نقص المياه أكبر مآسي المغرب العربي

زحف التصحر يهدد الأمن الغذائي وشمال أفريقيا من أكثر المتضررين

Ewan White
Ewan White

نقص المياه أكبر مآسي المغرب العربي

صيف طويل جاف وحار مصحوب بحرائق الغابات والفيضانات، وشتاء دافئ قصير ضعيف التساقطات، وربيع عابر سريع المرور قليل النفحات. لم تعد فصول السنة الأربعة كما كانت في كتب الطبيعة وسيمفونية فيفالدي، بعدما قارب الاحترار العالمي سقف 1,5 درجة مئوية في أقل من قرن ونصف القرن. ومن المرجح أن يشهد نهاية القرن استمرار الارتفاع في درجات الحرارة فوق مستوى ما قبل العصر الصناعي، وارتفاع منسوب المحيطات نحو 30 سنتيمترا على الأقل عام 2065، وأن يتضاعف بحلول عام 2100 مقارنة مع الفترة ما بين 1986 و2005 بسبب سرعة ذوبان الجليد، مما يهدد بقاء الأحياء المائية ودورة الغذاء الطبيعية. ستستمر للأسف، معظم مظاهر التغير المناخي قرونا عدة حتى لو توقفت انبعاثات الغازات الدفيئة. ويعتقد أكثر علماء البيئة تفاؤلا ان الأضرار التي لحقت بالطبيعة، أدت إلى تغيرات لا رجعة فيها في النظم البيئية الرئيسة، وأن الاجيال القادمة ستتحمل دورة المناخ فوق كوكب الارض.

تعاني دول شمال أفريقيا، خصوصا المغرب والجزائر وتونس، من تراجع حاد في مصادر المياه المتأتية من أمطار الشتاء والربيع التي تراجعت نحو 80 في المئة عن معدلاتها مقارنة بالعقود الثلاثة المنصرمة. وتستنزف الزراعة نحو 85 في المئة من مجموع مصادر المياه العذبة

شمال أفريقيا أكثر المتضررين

تقع المنطقة العربية داخل خطوط الطول والعرض الأكثر تأثرا بالتغيرات المناخية،مثل ارتفاع درجات الحرارة، وزيادة منسوب مياه البحار والمحيطات، وتراجع الموارد المائية العذبة الموجهة للزراعة، وزحف التصحر واختفاء الغابات، مما يهدد الأمن الغذائي لنحو نصف مليار شخص. وشهدت بعض مناطق الشرق الأوسط وغرب المتوسط وشمال أفريقيا ودول أخرى في  المنطقة موجات من الكوارث الطبيعية المفاجئة والمدمرة، وفيضانات وزلازل خلّفت خسائر بشرية ومادية هائلة، آخرها كان في شمال سوريا وجنوب تركيا، في وقت واجهت مناطق أخرى في المنطقة العربية أعاصير وسيولا وحرائق غابات.

AFP
شابة تشارك في حملة غرس للأشجار نظمها كشافة في كافة مناطق الجزائر عام 2020.

تعاني دول شمال أفريقيا، خصوصا المغرب والجزائر وتونس، من تراجع حاد في مصادر المياه المتأتية من أمطار الشتاء والربيع التي تراجعت نحو 80 في المئة عن معدلاتها مقارنة بالعقود الثلاثة المنصرمة. وتستنزف الزراعة نحو 85 في المئة من مجموع مصادر المياه العذبة،تليها الصناعة والخدمات بـ9 في المئة، والاستخدام المنزلي بـ5,7 في المئة. وتراجع نصيب الفرد من المياه بشكل كارثي خلال العقود والسنوات الأخيرة التي شهدت موجات حر وجفاف تتردد باستمرار، من معدل جفاف كل عشر سنين إلى جفاف كل خمس سنوات ثم كل ثلاث سنوات.

