قصة نجاح صناعة السيارات في المغرب

من المحركات الحرارية إلى العربات الكهربائية الصديقة للبيئة

باربرا جيبسون
باربرا جيبسون

قصة نجاح صناعة السيارات في المغرب

اكتسب المغرب في السنوات الأخيرة سمعة تنافسية رائدة في صناعة السيارات وبلغت عائدات صادراته أكثر من 11 مليار دولار في العام المنصرم، ويتوقع إنتاج مليون سيارة سنويا بدءا من السنة الجارية. صار المغرب ينافس كلا من الهند والصين في مجال تلقي الاستثمارات الموجهة لتصنيع أجزاء السيارات المختلفة، ويحتل المرتبة الثانية في الدول الأكثر تصنيعا في أفريقيا بحسب تصنيف البنك الأفريقي للتنمية والاتحاد الأفريقي.

تُطرح قريبا في الأسواق المغربية أول سيارة من صنع محلي بالكامل تحمل علامة تجارية باسم "نيو" (NEO) من صنف M2 متوسطة الحجم، في إمكانها منافسة سيارات "رينو" و"بيجو" و"سيتروين" الفرنسية، و"فيات" الإيطالية ومثيلاتها من العربات المصنعة في آسيا. وستُعرض بسعر من 15 إلى 17 ألف دولار أميركي، أي نحو 170 ألف درهم مغربي.

وكشفت مصادر في وزارة الصناعة والتجارة لـ"المجلة" أن السيارة المغربية ستكون مجهزة بمحركات من شركة "أوبل" الألمانية وهي اجتازت كل الاختبارات الفنية المطلوبة.

ويتزامن طرح هذا النوع من السيارات المتوسطة الحجم مع انتقال صناعة العربات في المغرب إلى إنتاج سيارات هجينة وكهربائية بالكامل، استجابة للأسواق الأوروبية، التي قررت وقف العمل بمحركات البنزين والديزل في أفق 2035. ويعتبر المغرب المزود الثاني لأسواق الاتحاد الأوروبي بعد الصين من العربات المنخفضة التكلفة. وسبق لشركة "NAMX" المغربية خلال المعرض الدولي للسيارات في باريس، العام الماضي، أن طرحت نموذجا أوليا من سيارة ذكية متعددة الاستعمالات باسم (HUV).

يتوقع المغرب إنتاج مليون سيارة سنويا في عام 2023، مبيعاته تجاوزت 403 آلاف عربة وزعت في أكثر من 70 دولة عام 2021  وصنف ضمن الـ 20 بلدا الأكثر تصنيعا وتصديرا للسيارات 

مليون سيارة سنويا

وتتوقع صناعة السيارات في المغرب تطورا كبيرا في السنوات المقبلة، من خلال تنفيذ ثلاث خطوات تشمل أولا، زيادة مستوى الاندماج المحلي إلى 80 في المئة من التصنيع  في مقابل 65 في المئة حاليا، أي يتم تصنيع مكونات السيارات كلها محليا، بما في ذلك المحركات. ثانيا، تحقيق الحياد الكربوني في القطاع الصناعي عبر اعتماد الطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر. وثالثا، زيادة  حجم الاستثمارات الدولية واستقطاب شركات  مصنعة للسيارات.

ويتوقع المغرب إنتاج مليون سيارة سنويا في عام 2023. وكانت مبيعات المغرب من السيارات تجاوزت 403 آلاف عربة وزعت في أكثر من 70 دولة عام 2021  وصنف ضمن الـ20 بلدا الأكثر تصنيعا وتصديرا للسيارات بحسب إحصاءات المنظمة الدولية لمصنعي السيارات (International Organization of Motor Vehicle Manufacturers – OICA) لعام 2021. وكانت الرباط تحتل المرتبة 27 عالميا في العام 2017.

Agence MAP
ملك المغرب محمد السادس يترأس حفل تقديم نموذج أول سيارة مغربية "نيو" تعمل بالهيدروجين

11  مليار دولار مبيعات في 2022

بلغت صادرات المغرب في عام 2022 أكثر من 11 مليار دولار من مبيعات السيارات إلى 71 دولة معظمها في أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط، وهي تحتل رأس قائمة الدول العربية والأفريقية في إنتاج السيارات بنحو 700 ألف عربة في العام المنصرم. كما صدر ما قيمته 21 مليار درهم (نحو 2 مليار دولار) من مبيعات أجزاء الطائرات التجارية و1,9 مليار دولار من مبيعات أشباه الموصلات والرقائق الالكترونية.

