محمد قمبر: اللوحة انعكاس لثقافة الإنسان

يعود بمعرض جديد في الكويت

محمد قمبر

محمد قمبر: اللوحة انعكاس لثقافة الإنسان

لاحق الفنان الكويتي محمد قمبر شغفه الفني منذ بداية سبعينات القرن الماضي وسافر بهدف تطوير تجربته إلى دول أوروبية منها إيطاليا التي جعلته يتأمّل بالنحت ويتفاعل مع المادة التي أوجدت المنحوتات بشكلها النهائي، وعندما قرّر أن يدرس الفن في أكاديمية روما للفنون علم أن شهادة الدبلوم التي تمنحها لا تحصل على معادلة في الكويت، وهذا ما قاده إلى دراسة التربية الفنية في القاهرة، ولم يكتفِ بذلك بل تابع دراسته في الولايات المتحدة الأميركية، وحصل على درجة الماجستير في الفنون الجميلة عام 1982.

قمبر الذي يعد واحدا من أبرز الفنانين التشكيليين في الكويت أقام العديد من المعارض الشخصية وشارك في معارض مشتركة في الكويت وخارجها.

وفي كل مراحل تجربته بقي قمبر يستند إلى مبدأ أن "الفنان هو المسؤول عن الثقافة الجمالية والفكرية والتشكيلية، ويقع على عاتقه تقديم الأفضل من نواحٍ عدّة مثل الموضوع والألوان والعناصر التي تخدم الموضوع، ومدى تأثيره على المشاهد بطريقة غير مباشرة ليعلمه الاتزان بين الكتل والألوان".

محمد قمبر الذي صمّم ونفذ مجسّم "جدار السلام" في مدينة تورملينوس الإسبانية، يتحدث عن الهاجس الذي يقف وراء إنتاجه العديد من الأعمال: "بالنسبة إليَّ الفن هو أسلوب حياة، بواسطته أبرز الشحنات الانفعالية والعاطفية والمشاعر الجيّاشة، فمن خلال المشاهدات والكثير من المواضيع المؤثرة، أبدأ بنسج الموضوع وأشعر حينها بأنني أشارك في المجتمع بفني ولوحاتي والمواضيع التي أطرحها".

المواضيع التي يطرحها قمبر اعتاد أن يراها واضحة أمامه، وليس عليه إلا أن يجسدها في لوحاته التي تأتي مشبّعة بالحركة والأفكار من خلال عناصر عدّة مثل الوجوه والعيون وحمامة السلام وغير ذلك من رموز تدفع المتلقّي إلى التفاعل مع أعماله كحالة فكرية وجمالية كونه يستخدم مجموعته اللونية الخاصة به بحرفية عالية ليدعم بالتالي فكرة العمل وتفاصيله. يقول: "في أي وقت قد تأتي الفكرة من تلقاء نفسها وأشاهدها في مخيلتي، وفي مثل هذه الحالة أبدأ بالتفكير في اللوحة من حيث الألوان والمساحات والخطوط والعناصر لأجد نفسي أمام عمل جاهز من جميع النواحي وأثناء العمل قد تطرأ بعض التغييرات على اللوحة، إذا تأتي الفكرة في البداية كخيال أو كحلم ومن ثم تتطوّر إلى الأفضل لتعكس أعمالي الحياة اليومية من منطلق قناعتي أن اللوحة انعكاس لثقافتي وثقافة الإنسان عموما من خلال ممارساته اليومية أو من خلال التراث والتاريخ".

عندما يعيش الفنان حالة مؤثرة تخرج كل المكنونات الداخلية في العقل الباطن وينعكس هذا على طبيعة العناصر والألوان التي تظهر الأسلوب المتفرد وبالتالي تجذب المشاهد

متى ترسم؟

"ليس من وقت محدّد للرسم، فقد تأتيني الفكرة في أيّ وقت، فأدخل المرسم وأسجل هذه الفكرة، وأواصل العمل حتى أنجزها، وفي لحظة ما أترك المرسم لأعود في وقت آخر أكمل فيه العمل وقد أضيف حينها تفاصيل أخرى وخلال ذلك أقوم بتسجيل ملاحظاتي على قصاصات الورق وألصقها بجانب اللوحة وأراجع نفسي بعدها". ويتابع: "كما أنني أمارس النحت بين وقت وآخر. وأعتبره تكملة للرسم، إذ أن الموتيفات المستخدمة في الرسم أستخدمها أيضا في النحت وأجد بينهما انسجاما كبيرا".    