وكان نصيب الفرد من المياه العذبة يتجاوز 2560 مترا مكعبا في المغرب عام 1962، و964 مترا مكعبا في تونس، و962 مترا مكعبا في الجزائر، و456 مترا مكعبا في ليبيا. في عام 2014، تراجعت حصة الفرد من المياه الى 645 مترا مكعبا في المغرب و381 مترا مكعبا في تونس و289 مترا مكعبا في الجزائر و112 مترا مكعبا في ليبيا. وتقدر حاجة المنطقة المغاربية الى 25 مليار متر مكعب إضافية سنويا لمواجهة الأزمة في السنوات القليلة المقبلة.

وقالت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO) في روما، إن 4 مليارات شخص مهددون بالجهد المائي (Water Stress)، وإن ربع سكان الكرة الأرضية يواجهون وضعا صعبا في الحصول على مياه نظيفة، وسيزداد الطلب على الماء بواقع 30 في المئة بسبب المنافسة بين الزراعة والحواضر على الموارد المائية التي تزداد ندرة، مما قد يدفع في اتجاه نشوب حروب بين الدول. وتمثل الصحراء الكبرى والمناطق الواقعة جنوب شمال أفريقيا أحد أخطر مظاهر النقص في الموارد المائية والجفاف والتصحر وارتفاع درجات الحرارة، وتعتبر موريتانيا جنوبا وليبيا شرقا من أكثر دول اتحاد المغرب العربي ضعفا في الموارد المائية والإنتاج الزراعي، وهي تعتمد على استيراد الغذاء من دول الجوار، خصوصا من المغرب وتونس.

ولا يقع مستوى الأمطار ضمن الاهتمامات الرئيسية في طرابلس (ليبيا) لاعتماد اقتصادها على صادرات الطاقة وعدم وجود أراض كافية للزراعة، على الرغم من كون البلاد ذات مساحة شاسعة وشبه صحراوية. ويبدو الوضع في الجزائر معقدا لأن البلد، على الرغم من اعتماده على صادرات النفط والغاز، يستورد معظم حاجاته الغذائية والزراعية من الخارج، مما ينهك ميزان المدفوعات الخارجية، ويقلص الافادة من عائدات الطاقة. وتعيش تونس وضعا صعبا مناخيا وسياسيا واقتصاديا وزراعيا بعد تراجع إنتاج الزيوت، التي كانت تحتل فيها المرتبة الأولى في شمال أفريقيا، وسمِّيت على إثرها تونس الخضراء.

تحديات المياه في المغرب

تظهر تأثيرات التغيرات المناخية في المغرب في ضعف التساقطات المطرية، حيث تراجع مستواها نحو الثلث، أو 34 في المئة، خلال السنوات القليلة الماضية، مخلِّفة أضرارا في الانتاج الزراعي. وبلغت تكلفة الواردات الغذائية أكثر من 8 مليارات دولار في عام 2022، ربعها واردات القمح الذي ارتفع سعره بسبب الحرب الروسية الاوكرانية. وعلى الرغم من أن المغرب ينتج معظم حاجاته الغذائية، حيث يُقدّر إنتاج القمح من 50 الى 70 في المئة من هذه الحاجات، إلا ان ضعف التساقطات أدى إلى ارتفاع تكلفة الانتاج، مما انعكس سلبا على القدرة الشرائية لفئات واسعة من المواطنين، ودفع بصغار المزارعين الى التخلي عن أراضيهم وقراهم لكبار المستثمرين والهجرة نحو المدن. وتعود نحو 10 في المئة من الأسباب المباشرة للهجرة والنزوح إلى الجفاف.

AFP
سد عبد المؤمن، على بعد حوالي 60 كيلومترًا من مدينة أكادير الساحلية المغربية، في 23 أكتوبر 2020.

وفقا للبنك الدولي، تفاعل المغرب بقوة مع هذه التحديات لمواجهة التغيرات المناخية، عبر العمل على الحد من ارتفاع درجات الحرارة من خلال عدد من التدابير والسياسات العامة تنفيذاً لاتفاقات باريس ومراكش حول المناخ والبيئة. والتزم المغرب خفض انبعاث الغازات الدفيئة بحلول سنة 2030، والتحول التدريجي نحو الاقتصاد الأخضر الخالي من الكربون، وهي عملية مكلفة اقتصاديا. ويعتزم الاتحاد الأوروبي فرض رسوم إضافية على الواردات الصناعية المنتجة من مصادر طاقة غير نظيفة في مسعى للضغط على الشركاء التجاريين لالتزام اتفاقات المناخ التي أقرت في دورات مؤتمر الأطراف للأمم المتحدة المعني بتغير المناخ،الذي سيعقد دورته الثامنة والعشرين (COP 28) في الإمارات العربية المتحدة نهاية السنة الجارية. ويجد المغرب نفسه مضطرا للإسراع في معالجة تحديات التغيرات المناخية ونقص الموارد المائية من جهة، وشروط التجارة العالمية الجديدة وارتباطها بالبيئة من جهة ثانية.

