ساحة الفردوس: صورة سليماني بدل تمثال صدام

عراقيون بين اللامبالاة والاحباط بعد 20 سنة من سقوط النظام

ساحة الفردوس: صورة سليماني بدل تمثال صدام

"إنها بلد لصوص"، هكذا علّق أحد عناصر قوات الأمن العراقية، وعلى وجهه علامات الاحباط، قبل أن يضيف: "كلّ فرد منهم علي بابا بحد ذاته، ولكن هناك سلاماً الآن على الأقل".

ما يشغل بال العراقيين الآن هو كيف يحصّلون المال ويبقون على قيد الحياة، فلا وقت لديهم لاستعادة ما جرى قبل عشرين عاما، الذي يسميه بعضهم "غزوا"، وبعضهم "تحريرا".

مهما يكن من أمر، فقد جرى ذلك كله قبل عقدين من الزمان. في أذهان العديد من الأجانب، فأنّ معركة بغداد عام 2003، انتهت في هذا الدوّار، في ساحة الفردوس، التي كانت في الزمن الغابر محلا لنصب "الجندي المجهول" في العراق، قبل أن ينتصب فيها تمثال الرئيس السابق صدام حسين، الذي أسقطه سكان محليون ومشاة البحرية الأميركية في 9 أبريل/نيسان 2003، وقد بُثّ المشهد مباشرة على الهواء في جميع أنحاء العالم، وعلّق عليه عدد كبير من الصحافيين الأجانب المقيمين في الفنادق القريبة.

تلك اللحظة، أنهت أكثر من عقدين من الحكم المطلق لصدام.

بعد عقدين آخرين من الزمان، بدأ الهدوء يسود البلاد شيئا فشيئا، ولكن فقط بعدما قضى آلاف العراقيين الذين سقطوا خلال الحرب نفسها وما تلاها في سنوات الاقتتال الطائفي، وبعد أن وحدت الحرب على تنظيم "داعش" الطوائف في العراق، لبعض الوقت على الأٌقل.

ما يشغل بال العراقيين الآن هو كيف يحصّلون المال ويبقون على قيد الحياة، فلا وقت لديهم لاستعادة ما جرى قبل عشرين عاما، الذي يسميه بعضهم "غزوا"، وبعضهم "تحريرا". 

اليوم، غادر العديد من مكاتب الإعلام الأجنبية البلاد، ولم يعد الصحافيون الذين ظلّوا يترددون على الفنادق ذاتها التي كانوا يرتادونها قبل عقدين. النوافير ترشق الماء عاليا في الهواء في منتصف الميدان في يوم الجمعة في شهر رمضان المبارك، حيث تبدأ الشوارع المحيطة الخاملة في الانتعاش ببطء.

وبعد ساعات تقام الصلاة في المسجد الواقع على جانب من الميدان مقابل طريق قصير يؤدي إلى نهر دجلة، غير بعيد عن "فندق فلسطين". وقد سمّي المسجد، بعد انقلاب عسكري نفّذه الفرع العراقي لحزب "البعث" في الستينات.

تنمو الآن الأزهار في المكان الذي انهار فيه التمثال قبل عشرين عاما. على الجانب الآخر من الشارع، تتجول نعامات وردية على العشب أمام صالون للتجميل يزدان بصور لنساء يضعن مكياجا كثيفا، وشعرهن المتدفق مصبوغ باللون الأشقر والوردي.

حين سألت أحد أفراد قوى الأمن في الميدان عن رأيه في الأميركيين، أجاب قائلا، إن الولايات المتحدة "نظام قاتل". وأضاف وهو يبتسم، "أتعلمين كم يبلغ راتب الواحد من هؤلاء الجنود الأميركيين الجالسين في القواعد هنا (في العراق)؟ 10,000 دولار في الشهر. أتعلمين كم راتبي أنا؟ 700 دولار في الشهر".

وسأل، "أترين ما تفعله إسرائيل وأميركا في فلسطين؟" قبل أن يجيب، "إنهما وجهان لعملة واحدة". ثم شرح موقفه الذي يعبّرعن وجهة نظر شائعة هنا: "أقصد الحكومات، لا الناس. الناس فقراء. هناك الكثير من الفقراء في أميركا".

Shelly Kittleson
صالون تجميل في ساحة الفردوس، وسط بغداد

الغرب وجهتنا والمسيحيون "إخوتنا"

تزداد ظروف المناخ تدهورا في العراق بينما يترسخ اقتناع العراقيين على نطاق واسع بعجز الحكومة عن معالجة الفساد المستشري بشكل صحيح، وكلا الأمرين يدفع بالعديدين منهم إلى البحث عن سبل لمغادرة العراق.

يردّد كثرٌ في هذا البلد ذي الغالبية الشيعية أنهم لا يحملون أي ضغينة على الإطلاق ضد المسيحيين والغرب بشكل عام، بل "يفضلون" التعامل معهم على التعامل مع أفراد المجتمع المسلم الآخرين.

وقال لنا رجل في الثانية والأربعين من العمر بصوت متهدّج، "لم أكن هنا عندما جاء الأميركيون. عشت في لبنان لمدة ست سنوات، لأسباب سياسية"، مضيفا، "عدت بعد ذلك مباشرة، لكني الآن نادم على ذلك. هناك؟ كنت مراهقا، ولكن كان لديّ مكان للإقامة وسيارة و80 دولارا في اليوم. هنا؟ أنا محظوظ لأن لديّ منزل العائلة أعيش فيه ولست مضطرا لدفع الإيجار".

