الحبوب... أداة للحرب بين روسيا وأوكرانيا

عدم تجديد اتفاق تصدير الحبوب من أوكرانيا عبر البحر الأسود سيؤدي إلى تدهور الأمن الغذائي في الدول الأفقر

الحبوب... أداة للحرب بين روسيا وأوكرانيا

تستمر الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وهما من أكبر الدول المنتجة للحبوب في العالم، في التأثير بشكل كبير على الأمن الغذائي العالمي؛ إذ أصبح الأمن الغذائي وصفقات الحبوب أداتين من أدوات الحرب. فارتفعت أسعار الحبوب على مستوى العالم، وكانت البلدان الفقيرة هي الأكثر تضررا.

ونتيجة لوساطة الأمم المتحدة وتركيا، وُقّعت اتفاقيتان في إسطنبول يوم 22 يوليو/تموز 2021: الأولى حول تصدير الحبوب الأوكرانية، والأخرى حول رفع العقوبات عن الحبوب والأسمدة الروسية. ومكنت هاتان الاتفاقيتان، حتى الآن، من تسليم حوالي 33 مليون طن من الحبوب إلى الأسواق العالمية.

ولكن، في 17 يوليو/تموز من هذا العام، أعلنت روسيا إيقاف مشاركتها في صفقة الحبوب. وتشكو روسيا من عدم تنفيذ الصفقة بحسن نية ولمصلحة الأطراف المشاركة، وتشكو أيضا من أن أسعار التأمين والشحن تؤدي إلى تكاليف باهظة للغاية، الأمر الذي يجعل تحقيق أي ميزة أمرا مستحيلا.

ووضعت روسيا قائمة مطالب لاتفاق جديد، تتضمن إجراءات لتسهيل تصدير الحبوب والأسمدة الروسية، وإعفاءات من العقوبات لقطع غيار الآلات الزراعية. والأهم من ذلك، أن روسيا طالبت بإدراج مصرفها الزراعي في نظام سويفت، وهو نظام مالي عالمي يستخدم للمدفوعات الدولية.

ومن جهة ثانية، تقصف روسيا موانئ أوكرانية تُستخدم لتخزين وتحميل وشحن الحبوب. وصرح منسق العقوبات الأميركية السفير جيمس أوبراين بأن روسيا، وبعد انسحابها من اتفاق الحبوب، لا تعطّل الموانئ لمنع السفن الأوكرانية من المغادرة فحسب، بل إنها تُدمر أيضا الحبوب الضرورية عن طريق قصف المستودعات في الموانئ. وادعى أوبراين أنه نتيجة لحملة القصف الروسية، فإن روسيا قد دمرت 220 ألف طن من الحبوب حتى 3 أغسطس/آب الحالي.

وتستخدم روسيا وجميع الأطراف الأخرى في خطاباتها حول صفقة الحبوب فكرة "مصلحة الدول الفقيرة"؛ إذ تؤكد روسيا أن الحبوب لا تُسلم إلى الدول الأكثر فقرا كما هو مفترض.

يشارك مسؤولون من كل من روسيا وتركيا، بالإضافة إلى مسؤولين من الأمم المتحدة ومن أطراف أخرى ذات صلة، في حركة دبلوماسية نشطة لإعادة شحن الحبوب. إلا أن الاتفاقية التي يمكن الوصول إليها ستكون على الأغلب اتفاقية جديدة بدلا من تفعيل الصفقة السابقة

ولكن، لا يمكننا قبول المزاعم الروسية كما هي، إذ وفقا للأمم المتحدة، فإن 46 في المئة من الحبوب التي صُدّرت بموجب الصفقة ذهبت إلى آسيا، و40 في المئة ذهبت إلى غرب أوروبا، و12 في المئة ذهبت إلى أفريقيا، و1 في المئة ذهب إلى شرق أوروبا. وأكدت الأمم المتحدة أن صفقة الحبوب ساعدت الدول الأكثر فقرا عن طريق خفض أسعار الغذاء بنسبة 20 في المئة على الأقل عالميا.

وقد تأثرت أفريقيا بشدة بالحرب. فوفقا لبنك التنمية الأفريقي، استوردت 15 دولة أفريقية أكثر من 50 في المئة من منتجات القمح الخاصة بها من روسيا أو أوكرانيا.

ومنحت القمة الروسية الأفريقية التي عقدت في سان بطرسبرغ الفرصة لروسيا للترويج والدعاية. ووعد الرئيس بوتين بالبدء في شحن 25- 50.000 ألف طن من الحبوب في الأشهر القليلة المقبلة مجانا إلى 6 دول أفريقية، وهي بوركينا فاسو وجمهورية أفريقيا الوسطى وإريتريا ومالي والصومال وزيمبابوي.

Reuters
محطة الحبوب في ميناء أوديسا، أوكرانيا، 10 أبريل 2023

ودفع تأثير الحرب الدول الأفريقية إلى تشكيل وفد يضم زعماء جنوب أفريقيا والسنغال وزامبيا وجزر القمر ومصر وأوغندا وجمهورية الكونغو لمحاولة التفاوض على السلام بين روسيا وأوكرانيا. إلا أن اجتماعاتهم مع بوتين وزيلينسكي لم تسفر عن نتائج إيجابية.

ويحاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إعادة اتفاق الحبوب إلى المسار الصحيح؛ إذ أعرب مؤخرا عن استعداده للقاء بوتين وجها لوجه في أغسطس/آب. ولمواءمة مواقف تركيا وروسيا فيما يتعلق بممر الحبوب، أكد الرئيس أردوغان أن الحبوب المستوردة من روسيا عبر ممر البحر الأسود ستُحول إلى دقيق داخل تركيا، وسيوزع فيما بعد على البلدان الأفريقية الفقيرة.

