من يحمي أيدي الأطفال العرب الصغيرة

13,4 مليون طفل عربي في سوق العمل ... تركوا المدرسة مبكراً جداً

AFP
AFP
أطفال أفغان يعملون في منجم للفحم.

من يحمي أيدي الأطفال العرب الصغيرة

يسمونها "الطفولة المغتصبة" أو "الأيادي والأجساد الناعمة" المُستغلة في اقتصاد غير منظم، تغيب عنه رقابة الحكومات والهيئات وحتى المنظمات لضعف القوانين والتشريعات أحيانا، ولدواعٍ اجتماعية واقتصادية وسياسية وظروف محلية أحيانا أخرى، رغم إصرار الأمم المتحدة على القضاء على هذه الظاهرة، وتذكير الغرب برواية "جاين آير" (Jane Eyre) للروائية شارلوت برونتي في القرن التاسع عشر.

تقدر منظمة العمل الدولية (ILO) عدد الأطفال الذين يعملون في ظروف صعبة وخطيرة بنحو 160 مليون طفل، منهم 97 مليونا من الذكور، ونحو 63 مليون أنثى، وقد زاد عددهم في السنوات الأخيرة مع تنامي الأزمات الاقتصادية والصعوبات الاجتماعية والحروب والنزاعات الإقليمية والدولية والتغيرات المناخية. وكلها أسباب تساهم في تأزم أوضاع مأساوية تخاطب الضمير الإنساني، ويعود الحديث عنها في 12 يونيو/حزيران من كل عام.

الحقيقة أن وراء كل طفل قصة أو مأساة تستنزف طفولته التي يسرقها نظام اقتصادي جشع ينتصر للأقوياء، وتغيب فيه العدالة الاجتماعية لحماية الضعفاء، في مجتمعات ليس فيها أدنى شروط التعلم والتربية واللعب والمرح مثل أقرانهم. طفولة ولدت من شقاء وتحولت إلى آلة إنتاج قبل الأوان. إنها الأجنحة المنكسرة لطيور ليس لها ربيع.

وفقا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، تفاقمت ظاهرة تشغيل الأطفال واتسعت أكثر مع تداعيات أزمة كوفيد-19 والانغلاق الاقتصادي والانقطاع عن الدراسة وتضخم الأسعار وانهيار القدرة الشرائـية وتفشي الفقر في أكثر دول العالم المتدنية والمتوسطة الدخل. حيث ارتفع عدد الأطفال الذين يمارسون مهنا وأعمالا خطيرة إلى أكثر من 8,4 ملايين طفل منذ العام 2016. وهناك 9 ملايين طفل منقطعون عن الدراسة أو لم يلتحقوا بها قط، وهم مهددون بالانضمام إلى سوق عمالة الأطفال بفعل الضغوط الأخيرة التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي، والذي يتوقع أن يتراجع نموه في السنة الجارية إلى نحو اثنين في المئة فقط، أي خسارة ما يعادل نحو تريليون دولار. وسوف تنعكس تداعياتها الاجتماعية على الدول الفقيرة والفئات الأكثر فاقة، وغالبيتها تقع في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية.

عدد الأطفال الذين يعملون في ظروف صعبة وخطيرة 160 مليون طفل تقريبا، منهم 97 مليونا من الذكور، و63 مليون أنثى، وقد زاد عددهم في السنوات الأخيرة

منظمة العمل الدولية

الهند ثم باكستان فنيجيريا

ثلاث دول ذات كثافة سكانية مرتفعة تكاد تحتكر ظاهرة تشغيل الأطفال في العالم، هي على التوالي:الهند وباكستان ونيجيريا، رغم كل مساعي المنظمات الدولية للحد منها. وقالت "مابلكروفت" (Maplecroft): "إن الحالات المرعبة لتشغيل الأطفال في ظروف مأساوية يمكن معاينتها في بعض دول أفريقيا وجنوب وغرب آسيا، حيث يُدفع بأطفال صغار إلى القيام بأعمال خطيرة استغلالا لبؤسهم وأعمارهم الصغيرة". وفي الهند يعمل أكثر من 33 مليون طفل تتفاوت أعمارهم بين 7 إلى 14 سنة في أنشطة اقتصادية وإنتاجية وخدماتية مختلفة، من دون أي حقوق اجتماعية. ويبلغ هذا العدد 15 مليون طفل في نيجيريا، ونحو 3,3 ملايين طفل في جمهورية الكونغو الديمقراطية. وترتفع النسبة إلى 41 في المئة من مجموع الأطفال دون 14 سنة يعملون في ظروف صعبة في إثيوبيا، منهم نحو 358 ألف طفل في ليبيريا، ويعمل في الصومال 39 في المئة من الأطفال دون 15 سنة، وعددهم أكثر من مليون طفل، انقطع أغلبهم عن الدراسة في مرحلة مبكرة. 

