ما إن أُعلن عن استئناف العمل في مطار حلب السوري في 14 اكتوبر/ تشرين الاول حتى وجه الجيش الإسرائيلي إليه ضربة أخرى أخرجته من جديد من الخدمة. وفي وقت سابق من اليوم ذاته، قصفت تل أبيب سوريا، ردا على صاروخ أُطلق من المنطقة الجنوبية باتجاه هضبة الجولان المحتلة. وقد لا يكون في ذلك التصعيد مفاجأة كبرى، فقد حُشدت قوات مدعومة من إيران ونُشرت على طول الحدود السورية الإسرائيلية منذ 9 أكتوبر/تشرين الأول.
ومع ذلك، أثارت هذه التطورات التي برزت مؤخرا تساؤلات حرجة حول احتمال استخدام سوريا لفتح جبهة جديدة مع تكثيف الهجوم الإسرائيلي المستمر على غزة. ويُفاقم هذا القلق حقيقة أن تل أبيب انخرطت في تبادل لإطلاق النار مع "حزب الله" في جنوب لبنان، اعتمادا على استراتيجية العين بالعين. وفي حين أن النظام السوري قد لا يمتلك الموارد اللازمة أو الرغبة في الشروع في مسعى محفوف بالمخاطر كهذا، فإن وجود قوات عدة تدعمها إيران في سوريا، ومن ضمن ذلك "حزب الله"، وميليشيات الحشد الشعبي العراقية، يفتح الباب واسعا أمام أطراف أخرى للقيام بهذه الخطوة، ولا سيما إذا استمرت الأعمال العدائية في التصاعد على جبهات أخرى.
وقد ركز رد الحكومة السورية بشكل أساسي على إصدار بيانات رسمية تدين إسرائيل، إلى جانب إجراء مشاورات مع الأطراف الإقليمية والدولية بهدف تهدئة الوضع. وعلى الرغم من الامتناع عن استخدام لغة التهديد العلنية، إلا أن الخطوط الأمامية السورية مع إسرائيل لم تبقَ هادئة؛ ففي مساء يوم 10 أكتوبر/تشرين الأول، أُطلقت قذائف هاون من سوريا باتجاه مرتفعات الجولان، التي تخضع للاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967. وسرعان ما ردت إسرائيل بإطلاق نيران المدفعية باتجاه مصدر الهجوم. وبعد يومين، شنت إسرائيل هجمات صاروخية متزامنة على المطارين الرئيسين في سوريا وتحديدا في دمشق وحلب، وهو الأمر الذي أدى إلى توقفهما عن العمل.
وتشير بعض المصادر إلى أن هذه الضربة محاولة لتعطيل طرق إمداد الأسلحة الإيرانية إلى سوريا، وقد تزامنت مع الزيارة المخطط لها لمسؤول إيراني في وزارة الخارجية إلى سوريا، مما يشير أيضا إلى أنها تحذير لإيران من التدخل المحتمل من خلال سوريا و"حزب الله" في لبنان.
تهدف إيران إلى التأكيد على أن إحجام النظام السوري عن المشاركة على نحو مباشر في عمل عسكري ضد إسرائيل لا يعني أن الفصائل المسلحة الأخرى العاملة في المنطقة لا يمكنها القيام بعملٍ كهذا
ومع ذلك، ورد أن هجوما صاروخيا آخر قد شُن من سوريا يوم 14 أكتوبر/تشرين الأول، وهو الأمر الذي أدى إلى توجيه ضربة إسرائيلية لاحقة إلى مطار حلب بعد أن استأنف عمله. والجدير بالذكر أنه لم تعلن أي جماعة مسؤوليتها رسميا عن الهجمات الصاروخية التي شُنت ضد إسرائيل، ووصل الأمر بوكالة الأنباء السورية الرسمية إلى حد الامتناع عن الإبلاغ عن الحادث. ولكن، تُشير المصادر إلى أن جماعة فلسطينية تابعة لـ"حزب الله" هي التي نفذت كلا الهجومين الصاروخيين على الأرجح.