وأعلن اجتماع رأسه الملك محمد السادس في قصر الرباط، خطة استثمارية مستعجلة بقيمة نحو 15 مليار دولار للتغلب على النقص المسجل في موارد المياه العذبة، تشمل بناء 12 محطة لتحلية مياه البحر، و16 محطة لنقل المياه من شمال البلاد إلى وسطها عبر أنابيب بين الأحواض المائية، من سبو إلى أم الربيع وأبي رقراق. وتشمل الخطة الممتدة إلى عام 2027، بناء 18 سدا كبيرا و158 محطة لمعالجة المياه العادمة لاستعمالها في ري الحدائق العامة عوضا من المياه العذبة.

ضعف التساقطات أدى إلى ارتفاع تكلفة الانتاج، مما انعكس سلبا على القدرة الشرائية لفئات واسعة من المواطنين، ودفع بصغار المزارعين الى التخلي عن أراضيهم وقراهم لكبار المستثمرين والهجرة نحو المدن. وتعود نحو 10 في المئة من الأسباب المباشرة للهجرة والنزوح إلى الجفاف


التغيرات المناخية تعاكس الاقتصاد

على الرغم من وجود المنطقة المغاربية على مداخل طُرق الملاحة التجارية العالمية، بين الشمال والجنوب، أوروبا وأفريقيا، وبين الشرق الأوسط والغرب الأطلسي، إلا أن هذا الموقع الجغرافي المهم يخفي صعوبات مناخية وتحديات بيئية جد مكلفة للاقتصاد المغاربي، خصوصا المملكة المغربية، التي تعتمد على ثلاثة قطاعات مستنزفة للموارد المائية، هي الزراعة والصناعة التحويلية والسياحة. وإذا اضفنا إليها التوسع العمراني وتجمع نحو 70 في المئة من السكان على الشريط الأطلسي بين طنجة وأغادير، فإن تحديات المياه تكون أكبر معضلة تعاكس الطموحات الاقتصادية. وبحسب ثلاثة خبراء من البنك الدولي، يعيش المغاربة في الخطوط الأمامية لخطر تغير المناخ، بحيث يواجه عدد من مناطق الخط الساحلي الشمالي للمملكة تآكلا شديدا بمعدل متر واحد سنويا. 

كذلك، تتعرض المدن المغربية، التي تساهم بأكثر من 75 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بشكل متزايد للأخطار الطبيعية والمناخية، تشمل ظواهر مناخية حادة، مثل الفيضانات وارتفاع درجات الحرارة، والجفاف، وظواهر أخرى بطيئة الحدوث، مثل ارتفاع مستوى سطح البحر، التي من المتوقع أن تزداد سوءا في العقود المقبلة. كما تشتمل على أخطار جيولوجية، مثل الزلازل التي كانت ضربت مناطق جبال الريف عام 2004.

تشير التقديرات إلى أن آثار الأخطار الطبيعية والمناخية معا تكلف المغرب أكثر من 575 مليون دولار سنوياً، فيما تشكل فاتورة نقص المياه والجفاف نحو 2 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي،بحسب مندوبية التخطيط. وخصص المغرب العام المنصرم مليار دولار لمساعدة المزارعين الذين تضررت محاصيلهم جراء الجفاف، وهناك اتجاه لتكرار الدعم هذا العام. ويشكل هذا النقص تهديدا كبيرا للدخل الفردي ويحد من القدرة على تقليص معدلات الفقر وتحسين الدخل في الأرياف والمناطق الزراعية المعتمدة على سخاء السماء.

font change

مقالات ذات صلة