أنطونيو غوتيريش الذي تطالبه إسرائيل بـ "التنحي"

الامين العام للامم المتحدة قال إن هجوم "حماس" "لم يحدث من فراغ"

Majalla
Majalla

أنطونيو غوتيريش الذي تطالبه إسرائيل بـ "التنحي"

يترأس أنطونيو غوتيريش منظمة من المفترض أن تظل محايدة بشأن قضايا الأمن العالمي الرئيسة، وبصفته هذه، لا يمكن للأمين العام للأمم المتحدة أن يتفاجأ عندما يجد نفسه في قلب عاصفة دبلوماسية كبرى بسبب تعليقاته المثيرة للجدل بشأن أزمة غزة.

ومنذ إنشائها في عام 1945، كانت إحدى المهام الأساسية للأمم المتحدة تكمن في ضمان التمسك بمبادئ القانون الدولي كلما نشأ صراع كبير، وخاصة تلك المتعلقة بإدارة الحرب. فمن الحرب الباردة إلى الصراعات الأحدث في العراق وأفغانستان وأوكرانيا، كانت قدرة الأمم المتحدة في الحفاظ على مكانتها كمراقب محايد عاملا حيويا لقدرتها على العمل كمحكم دولي.

ويفسر لنا ذلك التأثير العاصف والغضب الدولي للتعليقات التي أدلى بها غوتيريش بعد وقت قصير من شن مقاتلي "حماس" هجومهم المدمر ضد إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، حين ألمح إلى أن سياسات إسرائيل المتشددة تجاه الشعب الفلسطيني على مدى عقود عديدة هي المسؤولة في نهاية المطاف عن أعمال العنف، ففي حديثه بعد وقت قصير من مقتل ما يقدر بنحو 1400 إسرائيلي، واحتجاز أكثر من 200 آخرين كرهائن، خلال هجوم مفاجئ على إسرائيل شنه مسلحو "حماس"، قال غوتيريش في اجتماع لمجلس الأمن الدولي المكون من 15 عضوا إن الهجوم القاتل "لم يحدث من فراغ".

وأشار غوتيريش في كلمته تلك إلى أن "الشعب الفلسطيني يرزح تحت احتلال خانق منذ 56 عاما، ولكن مظالم الشعب الفلسطيني لا يمكن أن تكون عذرا لهجمات مروعة من قبل "حماس". وهذه الهجمات المروعة لا يمكن أن تكون مبررا لعقاب جماعي للشعب الفلسطيني".

وفيما أصر مسؤولو الأمم المتحدة على أن غوتيريش كان يحاول تبني موقف متوازن بشأن الصراع، ندد الدبلوماسيون الإسرائيليون على الفور بتصريحاته ووصفوها بأنها "صادمة". وأكد سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، جلعاد إردان، على أنه "لا مبرر أو فائدة من التحدث مع أولئك الذين يظهرون التعاطف مع أبشع الفظائع المرتكبة ضد مواطني إسرائيل والشعب اليهودي".

الشعب الفلسطيني يرزح تحت احتلال خانق منذ 56 عاما، ولكن مظالم الشعب الفلسطيني لا يمكن أن تكون عذرا لهجمات مروعة من قبل "حماس". 

أنطونيو غوتيريش

وعلى الرغم من إصرار غوتيريش على أن كلماته قد أسيء تفسيرها وأن من الخطأ فهمها كتبرير للأعمال الإرهابية التي تقوم بها "حماس"، كثفت إسرائيل حملتها ضد الأمين العام للأمم المتحدة من خلال مطالبته علانية بالاستقالة من منصبه. وحظي الطلب الإسرائيلي بدعم كبير من سياسيين أميركيين بارزين، حيث قال السيناتور الجمهوري تيد كروز لشبكة "فوكس نيوز": "بالطبع، يجب على (غوتيريش) أن يستقيل".

وتصاعد النزاع بين إسرائيل والأمم المتحدة، والتي يتهمها الإسرائيليون منذ فترة طويلة بمعاداة إسرائيل، حتى إن الدولة اليهودية حجبت تأشيرات الدخول لمسؤولي الأمم المتحدة، مما يجعل تحقيق جهود الإغاثة الدولية لمنع وقوع كارثة إنسانية في غزة أكثر صعوبة.

وعلى الرغم من الضغوط الشديدة التي تعرض لها الأمين العام للتخفيف من حدة انتقاداته للرد العسكري الإسرائيلي على هجوم "حماس"، فإنها لم تنل من عزيمته، حيث نشر على منصة التواصل الاجتماعي "إكس"– "تويتر" سابقا– بعد فترة وجيزة من إطلاق إسرائيل عملياتها البرية في غزة منشورا أكد فيه أن "حماية المدنيين أمر بالغ الأهمية. تضع قوانين الحرب قواعد واضحة لحماية الحياة البشرية واحترام الاهتمامات الإنسانية. لا يمكن تحريف هذه القوانين من أجل المنفعة".

