاتفاق الجديد وضمان إدارة عاقلة للمخاطر والفرص، وفق توصية جهات إسرائيلية عدة لمتخذي القرار في إسرائيل.

 

font change