عبد الله ثابت: التحوّلات في السعودية فوق ما كان يخطر بالبال

روائي وشاعر شغوف بالتجريب

عبد الله ثابت: التحوّلات في السعودية فوق ما كان يخطر بالبال

"كل شيء ممكن بالكتابة"، عبارة قالها يوما الروائي والشاعر السعودي عبد الله ثابت، وفي رحلته لاستحضار ذلك الممكن، استطاع أن يمتلك أدواته الخاصة من كلمات وأفكار ومخيلة استخدمها لرسم عوالمه شعرا ونثرا، مجسّدا شغفه بالتجريب، سواء في مجموعاته الشعرية مثل "الهتك" و"يردن المشرب مرتين" و"جلبة لتحريك الوقت" أو في روايتيه "الإرهابي 20" و"وجه النائم". على الرغم من مرور نحو عشرين عاما على إصداره روايته الأولى، إلا أن صداها لا يزال يتردّد، ولا يزال القراء يتفاعلون مع أجوائها وتفاصيلها بقدر تفاعلهم مع روايته الثانية، ومع تجربته الشعرية. هنا حوار مع عبدالله ثابت حول هذه التجربة المختلفة.

  • ما الذي دفعك إلى كتابة روايتك الأولى "الإرهابي 20"؟

كانت الرواية في البداية أكواما من الكتابات الشخصية، ثم بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول الشهيرة، فكرت أن لديَّ ما أقوله، فرحت أعالجها، وأبني وأهدم، مرات عدة، فجمعت تجارب من هنا وهناك، مع تجربتي، في سن المراهقة، وبداية الشباب والاندفاع، وخلقت منها هذه التركيبة، التي ظن كثيرون أن كلّ ما فيها يخصّني، وهذا لم يكن صحيحا. فالكثير من أحداث الرواية كان مشتركا، أو يخصّ آخرين، ولذلك اخترت تلك الشخصية، زاهي الجبالي، التي تشبهني في التحولات الكبيرة، ولا تشبهني في عديد من القصص والتفاصيل، لقد دمجت كثيرين أعرف حكاياتهم، في تلك المرحلة، ولهذا ما زلت أجيب، على الدوام، أنها قصة ثلاثة أو أربعة أجيال، مروا بلوثة التطرف، وهذا على الأقل ما كان يصلني، ولا يزال، من القراء.

  • حققت الرواية انتشارا واسعا وصدرت في سبع طبعات، في رأيك ما سبب انتشارها، أو ما الذي لامسته عند الناس في موضوعها الراهن؟

اجتراحها للحظة الزمنية، والظرف التاريخي، في ذروة سخونته، ذلك الوقت، فقد كانت الأولى، التي تكاشف بصراحة وجرأة، ذلك الواقع، في مكان كان مغلقا بالكامل، كالسعودية، وبيئة اجتماعية منعزلة ومتوجّسة، فالرواية اقتحمت قلعة من قلاع التطرف الحركي، مثل التعليم. وهناك سبب آخر، وهو أنه كالعادة الجميلة، طار بها خصومها بالتنكيل، قبل معجبيها بالثناء، فحدث أن لقيت رواجا كبيرا. وقد وجد كثيرون، باختلاف مواقعهم، فيها هذا الإقدام، ليجعلوها دليلا وشاهدا، على ما كانوا يحذّرون منه، أو ما كانوا يواجهونه، وعلى طرفي نقيض.

دمجت في "الإرهابي 20" قصص كثيرين أعرف حكاياتهم، في تلك المرحلة، ولهذا ما زلت أجيب، على الدوام، أنها قصة ثلاثة أو أربعة أجيال، مروا بلوثة التطرف


مثلا، وعلى مستوى الاستقبال الرسمي، هناك وكيل وزارة اعتبرها مسيئة، على طريقة الطعن في الظهر، ونشر الغسيل، في ظرف تواجه فيه السعودية اتهامات الإرهاب، وهناك أمير منطقة اعتبرها شهادة جلية على الجنون الذي كان يحدث ويهدّد السعودية نفسها، شعبا ومؤسسات.