وأفادت وزارة الصناعة والتجارة أن حجم إنتاج السيارات قد يصل إلى مليون عربة في نهاية عام 2023 وقد يبلغ مليونين سيارة مُصدرة عام 2030، لكن ذلك يتوقف أساسا على تطور الأسواق الدولية، وتحسن المؤشرات الاقتصادية، وخصوصا داخل أسواق الاتحاد الأوروبي.

وتمثل مبيعات السيارات ربع مجموع الصادرات المغربية، نحو 15 في المئة من مجموع الواردات حسب تقرير مكتب الصرف المغربي 2022 المشرف على التجارة الخارجية. ويعمل في  هذه الصناعات ربع مليون من المهندسين والفنيين في ثلاث مناطق إنتاج في كل من طنجة على البحر الأبيض المتوسط التي تصنع موديلات "داسيا ورينو" ويعمل فيها نصف عدد العمال، ومصانع "ستيلانتس" في القنيطرة على المحيط الاطلسي التي تصنّع علامات "بيجو" و"سيتروين"، بالاضافة إلى مصانع "صوماكا" في الدار البيضاء، وهي الأقدم من نوعها في المغرب، وتعود إلى مطلع الستينات من القرن الماضي. وكانت تجمّع موديلات "فيات" و"سيمكا" وغيرها. ثم انتقلت ملكيتها إلى علامة "رينو" الفرنسية بالكامل، خلال فترة خصخصة الشركات العمومية في تسعينات القرن الماضي.

وتقول دراسة لوزارة الاقتصاد والمالية إن المغرب بات مؤهلا بعد أكثر من عقد من تجربة صناعة السيارات المنخفضة التكلفة، للانضمام إلى نادي الدول الأكثر تصنيعا في مجال العربات المختلفة ذات القيمة المضافة العالية. ويشكل هذا التحول في المجال الصناعي شرطا للحفاظ على تنافسية عالية في مجال صناعة عربات المستقبل التي تعمل بالكهرباء وتستجيب لحاجيات أجيال جديدة من المستخدمين في احترام تام للبيئة وشروطها، ومتطلبات الحياة المرتبطة بالكامل بتكنولوجيا الاتصالات والذكاء الاصطناعي: أي سيارات ذكية بالكامل.

ويُنافس المغرب كلا من الهند والصين في مجال تلقي الاستثمارات الموجهة لتصنيع أجزاء السيارات المختلفة. ويوجد  اكثر من 180 شركة عالمية تعمل في مناطق التسريع الصناعي الحرة المرتبطة بشبكة من السكة الحديد تصل الى ميناء طنجة على البحر الأبيض المتوسط والدار البيضاء على المحيط الأطلسي، لتزويد مصنعي السيارات أو تصدير أطراف السيارات إلى اسواق بعيدة منها اليابان والمانيا وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وغيرها. وبحسب وزارة الصناعة والتجارة تكاد لا توجد سيارة في أوروبا  ليس فيها شيء صنع في المغرب.

ومن أبرز مزودي مصنعي السيارات العاملة في المغرب، "ديلفي" و"لير" الأميركيتان، و"هيغشمان" الألمانية، و"يازاكي" و"سوميتومو" اليابانيتان، و"فاليو" الفرنسية، و"مانيتي ماريلي" الايطالية وغيرها، بحسب بيانات وزارة الصناعة والتجارة عام 2022.

واستفاد المغرب من الحرب الروسية على أوكرانيا  بانتقال العديد من شركات تصنيع السيارات إلى المغرب، وخصوصا اليابانية والأميركية، وأصبحت سيارة "تيسلا" تعتمد جزئيا على اشباه الموصلات (Semiconductors) المصنعة في المغرب. وأعلنت شركة "سوميتومو" اليابانية استثمارات جديدة في صناعات السيارات في المغرب بقيمة 2 مليار درهم (190 مليون دولار)، في ثلاث جهات هي طنجة، الرباط وسلا والقنيطرة، والدار البيضاء الكبرى.