من أعمال الفنان محمد قمبر

يستند الفنان عند إنجاز أعماله إلى "مجموعة من التراكمات"، يقول: "تعود بعض هذه التراكمات إلى الطفولة وبعدها إلى مراحل الحياة التي قد يكتسب فيها الفنان تجارب مختلفة، بعد تعرّضه إلى الكثير من الحالات السعيدة والحزينة، وعند البدء بأي عمل فني، نجد العمل يترك بصمات وعناصر وألوانا وأسلوبا، وإذا كان الفنان يرسم بحبّ وصدق فنجد أعماله مميّزة تعبر عن ذاته". ويشدّد: "عندما يكون الفنان تحت حالة مؤثّرة ستخرج كل المكنونات الداخلية في العقل الباطن من دون أن يقرّر ذلك، وستنعكس هذه المكنونات على طبيعة العناصر والألوان، التي ستظهر الأسلوب المتفرّد وبالتالي تجذب المشاهد".

 

التدرّج الفني

خلال هذه الرحلة الفنية هناك الكثير من الالتزامات التي قد تثقل الفنان. يوضح محمد قمبر: "أن جهودنا قد تكون موزّعة على اهتمامات لا حصر لها وقضايا كثيرة مما يجعلنا لا نستثمر وقتنا في إنجاز أعمالنا الفنية"، وهنا على الفنان أن يحمي نفسه من هذه المشتّتات.

لكنّ قمبر استطاع وسط كل الالتزامات الأخرى أن يخلق تجربته الفنية المتفردة التي تشهد إحساسه العالي بالوحدة بين الشكل والسطح والكتل والمساحات، فتصبح سهلة الإدراك في مواضيع تعبّر عن الفرح والجمال والحركة. هذه الأعمال بكل ما تحمله من تنوع، تصبح متاحة للجمهور من خلال معارض شخصية يقيمها قمبر وفق تقليد معين: "أقيم معارضي الشخصية داخل الكويت أولا ومن ثم أقيمها خارج الكويت وتضم اللوحات والأعمال الفنية ذاتها، أي أحرص على أن يكون العرض الأول في الكويت وبعد ذلك أعرض في الخارج".

إلى جانب إنتاجه الفنّي أصدر قمبر كتبا تتناول حياته وفنه ولوحاته وهي "الحلم الذي لا ينتهي"، "نقوش على الجدران"، و"للوجوه شكل آخر" لمجموعة من الفنانين الذين يرسمون البورتريه بشكل مختلف عن البورتريه التقليدي. وفي كل تجربته الفنية على اختلافها، حرص قمبر على مسؤوليته عن الثقافة الجمالية والتشكيلية والفكرية. يقول: "على الفنان أن يقدم عملا فنيا يكون فيه من الجمال اللوني واختيار المواضيع التي تخدم المجتمع، بدءا بتلك التي توضح للمجتمع بعض الأمور التي تكون غامضة بالنسبة إلى بعض الناس بأسلوب غير مباشر، مع الحرص على الاهتمام باللون والشكل، لأجل أن يستطيع إثراء خيال المشاهد وفكره". إذاً، كل شيء محسوب عند قمبر ولهذا على الفنان أن يسير وفق قواعد معينة يبدأها كما يقول: "بالتدريج من الدراسة الأكاديمية والأساسيات والثقافة وتاريخ الفن ومشاهدة أعمال الفنانين الآخرين وزيارة المعارض الفنية، وبعد ذلك يكون قادرا على تكوين عمل فني بإتقان وإمكانات ومهارات جيدة، ثم يعمل على إيجاد أسلوبه الخاص فيه لتعريف نفسه في المعارض المهمة". ويضيف: "نجد في أعمال الفنان الذي يتدرّج بتجربته التقنية والمهارة والتكوين والقيم الفنية، وهي أسس لعمل فني ناجح".

من أعمال الفنان محمد قمبر

التدرّج هو ما حرص عليه قمبر منذ البدايات فاستطاع أن يمتلك أدواته الفنية ويستخدمها بخفّة ساحر لتقوده كلّ مرحلة إلى مرحلة أخرى تحمل الجديد دائما وهو ما يكشف عنه: "سأقيم خلال الفترة المقبلة معرضا داخل الكويت لمجموعتي الجديدة 'عيون في السماء' وسأعرض فيه 25 لوحة أنتجتها في ثلاث سنوات". جاءت فكرتها كما يوضح من "الفتاة الأفغانية 'شربت كل' (أي "شراب الورد") التي صوّرها المصور الفوتوغرافي الأميركي ريتشارد كريري عندما كان يغطّي قصة اللاجئين الأفغان فلفتته عينا الفتاة الجميلة والمميّزة، وبعد انتشار الصورة في كل أنحاء العالم، وبالنسبة إليّ كانت قصة الصورة المفتاح الفكري الفني للدخول إلى رحلة العيون والوجوه كوني وجدت أنها تترجم الظروف التي نمر بها".

font change

مقالات ذات صلة