وتتفاقم ظاهرة استغلال الأطفال في أعمال خطيرة في بنغلاديش وباكستان وميانمار، في منطقة ممتدة من جبال الهيمالايا إلى المحيط الهندي وصولا إلى أفغانستان. ويطلق عليها الأيادي الصغيرة الرخيصة، وبعض الشركات المحلية تستخدم هؤلاء الأطفال في تصنيع مواد استهلاكية وملابس تُباع حتى في الأسواق الأوروبية، ولا يبالي المستهلكون في الدول الغنية بالظروف التي تقف وراء تلك الصناعات وأين أنتجت وكيف؟ إنها الأسئلة التي يتم تجاهلها تقريبا في دول تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان.

وفي دول أخرى من العالم، يتم استخدام الأطفال في أنشطة إجرامية، مثل التهريب والإتجار في الأسلحة والمخدرات أو حتى الإرهاب، خصوصا في منطقة الساحل والصحراء الكبرى في أفريقيا، حيث يتم تجنيد أطفال صغار وتدريبهم على القتال والدفع بهم إلى نزاعات مسلحة تهدف إلى الانفصال عن الدولة الأم. وهناك أطفال يتم بيعهم إلى عصابات وجماعات في سوق النخاسة مثل الرقيق، أو استغلالهم جنسيا. وتواجه الدول الأوروبية حاليا ظاهرة هجرة الأطفال من دون مرافق الذين لا يملكون وثائق ثبوتية، وبعضهم ينخرط مبكرا في أعمال تخريبية. ولا تجد الدول الأوروبية طريقة لإعادة هؤلاء الأطفال إلى دولهم الأصلية واستصدار حكم من القضاء الأوروبي، بسبب عدم معرفة هوياتهم.

AFP
بحسب منظمة اليونيسف إن أكثر من 70 في المائة من أطفال السودان لا يذهبون إلى المدرسة.

وبحسب تقارير للأمم المتحدة، فإن الظاهرة في استفحال متزايد، مع اتساع الفقر وصعوبة تحقيق أهداف التنمية المستدامة في أفق 2030. وفي الدول الأكثر فقرا، هناك طفل واحد من بين كل أربعة أطفال في سوق العمل، وهي أرقام أقل من الواقع في الدول التي يكثر فيها الانقطاع عن الدراسة أو التي لا تتوافر فيها المدارس، خصوصا في الأرياف والمناطق النائية، والمهددة بهجرة الأطفال أو استغلالهم محليا. وبلغت نسبة الأطفال العاملين 9 في المئة من مجموع أطفال الدول ذات الدخل المتوسط والمنخفض (الذي يقل عن 4 آلاف دولار)، وتنخفض هذه النسبة إلى 7 في المئة في الدول ذات الدخل المتوسط المرتفع (الذي يعادل 12 ألف دولار).

وتشكك الأمم المتحدة في قدرة هذه الدول على القضاء على عمالة الأطفال بحلول 2025 كما هو متفق عليه، رغم تسجيل انحسار محدود في كثير منها، بفضل القوانين المحدثة، مما مكّن من تجنب تشغيل 94 مليون طفل إضافي.

في الهند يعمل أكثر من 33 مليون طفل تتفاوت أعمارهم بين 7 إلى 14 سنة في نشاطات اقتصادية وإنتاجية وخدماتية مختلفة، من دون أي حقوق اجتماعية

الربيع العربي فاقم عمالة الأطفال

في المنطقة العربية، تفيد آخر التقديرات بوجود نحو 13,4مليون طفل يعملون في نشاطات مختلفة بعد الانقطاع عن الدراسة في سن مبكرة جدا، أي يقدر عددهم بنحو ثلاثة في المئة من سكان العالم العربي، بحسب منظمة العمل الدولية (ILO)، وقد ارتفع عددهم في السنوات الأخيرة في بعض الدول لأسباب لها علاقة بالأوضاع الأمنية والاقتصادية الداخلية والإقليمية. ومن الأسباب المباشرة، "الربيع العربي" وما خلفه من أزمات ونزاعات مسلحة زادت من تدفق النازحين، وتشمل القائمة دولا مثل فلسطين وسوريا والسودان والصومال وليبيا والعراق واليمن ولبنان وتونس.