إن المغرب بات مؤهلا بعد أكثر من عقد من تجربة صناعة السيارات، للانضمام إلى نادي الدول الأكثر تصنيعا في مجال العربات المختلفة ذات القيمة المضافة

المغرب مستفيد من العولمة

اعتبر المعهد الايطالي للدراسات السياسية الدولية "ISPI" أن المغرب من الدول القليلة في المنطقة التي أستفادت من التوزيع الجغرافي  للقيم العالمية (الإمدادات الصناعية) منذ العام 2005 بفضل الرهان على التسريع الصناعي وتنويع الاقتصاد والانفتاح على التجارب الخارجية المختلفة.

باربرا جيبسون

وانتقلت حصة الاندماج في سلاسل القيم العالمية (بحسب المعهد الايطالي) من 7,6 في المئة الى 47 في المئة في أقل من 13 سنة (بين عامي 2005 و 2018).

وتمكنت الرباط من جلب استثمارات ضخمة خلال العقدين الأخيرين شملت أكبر المزودين للأسواق العالمية من الولايات المتحدة والصين واليابان وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، فرنسا وإيطاليا وإسبانيا.

وقال المعهد الايطالي إن صناعة السيارات وأجزاء الطائرات وأشباه الموصلات، وضعت المغرب في المستوى الصناعي نفسه لدول مثل المكسيك ورومانيا وروسيا وتركيا والهند والبرازيل، مع امتياز جيو استراتيجي للمغرب بحكم وجوده على البحر المتوسط والمحيط الاطلسي، بين قارتي أوروبا وأفريقيا، واعتماده على تصنيع الفوسفات لتحسين الإنتاج الزراعي في أفريقيا. كما  صدر المغرب العام الماضي بقيمة ملياري دولار من مبيعات أجزاء الطائرات مثل "بوينغ" و"بومبارديه" و"أوروسبيس" و"سافران" وEADS  ويقال "لا توجد طائرة مدنية إلا وفيها شيء من المغرب".  

واستعادت هذه الصناعة وهجها بعد أزمة كوفيد- 19 التي كانت تهدد صناعة الطائرات، وكانت  "بومبارديه" نقلت جزءا من وحدات الإنتاج من بلفاست في إيرلندا الشمالية إلى الدار البيضاء ثم قامت ببيع حصصها إلى الشركة الأميركية "سبيرت إيروسيستم" في صفقة بلغت قيمتها 225 مليون دولار. وتتزود العديد من وحدات تصنيع الطائرات الاميركية والكندية من مصانع الدار البيضاء.

 خلفية سياسية للقصة

في مطلع صيف عام 2002، كادت أن تندلع حرب بحرية بين اسبانيا والمغرب حول جزيرة ليلى، وهي صخرة جبلية غير مأهولة في سواحل البحر الأبيض المتوسط بين مدينة سبتة المحتلة شرقا ومدينة طنجة غربا.

تدخلت الولايات المتحدة بكـــل ثقــــلها لإعـــادة الأوضاع إلى مكانها السابق خلال زيارة سريعة لكولن باول وزير الخارجية آنذاك، الذي كان لا يريد نزاعا في شمال أفريقيا، في وقت كان ينصبّ تفكير الإدارة الأميركية على كيفية غزو العراق وحشد التأييد العربي أو الحياد في الحد الأدنى.

فهمت حكومة ماريا أزنار المتطرفة التي سعت إلى التشويش على مشروع بناء ميناء تجاري شرق مدينة طنجة على البحر المتوسط قبالة مضيق جبل طارق، أن واشنطن أقرب إلى الرباط في المواقف الاقتصادية، وهي إشارة إلى دعم تشييد الميناء الضخم، الذي كانت تخطط له الرباط في تلك المنطقة بدعم من دول خليجية وخصوصا السعودية والإمارات والكويت.