وبالنظر إلى الدور السابق الذي لعبه غوتيريش كمفوض سامٍ للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فمن غير المستغرب أن يشعر رئيس الوزراء البرتغالي السابق البالغ من العمر 74 عاما في نفسه حاجةَ لأن يعبر عن رأيه بشأن ما يعتبره مظالم ممتدة تحيق بالشعب الفلسطيني.

AP
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في الوسط، وسفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد، على اليسار، يتحدثان مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قبل اجتماع مجلس الأمن

 

ولئن كان من سمة تميز مسيرته المهنية، التي امتدت لعقود من الزمن في السياسة السائدة، فستكون التزامه الثابت بتعزيز الكرامة الإنسانية للجميع؛ فمنذ أن بدأ العمل كمتطوع في الأحياء الفقيرة في لشبونة حيث ولد، إلى تمثيل دائرته الانتخابية في البرلمان البرتغالي قبل أن يصبح في نهاية المطاف رئيس وزراء البرتغال عام 1995، صنع غوتيريش اسمه كسياسي تتمثل أهدافه الأساسية في تخفيف المعاناة، وحماية الضعفاء وضمان حقوق الإنسان للجميع.

مدافع فخور عن التعددية 

ولد غوتيريش في لشبونة عام 1949 وحصل على درجة في الهندسة من المعهد العالي للتقانة. وهو يتقن اللغات البرتغالية والإنكليزية والفرنسية والإسبانية، وهو متزوج من كاتارينا دي ألميدا فاز بينتو، نائبة عمدة لشبونة للثقافة، ولديه طفلان وثالث من زوجته وثلاثة أحفاد.

وكان غوتيريش، وهو شخصية بارزة في الدوائر الاشتراكية الأوروبية، يعرّف نفسه بأنه مدافع فخور عن التعددية. ومع ذلك، أكد أن التعاون الدولي بشأن التحديات العالمية الكبيرة لا ينبغي أخذه كحقيقة دون برهان، بل يجب أن يظهر قيمته من خلال معالجة القضايا الحقيقية التي يواجهها الناس. وقد قال ذات مرة: "يجب علينا أن نثبت قيمته من خلال معالجة المشاكل الحقيقية التي يواجهها الناس".

لسنوات عديدة، شارك غوتيريش بنشاط في المنظمة الاشتراكية الدولية، وهي منظمة عالمية للأحزاب السياسية الديمقراطية الاجتماعية. وفي الفترة من 1992 إلى 1999، شغل منصب نائب رئيس المجموعة، وشارك في رئاسة كل من اللجنة الأفريقية ثم لجنة التنمية لاحقًا.

خلال حياته المهنية في السياسة البرتغالية، كان أحد إنجازات غوتيريش البارزة دوره كعضو في الفريق الذي تفاوض على دخول البرتغال إلى الاتحاد الأوروبي عام 1986.

بعد انتهاء مهامه كرئيس للوزراء، شغل غوتيريش منصب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الفترة من يونيو/حزيران 2005 إلى ديسمبر/كانون الأول 2015. وخلال هذه الفترة، كان عليه معالجة الأزمات الإنسانية الناجمة عن الصراعات مثل الحروب في سوريا والعراق، فضلا عن أزمات جنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى واليمن. وتزامنت فترة ولايته مع زيادة كبيرة في الأنشطة العالمية للمفوضية، حيث ارتفع عدد النازحين بسبب الصراع والاضطهاد من 38 مليونا عام 2005 إلى أكثر من 60 مليونا عام 2015.

على الرغم من الضغوط الشديدة التي تعرض لها الأمين العام للتخفيف من حدة انتقاداته للرد العسكري الإسرائيلي على هجوم "حماس"، فإنها لم تنل من عزيمته.

استمرت فترة ولايته كرئيس للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أحد عشر عاما، اكتسب غوتيريش خلالها سمعة كزعيم فعال، لا سيما بسبب جهوده للمساعدة في التخفيف من أزمة المهاجرين في أوروبا الناجمة عن الحرب الأهلية السورية.

وتستذكر كاثي كالفِن، التي تشغل منصب الرئيس والمدير التنفيذي لمؤسسة الأمم المتحدة– وهي منظمة غير حكومية أنشأها تيد تيرنر لدعم قضايا الأمم المتحدة– أن غوتيريش كان يؤكد على الدوام على محنة اللاجئين. ولم يكن يتردد في مطالبة "الحكومات في جميع أنحاء العالم بالتصدي لها". هذه القضية سواء في هذه الأماكن التي تبدأ فيها الهجرة أو في الأماكن التي ينتهي فيها الأمر بالمهاجرين واللاجئين.

ولعل هذه الجاهزية لمعالجة القضايا الصعبة هي التي أدت في النهاية إلى تعيينه في منصب الأمين العام التاسع للأمم المتحدة عام 2017، مما جعله أول زعيم وطني يتولى منصب أكبر دبلوماسي في العالم.