منحت القمة الروسية الأفريقية التي عقدت في سان بطرسبرغ الفرصة لروسيا للترويج والدعاية. ووعد الرئيس بوتين بالبدء في شحن 25- 50.000 ألف طن من الحبوب في الأشهر القليلة المقبلة مجانا إلى 6 دول أفريقية، وهي بوركينا فاسو وجمهورية أفريقيا الوسطى وإريتريا ومالي والصومال وزيمبابوي

وتُمثل صفقة الحبوب قضية هيبة بالنسبة لأردوغان، الذي نجح في إدارتها إلى حد ما، ويعود ذلك إلى ما يسمى علاقاته الخاصة مع بوتين. ولكن يُقال إن بعض البرودة طرأت في الآونة الأخيرة على العلاقة بين الزعيمين. ومن المتوقع أن يلتقيا ولكن لا يوجد تأكيد حول مكان وزمان اللقاء، وتتضارب التصريحات من كلا الجانبين بشأن اللقاء.

ويشارك مسؤولون من كل من روسيا وتركيا، بالإضافة إلى مسؤولين من الأمم المتحدة ومن أطراف أخرى ذات صلة، في حركة دبلوماسية نشطة لإعادة شحن الحبوب. إلا أن الاتفاقية التي يمكن الوصول إليها ستكون على الأغلب اتفاقية جديدة بدلا من تفعيل الصفقة السابقة.

وإذا التقى أردوغان وبوتين، فإن صفقة الحبوب لن تكون القضية الوحيدة على جدول الأعمال أثناء لقائهما؛ إذ سيحتوي جدول الأعمال على قضايا أخرى كسوريا، وتوسيع حلف الناتو، والعلاقات الاقتصادية الثنائية، وغيرها من القضايا المشتركة. وكل هذه القضايا أصبحت مترابطة إلى حد ما، الأمر الذي يُصعّب الأمور ولا يُسهّلها.ز

وروّجت أوكرانيا لفكرة شحن حبوبها من دون صفقة مع روسيا، واقترحت شحن حبوبها تحت حماية حلف الناتو، الأمر الذي سيمنع روسيا من اعتراضها.

Reuters
عمال الإنقاذ في موقع مبنى دمر خلال هجوم صاروخي روسي في منطقة دونيتسك، 8 أغسطس، 2023

وتعتبر هذه الطريقة متهورة برأي الكثيرين، ولكن مع ذلك ثمة مؤيدون لها. فعلى سبيل المثال، اقترح الأدميرال المتقاعد جيمس ستافريديس، القائد الأعلى السابق لحلف الناتو، أن السفن الحربية الأميركية يمكنها حماية السفن التي تحمل الحبوب عبر البحر الأسود.

لكن الحرب بوضعها الحالي مدمرة بما يكفي؛ إذ شنت أوكرانيا هجوما مضادا استخدمت فيه مجندين جددا واستخدمت جميع أنواع الأسلحة والمعدات الغربية. واستهدفت الطائرات الأوكرانية من دون طيار المباني في موسكو التي تبعد نحو ألف كيلومتر عن الحدود الأوكرانية. أما روسيا فقصفت أهدافا مدنية ومستودعات للحبوب، وزرعت أعدادا كبيرة من الألغام الأرضية في كل مكان.

ممرات التضامن الأوروبية 

إلا أن البحر الأسود ليس الطريق الوحيد للشحنات، فهناك بديل بري يمكن من خلاله نقل الحبوب إلى البلدان المجاورة وإلى الأسواق الدولية عن طريق الطرق البرية والنهرية والسكك الحديدية. وهذا ما يطلق عليه اسم ممرات التضامن الخاصة بالاتحاد الأوروبي، والتي أُنشئت بعد الغزو الروسي، لإتاحة إمكانية إرسال الحبوب من أوكرانيا ومولدوفا إلى موانئ الاتحاد الأوروبي وما بعدها إلى الأسواق الخارجية.

تكمن المشكلة في حقيقة أن المسارات الموجودة لا تمتلك القدرة على نقل الحبوب بالقدر نفسه الذي يمكن نقله عبر البحر الأسود، وحقيقة أن توسيع الشبكة، وبناء القدرة المطلوبة سيتطلب جهدا كبيرا وسنوات عديدة. وبالتالي لا يزال طريق البحر الأسود وإحياء صفقة الحبوب الأكثر جدوى، على الرغم من فائدة المسارات البديلة.

وقد قال الرئيس بوتين قبل بضعة أيام، وبعد القمة الأفريقية التي عُقدت في سان بطرسبرغ، إنه لا يرفض فكرة محادثات السلام. ولكنه قال إنه لا يمكن أن يكون هناك وقف لإطلاق النار بينما يكون الجيش الأوكراني في وضعية الهجوم. كما أن أوكرانيا تقول إنها لا تعارض فكرة محادثات السلام أيضا، ولكن بشرط إعادة أراضيها التي غزتها روسيا.

ويتمثل النهج الروسي في قبول أوكرانيا للهيكل الإقليمي الجديد؛ إذ لا يوجد لدى روسيا نية للخروج من الأراضي الأوكرانية الواقعة تحت سيطرتها، باستثناء ربما بعض الأراضي التي يمكن التخلي عنها في المفاوضات. ويعطي خط الدفاع الذي بنته روسيا على طول الجزء الشرقي من أوكرانيا الذي غزته، يعطي رسالة واضحة حول خططها للمستقبل.

إن محاولة إيجاد حل وسط معقول وإنهاء الحرب في ظل هذه الظروف يمثل تحديا، ويا له من تحدٍ.

font change

مقالات ذات صلة