ووفقا للتقارير الأممية، فإن الظاهرة العربية مردها إلى عاملين: أولا، التطورات الأمنية في المنطقة التي دفعت بملايين اللاجئين إلى ما وراء الحدود في دول الجوار، مما حرمهم من شبكات الأمان الاجتماعية. وثانيا، الفقر والعوز المنتشر في أوساط الأسر المهاجرة أو النازحة التي تدفع بأطفالها إلى العمل. 

AFP
أطفال مغاربة يرفعون أيديهم في الهواء خلال فعاليات اليوم العالمي للطفل في مدينة مراكش في 20 نوفمبر 2019.

الجفاف يضر بالطفولة في المغرب

كشفت مندوبية التخطيط في المغرب أن اثنين في المئة من مجموع سبعة ملايين طفل في المدرسة تتراوح أعمارهم بين 7 إلى 14 سنة يعملون في نشاطات اقتصادية مختلفة، سعيا لتحسين مستوى معيشة أسرهم. ويقدر عددهم بـ 138 ألف طفل، منهم 119 ألفا من القرى والأرياف، ونحو 29 ألفا من سكان المدن، ما يجعلها ظاهرة لها علاقة أساسا بالتغيرات المناخية، حيث ينحدر معظم هؤلاء الأطفال من المناطق التي تعاني نقصا في مصادر مياه الري الزراعي. وكثيرا ما يتم استقدام صغار الفتيات للعمل كخادمات في بيوت سكان المدن، وهي ظاهرة مغربية قديمة جدا، تعكس الفوارق الاجتماعية والثقافية.

وتفيد الإحصاءات بأن 81 في المئة من الذكور يعملون في الزراعة ويقطنون في الوسط القروي. فيما يعمل 12 في المئة من هؤلاء الأطفال أثناء تعلمهم، ومعظمهم من سكان المدن، بينما ترك 86 في المئة من الأطفال العاملين المدرسة في مرحلة مبكرة، ولم يسبق لـ 2,2 في المئة أن تلقوا أي تعليم من قبل. ويعتبر الانقطاع الدراسي أحد أكبر المشاكل الاجتماعية المرتبطة بالطفولة واليافعين في المغرب، حيث لا يمكنهم تحصيل علمٍ كافٍ أو تأهيلٍ مهنيٍ يسهّل عليهم ولوج سوق العمل المنظم. ما يجعلهم عرضة للاستغلال الاقتصادي أو حتى الجسدي. كما ترك نحو ثلاثة ملايين طفل المدرسة في سن مبكرة خلال السنوات العشر الأخيرة، ويطلق عليهم اسم "نيتس" (NEETS) التي تعني: لا دراسة، ولا تأهيل، ولا عمل.

بعض الشركات المحلية تستخدم الأطفال في تصنيع مواد استهلاكية وملابس تُباع في الأسواق الأوروبية، ولا يبالي المستهلكون في الدول الغنية بالظروف التي تقف وراء تلك الصناعات وأين أنتجت وكيف؟ إنها الأسئلة التي يتم تجاهلها تقريبا في دول تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان

 طفولة بائسة

لا يُعرف بالتحديد حجم مساهمة عمالة أطفال العالم في الاقتصاد العالمي، وهي بالتأكيد تقدر بعشرات مليارات الدولارات. لكن تلك الطفولة، على الرغم من تشتتها الجغرافي، يجمعها الفقر والاستغلال وضعف التحصيل وظروف الدولة والمجتمع، وتراخي الشركات والعلامات التجارية مع مستغلي الأيادي الناعمة، تلك التي تشغل الأطفال وراء الجدران أو داخل أقبية قذرة تحاكي قصة "كوزيت" في  رواية "البؤساء" لفيكتور هوغو.

font change

مقالات ذات صلة