ومن المثير للدهشة أن غوتيريش تلقى دعما واسع النطاق من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة، على الرغم من الانقسام العميق في مجلس الأمن الذي كان منقسما على نفسه لإيجاد حل للأزمة الإنسانية الناجمة عن الصراع السوري. وبعد أن حصل غوتيريش على دعم بالإجماع في استطلاع غير رسمي أجراه المجلس، قالت سامانثا باورز، الممثلة الدائمة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة آنذاك: "أعتقد أنه في كل يوم نذهب إلى مجلس الأمن، فإننا نطمح إلى نوع الوحدة التي رأيناها اليوم، وفي أزمة تشهد مذبحة مروعة مثل تلك التي تشهدها سوريا، فإن الحاجة الملحة لتحقيق هذه الوحدة لا تخفى على أحد، وهو أمر لم نحققه حتى هذه اللحظة".

وحتى اندلاع أزمة غزة، كانت قيادة غوتيريش للأمم المتحدة، الذي أعيد انتخابه لولاية ثانية في عام 2021، تتحدد بشكل أساسي من خلال الموقف البارز الذي اعتمده بشأن معالجة تغير المناخ، وحث القوى العالمية الكبرى، مثل الولايات المتحدة والصين، للتغلب على التوترات والعمل معا للمساعدة في تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.

وكثيراً ما أدت جهوده لمكافحة تغير المناخ إلى مطالبته علناً الحكومات والشركات بما أشار إليه بـ"صب الزيت على النار".

DPA
رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في قمة القاهرة للسلام بشأن الحرب على غزة

واتخذ غوتيريش موقفا مثيرا للجدل بشأن عدد من القضايا العالمية الأخرى، فبعد وقت قصير من تعيينه عام 2017، كتب رسالة إلى مجلس الأمن يلفت الانتباه إلى انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها جيش ميانمار، على الرغم من أن بعض المنتقدين في ذلك الوقت اتهموه بأنه لم يقل ما فيه الكفاية، مدعين أن تفضيله تجنب المواجهة مع القوى العالمية الأخرى كان له تأثير كبير عليه وجاء على حساب حقوق الإنسان. ومن بين هذه الانتقادات الشديدة، على سبيل المثال، كان لومه لأنه لم يكن أكثر صراحة في تحميل الصين المسؤولية عن سوء معاملتها لأقلية الأويغور المسلمة في مقاطعة شينغيانغ.

وفي الآونة الأخيرة، كان نشطًا للغاية في الصراع الأوكراني بعد غزو القوات الروسية للبلاد في فبراير/شباط 2022. وقد وجه غوتيريش دعوات متكررة للسلام واجتمع بشكل منفصل مع قادة البلدين. وفي حين كان أغلب اهتمامه منصباً على القضايا الإنسانية، مثل ضمان تسليم المساعدات، وإنشاء ممرات الإخلاء، واستئناف شحنات الحبوب العالمية من أوكرانيا، فقد أطلق أيضاً بعثة لتقصي الحقائق للتحقيق في مقتل السجناء في منطقة دونيتسك.

خلال حياته المهنية في السياسة البرتغالية، كان أحد إنجازات غوتيريش البارزة دوره كعضو في الفريق الذي تفاوض على دخول البرتغال إلى الاتحاد الأوروبي عام 1986.

بالإضافة إلى ذلك، أقر غوتيريش أيضا بضرورة أن تكون الأمم المتحدة وموظفوها البالغ عددهم 40 ألفا أكثر ابتكارا وفعالية، وأطلقت إصلاحات واسعة النطاق لاستخدام التكنولوجيا الجديدة. وهو يعمل أيضا على جعل المساواة تسود الحياة الداخلية للمنظمة، بما في ذلك من خلال المساواة بين الجنسين وتحسين التمثيل الجغرافي.

ولكن من خلال دوره كدبلوماسي رائد في العالم، من المرجح أن يستمر غوتيريش في الهيمنة على العناوين الرئيسة، والوفاء بإحدى المهام الأساسية للأمين العام وهي "تنبيه مجلس الأمن إلى أية مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم والأمن الدولي"، وفقا للمادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة.

وفي هذا السياق، قد يميل غوتيريش إلى السير على خطى أحد أسلافه الأكثر شهرة، كوفي عنان، الذي قال خلال التصعيد الخطير في التوترات العرقية بين الصرب والألبان في كوسوفو عام 1999، إنه "لا يحق لأي حكومة أن تختبئ وراء السيادة الوطنية من أجل انتهاك حقوق الإنسان".

وربما يشعر غوتيريش أن عليه اتباع النهج نفسه في التعامل مع الصراع في غزة إذا أراد أن ينجح في تحقيق هدفه الأساسي المتمثل في إنقاذ حياة المدنيين الأبرياء.

font change

مقالات ذات صلة