وفي العموم، يُشير الحجم المحدود لهذه المناوشات إلى أن غايتها إيصال رسائل سياسية عبر الوسائل العسكرية. وتهدف إيران إلى التأكيد على أن إحجام النظام السوري عن المشاركة على نحو مباشر في عمل عسكري ضد إسرائيل لا يعني أن الفصائل المسلحة الأخرى العاملة في المنطقة لا يمكنها القيام بعملٍ كهذا. وهذا أمر يتمتع بأهمية، وبخاصة عند النظر إلى واقع أن الميليشيات غير السورية العاملة هناك تتلقى توجيهاتها من إيران وليس من دمشق.
ومن ناحية أخرى، استخدمت إسرائيل أعمالها الانتقامية بهدف إيضاح أن صراعها المستمر في غزة لم يُعق قدرتها على تعطيل محاولات إيران لنقل الأسلحة الاستراتيجية إلى سوريا أو عبر سوريا. وعلاوة على ذلك، تهدف إسرائيل إلى إظهار استعدادها للاشتباك على جبهات متعددة، والرد خارج حدودها إن هي استُفزت.
ولا يبدو، لسوء الحظ، أن الوضع يسير نحو التهدئة، سوى أن التنبؤ بتطوراته ليس بالأمر اليسير. وفي الوقت الحاضر، يظل الاستهداف المتبادل على طول الخطوط الأمامية السورية الإسرائيلية هو السيناريو الأكثر ترجيحا. ومن شأن هذه الحوادث المحدودة أن تُمكن إيران ووكلاءها من الحفاظ على مظهرهم المتمثل في اتخاذ إجراءات لدعم المقاومة الفلسطينية، من دون التورط في صراع غير مُحبذٍ مع إسرائيل.
والهدف الآخر الذي قد تخدمه هذه المناوشات هو الإبقاء على القوات الإسرائيلية في أماكن تمركزها على طول الحدود السورية المحتلة، وإعاقة انتشارها للاشتباك في غزة. وقد تزداد وتيرة هذه الهجمات مع اشتداد القتال في قطاع غزة بهدف تحقيق هذه الغاية.
ومن الجدير بالذكر أن هذه المناوشات المحدودة لن تقتصر بالضرورة على استهداف إسرائيل. فقد هددت قوات الحشد الشعبي العراقية مؤخرا باستهداف الأصول الأميركية في المنطقة، ومن ضمنها سوريا، في حال أقدمت الولايات المتحدة على التدخل في الحرب الدائرة بين حماس وإسرائيل، أو إذا قامت تل أبيب بــ"توسيع ساحة المعركة".
لا يبدو، لسوء الحظ، أن الوضع يسير نحو التهدئة، سوى أن التنبؤ بتطوراته ليس بالأمر اليسير. وفي الوقت الحاضر، يظل الاستهداف المتبادل على طول الخطوط الأمامية السورية الإسرائيلية هو السيناريو الأكثر ترجيحا
ولا يزال احتمال حدوث مواجهة عسكرية أكبر مع إسرائيل انطلاقا من سوريا منخفضا نسبيا. وإن حدثت تلك المواجهة، فسيكون سببها على الأرجح التصعيد الإسرائيلي في مواجهة "حزب الله" في لبنان. لقد التزمت الاشتباكات المستمرة بين تل أبيب و"حزب الله"، في أغلبها، بقواعد الاشتباك الراسخة بين الطرفين. ومع ذلك، ومع تأكيد "حزب الله" وإسرائيل على الرد على كل هجوم، والإشارة إلى استعدادهما لتجاوز الحدود، يظل التصعيد غير المقصود احتمالا واردا.
وتتزايد احتمالات حدوث تطورات كهذه في بيئة تتسم بالضغوط المتزايدة، إذ يحكمها الصراع المتصاعد بين إسرائيل وغزة، واحتمالات انهيار مقاومة حماس، وارتفاع عدد الضحايا الفلسطينيين. وقد يؤدي تطور كهذا إلى تصعيد مماثل على جبهات أخرى، ليس فقط في سوريا، بل أيضا في العراق واليمن.
وفي كلا الاحتمالين، ستستمر سوريا ساحة معركة تنخرط فيها دول أخرى، وعلى رأسها إيران وإسرائيل، في صراع يجري عن بُعد. وفي حين أن دعم الشعب السوري الراسخ لفلسطين لم يتزعزع، فإن استخدام السوريين كبيادق في هذه الصراعات ليس الطريقة التي يختارونها للتعبير عن تضامنهم.