وأسهب قائلا: "عندي ثلاث بنات. أحاول الانتقال إلى أوروبا. بعض أصدقائي هناك سيساعدونني. وهناك ستكون البنات قادرات على مواصلة تعليمهن، وهذا أمر مهم جدا لهن".

يعيش الرجل في منطقة الكرّادة في العاصمة العراقية، حيث يوجد عدد كبير نسبيا من الكنائس مقارنة بعدد المسيحيين في العراق، الذي يعتقد أن أكثر من 95٪ من سكانه مسلمون. وأوضح الرجل، "المسيحيون إخوتنا. نحن في المجتمع الشيعي نشعر بهذا. المسيحيون متعلمون ومهذبون. القرآن يحترم عيسى ومريم، وجيراني مسيحيون. إنهم أناس طيبون ونظيفون".

هناك وجهة نظر منتشرة على نطاق واسع في العراق، خاصة في المجتمع الشيعي، مفادها أن المدارس المسيحية أفضل بطريقة ما من غيرها. قال رجل عراقي لـ"المجلة" في الأشهر الأخيرة إنه حاول فور وصوله إلى أستراليا تسجيل ابنته في مدرسة مسيحية لأنه افترض أنها ستكون أفضل من غيرها، "كما هو الحال في العراق". لكنه اكتشف غير ذلك.

وزعم رجل مسلم شيعي كان في الميدان أن "السنّة لا يحبون المسيحيين" لكنه لم يقدّم دليلا على ادعائه، وأضاف، " نحن لا نثق بالسنّة. لقد رأيتِ ما حدث مع داعش".

Shelly Kittleson
صباح جمعة هادئ في رمضان في ساحة الفردوس ، حيث تم إسقاط تمثال صدام حسين في عام 2003 في وسط بغداد

إيران والولايات المتحدة

ثمّة لوحة كبيرة للاعلانات تطل على الميدان وتُظهر بعد 20 عاما العديد من الرجال يولون ظهورهم للمشاهد، بمن فيهم شخص يمكن التعرف إليه على الفور: الجنرال الإيراني قاسم سليماني.

اغتيل سليماني بضربة جوية أميركية بطائرة بدون طيار في يناير/كانون الثاني العام 2020 خارج مطار بغداد، وكان وقتذاك قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري الإيراني".

حين وقع الاغتيال، كانت الاحتجاجات التي بدأت 2019 واستمرت حتى عام 2020 على الرغم من التأثير المثبط لأزمة وباء "كوفيد-19" في جميع أنحاء العالم، تنتقد "التدخل" الأميركي والإيراني في البلاد.

وقال رجل يبلغ من العمر 42 عاما في الميدان، "الولايات المتحدة وإيران كلتاهما نظامان عنيفان. أترين ذلك المبنى هناك؟ إنه مستشفى لـ"الحشد الشعبي" (وحدات الحشد الشعبي التي يغلب عليها المكون الشيعي برواتب تدفعها الحكومة). إنهم تابعون لإيران"، مضيفا، "لكننا في هذه المرحلة لم نعد نهتم. نريد فقط أن نرحل. أنا أربي بناتي جيدا. الناس الآخرون لا يفعلون هذا. هذا يعتمد على الأسرة".

"في هذه المرحلة لم نعد نهتم. نريد فقط أن نرحل. أنا أربي بناتي جيدا. الناس الآخرون لا يفعلون هذا. هذا يعتمد على الأسرة".

عراقي عمره 42 في ميدان الفردوس

ينحدر شارع السعدون إلى ميدان التحرير الشهير على الطريق مباشرة، الذي كان في قلب احتجاجات 2019 الضخمة التي أسقطت الحكومة في ذلك الوقت وقُتل فيها المئات معظمهم من الشباب. في هذا الشارع محال عدة تبيع الكحول المستورد، لكن معظمها مهجور.

قال أحد الرجال، مشيرا إلى الشارع الجانبي وهو يغمز بعينه: " متاجر المشروبات الكحولية في الشارع مغلقة خلال شهر رمضان، لكنها ستفتح بعد رمضان".

الولايات المتحدة وإيران كلتاهما نظامان عنيفان. أترين ذلك المبنى هناك؟ إنه مستشفى لـ"الحشد الشعبي". إنهم تابعون لإيران"، مضيفا، "لكننا في هذه المرحلة لم نعد نهتم".

Shelly Kittleson
صورة لمسجد قرب ساحة الفردوس

توقف سائق "توك توك" مراهق يحمل ثلاثة فتيان أصغر منه بسنوات قليلة فقط ليسأل عن الاتجاهات، بينما كان عدد قليل من رجال الشرطة يتوجّه إلى محال البقالة القريبة ومطعم للفلافل في الشارع المجاور، تغطّي ملاءة بيضاء النصف العلوي منه وتخفي ما في حوزته، لأنهم – خفية أو علانية – يخالفون قواعد شهر الصيام المقدس أثناء ساعات النهار.

أعترف أحدهم لـ"المجلة"، "أنا أشرب المشروبات، نعم. ولكن مرة كل بضعة أشهر. أما المخدرات فلا. أبداً". وزعم أن المتورطين في المخدرات هم "أولئك الرجال الذين يعملون مع ايرانيين".

يذكر أن السلطات العراقية كانت أعربت في الأسابيع الأخيرة عن نيتها زيادة الأنشطة لمكافحة استخدام المخدرات والتهريب، وأكدت أن الفساد يشكل تهديدا أكبر للبلاد من إرهاب "داعش".

font change

مقالات ذات صلة