بعد سنوات سيصبح ميناء طنجة المتوسط، الذي يقع داخل منطقة تجارية حرة مرتبطة بشبكة من السكك الحديد السريعة، المرفأ الدولي لتصدير السيارات من أفريقيا إلى أوروبا وإلى العالم، والأول في البحر الأبيض المتوسط، ويرتبط بأكثر من 180 ميناء في أكثر من 70 دولة في العالم، وقد تم تصنيفه في المرتبة السادسة عالميا في ترتيب المرافئ العالمية في مجال النجاعة، التي حل فيها ميناء الملك عبد الله في المرتبة الأولى، بحسب تصنيف "المؤشر العالمي لأداء ميناء الحاويات 2021" بالتعاون بين البنك الدولي و"ستاندرد أند بورز ماركت انتليجانس".

صناعة السيارات وأجزاء الطائرات وأشباه الموصلات، وضعت المغرب في المستوى الصناعي نفسه لدول مثل المكسيك ورومانيا وروسيا وتركيا والهند والبرازيل، مع امتياز جيو استراتيجي للمغرب بحكم وجوده على البحر المتوسط والمحيط الاطلسي، بين قارتي أوروبا وأفريقيا

المعهد الايطالي للدراسات السياسية الدولية ISPI

التشريعات والموارد البشرية والبنى التحتية

يبدو أن ثلاثة عوامل ساعدت في نهضة صناعة السيارات في المغرب، هي أولا البنية التحتية المتطورة، من الموانئ إلى القطارات السريعة والطرق الحديثة في الشمال والجنوب، وثانيا الاستثمار في الموارد البشرية، عبر فتح مئات مراكز التدريب والتأهيل التقني والعلمي في تخصصات ما يعرف بالمهن العالمية أو مهن المستقبل، وتشمل التدريب على تصنيع  أجزاء العربات والطائرات والأقمار الصناعية والطاقات المتجددة والذكاء الاصطناعي. وقد ساعد التدريب التقني في  تطوير صناعة السيارات العالمية وأيضا تركيب الطائرات،حيث يوجد مئات المهندسين المغاربة المشرفين على هذه الصناعات في جل الدول الكبرى بحسب إحصاء لوزارة التعليم العالي.

أما العامل الثالث فهو الجانب التشريعي والقانوني، حيث يمنح المغرب امتيازات جبائية للشركات العاملة في مجال التصدير و"الأوفشورينغ" لا تتجاوز في الأقصى حصة 20 في المئة من الأرباح الصافية المعلنة، مع إمكان تحويل جزئي أو كلي للأرباح إلى خارج المغرب وتوسيع الاستثمار بالاعتماد على تمويلات مصرفية محلية أو أجنبية.

وأقر البرلمان المغربي قبل نهاية العام المنصرم قانونا جديدا بمثابة ميثاق الاستثمار، هو الخامس منذ الاستقلال، ويتضمن تحفيزات مهمة للمستثمرين وتبسيط الإجراءات باعتماد التكنولوجيا في التعامل مع الإدارات الحكومية، والسماح للبلديات والمحافظات بتقديم تحفيزات عينية للمستثمرين، مثل الأرض، لإقامة المشاريع. وهو برنامج ضمن خطة النموذج التنموي الجديد لمضاعفة حصة الاستثمار الخاص، وزيادة أعداد الشركات العاملة في التصدير، وتنويع الأسواق الخارجية والشراكات الدولية، وتطوير "صُنع في المغرب". 

ويحتل المغرب المرتبة الثانية في الدول الأكثر تصنيعا في أفريقيا بحسب تصنيف البنك الأفريقي للتنمية والاتحاد الأفريقي في تقرير "مؤشر التصنيع الأفريقي 2022". بحسب التقرير، يمتلك المغرب أقوى الوحدات الاقتصادية والصناعية في القارة، منذ العام 2010، وذلك بتشجيع من الحكومات التي  وضعت الصناعة ضمن أولوياتها ولا سيما صناعة السيارات، بحسب الدراسىة نفسها.

 وتمثل الصناعات المختلفة قرابة 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي  ويحتاج المغرب إلى رفعها إلى 45 في المئة خلال العقد المقبل، وهو رهان ليس مستحيلا لكنه مليء بالتحديات، ومنها الأزمات الاقتصادية وعدم اليقين الدولي والتغيرات المناخية التي ستدفع الصناعات المغربية إلى الاعتماد المبكر على الطاقات الخضراء والتخلص من الكربون الذي سيكون المعيار الأول لتقييم نجاح أي صناعة أو دخولها الأسواق العالمية في أفق 2030.

font change

مقالات ذات صلة