أما على مستوى التناول النقدي، فكان هناك الكثير من التشنيع، المحافظ، والمتطرف، والمتلبّس بالوطنية، وفي المقابل، كان هناك الكثير جدا من التحيات الطيبة، أو التحليلات الجادة، بمقالات ودراسات عديدة! فكل هذا الجدال الذي أحدثته الرواية حينها، منحها هذين الانتشار والتداول.

 

الترجمة

  • تُرجمت الرواية إلى لغات أخرى، فما أهمية الترجمة بالنسبة إليك، وأن يتعرّف على تجربتك قراء غير عرب؟

الترجمة مهمة، على الدوام، والمفاجئ أن كل الدعوات التي تلقيتها، عبر مهرجانات العالم، كانت بأثر ترجمة نصوصي الشعرية، في الأنطولوجيات، ثم ترجمة كتابي الأخير، وهو شعر أيضا! ومع أن الرواية ما زالت تُطلب للترجمة، بين حين وآخر، لبعض اللغات، إلا أني توقفت عن إجابتها. دار "آكت سود" الفرنسية، وهي إحدى أكبر الدور في أوروبا، أخذت الرواية، في البداية، بحماسة شديدة، ثم لم تفعل لأجلها شيئا، مما قد تفعله دار صغيرة، بالتالي بقيت تجربة الترجمة عندي، محدودة في نطاق العمل القانوني، ومساراته المحترمة، الذي تتحلى به دور النشر الغربية. وحقيقة لم يزعجني هذا، لكني لم أفهمه، لأني لا أعرف ما يدور في خبايا عالم النشر والترجمة، عربيا، فضلا عن معرفته، في الغرب.

 

يحدث في الحياة

  • تُرجمت أيضا مجموعتك الشعرية "جلبة لتحريك الوقت" بعنوان مغاير إلى الفرنسية "معلق في العدم". هل تعتقد أن ترجمة الشعر نص جديد، ولماذا اخترت تغيير العنوان؟

المجموعة بترجمة التونسي الرائع، أيمن حسن، كان لها عنوانان، هما "عالق في عدم"، و"جلبة لتحريك الوقت"، ثم رأيت ألا أخسر العنوانين، فتركت الأول للفرنسية، والآخر للعربية، بكل بساطة، وفي كل الأحوال أجد العنوانين تعبران تماما، عن المجموعة. أما الترجمة فهي ليست نصا آخر، لكنها دونما أدنى شك، براعة أخرى، في إعادة خلق النص، ولذا ستبقى دوما عملا إبداعيا، لا وظيفيا وحرفيا، فحسب.

  • قبل الدخول إلى عالم القصائد في "معلق في العدم"، هناك مقدمة لأدونيس، فما طبيعة العلاقة التي تربطك به؟

أدونيس، معلم، ثم صديق. تأثرت بكتابته وأفكاره، وساعدتني في لحظات حاسمة من حياتي، قبل أن أعرفه، بشكل شخصي، ثم التقيته، في اليمن، قبل أكثر من عشرين عاما، ونشأت بيننا صداقة غامرة وعامرة، وكان حظي طيبا أنه يعرف تجربتي، في الكتابة، من بدايتها.

 

وجه النائم

  • نعود إلى روايتك الثانية "وجه النائم" التي تطرح فيها فلسفة خاصة ورؤية مستمدّة من التعمّق بأفكار قد تكون طُرحت بطرق عدة، مثل "قد يكون الحلم أصدق من الحقيقة"، أنت تدخل في عوالم قلما يبحث فيها القراء، فما أهمية تحفيزك للقراء للتفكير في أمور جديدة من خلال هذه الرواية وفي تجربتك عموما؟

"وجه النائم" رواية قليلة الأحداث، كثيرة الأفكار، تمضي في اللغة، والمنامات، وما يتخلل الوجود، مما قد يبدو عبثا، والمسألة أن الشخصية الرئيسة في العمل تحاول أن تخرج أسرارها العادية جدا، في قصاصات، قد لا تهم أحدا، وتضعها في مكان آخر، ويتصادف أن ترى هذا المكان، وتكتشف أسراره، امرأة أخرى، من خلفية ثقافية مختلفة تماما، لكنها تعيش، وتتفاعل معه، وتتأثر به، وهذا أيضا مما يحدث في الحياة، وغراباتها.

  • يرى بعضهم أنك تقف في كتاباتك على تخوم المحرّم، فهل تعتبر أن محرّمات في عالم الكتابة، أم يجب على المبدع أن يعيد صياغة العالم كي يصنع واقعا جديدا؟

هذا قيل عن مجموعتي "حرام C.V" بما فيها من العناد والاحتجاج، إن لم تخني الذاكرة، وفي كل الأحوال، فإن الكتابة، والقراءة قبلها، إن لم تثر القلق والسؤال، والهدم والنسف، فهي منزوعة المعنى، وبلا قيمة.

هناك وكيل وزارة اعتبر الرواية مسيئة، على طريقة نشر الغسيل، في ظرف تواجه فيه السعودية اتهامات الإرهاب، وهناك أمير منطقة اعتبرها شهادة جلية على الجنون الذي كان يحدث ويهدّد السعودية

  • تختار عناوين متميزة لأعمالك، كيف تصف علاقتك باختيار العناوين؟

أختار عناوين أعمالي عادة، في اللحظات الأخيرة، ولديَّ ميل كبير إلى العناوين ذات الجمل التي تصلح – مثلا- كرسائل إغواء، أو لها شكل خواتم وأقفال، مربوطة على ضفتي نهر، وأكثر منها، ما يشبه تلك الهجمات المباغتة.

 

التحولات العظيمة

  • بعيدا من الرواية والشعر كتبت العمود الصحافي في صحيفة "الوطن" وغيرها، فما خصوصية كتابة العمود وما الأفكار التي تحرص على طرحها من خلاله؟

غادرت "الوطن" منذ خمس سنوات، ولا يزال لها مكانها الأثير عندي. أكتب الآن في مجلة "اليمامة"، وفي أماكن متفرّقة، وأهتم للجمالي والثقافي والإنساني، هذا في العموم.

  • قمت بكتابة وإعداد برنامج ثقافي عرض على إحدى القنوات السعودية، هلا حدّثتنا عن هذه التجربة؟

كانت تجربة عظيمة، تقدمت بالفكرة الى الصديق فهد الحارثي، بطلب منه، حين صار رئيسا لهيئة التلفزيون، وقدّمت موسمين، من برنامج اسمه "ناس لوجيا". الأول كان عن الأساطير والحكايات الشعبية، في مناطق المملكة، وكان شيئا هائلا، والثاني عن الإلهام، عبر نحو 75 شخصية، كان لها أثرها، في مجالات مختلفة، من حياة السعوديين، وتاريخهم، منذ الدولة السعودية الأولى، وصولا الى الرائعين الملهمين، في وقتنا اليوم. أما المواسم التالية فلا علاقة لي بها.

  • كيف تنظر كمبدع إلى التحول الشامل الذي تشهده السعودية وإلى أي مدى ممكن أن ينعكس على الحالة الإبداعية؟

هذه التحولات العظيمة، التي نراها ونعاصرها، ونبتهج بها، أجمل ما فيها أنها كانت فوق ما يخطر بالبال، وكدنا نيأس منها، وأعمق ما فيها، أنها تعمل على مدار اليوم والساعة، واعدة بمستقبل طالما حلمنا به، ذلك القادم الرائع لأبنائنا بالآمال الكبرى.

font change

مقالات ذات صلة