السُّنّة والخروج من المعادلة
يوازي الاستقطاب الشيعي-المسيحي في لبنان، استقطاب شيعيّ- سنّيّ تصاعد بعد أحداث 7 مايو/أيار 2008، وكرّسته الحرب في سوريا لدى السنّة على شكل شعور بـ"المظلومية".
وتظهر أرقام المشاركة في الانتخابات النيابية 2022 وجها ملموسا من الوجع السنيّ، حيث تبرز وزارة الداخلية والبلديات انخفاض نسبة الاقتراع في "دائرة الشمال الثانية" التي تشكّل الخزان الشعبي السني من 45% في 2018 إلى 40% في 2022، ضمن نسبة 49% وطنيا، وهي ثاني أقلّ نسبة بعد مشاركة المسيحيين والأقليات من "دائرة بيروت الأولى".
"السُنّة في لبنان لا يُحسَدون على وضعهم"، على قول مراد، مُطلقا عدّاد التدهور المعنوي منذ لحظة اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري عام 2005.
أقام هذا الاغتيال فراغا لم يعوّضه، وفق مراد، أحد طوال السنوات الـ18 الأخيرة "لم يملء مكانة رفيق الحريري أحدٌ يوازيه فطنة وكاريزما وعلاقاتٍ خارجية ونجاحا في الأعمال. حمل الحريري مشروعا وطنيّا لبنانيا، ونجح في تبديل انتماءات مجتمعات سنيّة كانت حتى وقت قريب ملتحقة بالقوميات العربية والناصرية والسورية. ولغاية اليوم يشعر السّنّة بظلم اغتياله، لأنّ لبنان يتسيّده اليوم من اغتالوا المشروع الوطني، وهم مَن اغتالوا الحريري".
خلال إحياء الذكرى التاسعة لاغتيال رئيس حكومة لبنان الأسبق رفيق الحريري، 14 فبراير/ شباط 2014
احتمال حرب أهليّة
مع توفّر كلّ العوامل لنشوب صراع أهلي جديد، من اشتباكات شوارع غير مقنّنة، واحتدام اللهجة الطائفية، ومطالبة بـ"الفيديراليات"، إلى جانب وجود المكوّنين الفلسطيني والسوري، احترق الحديث في لبنان عن حرب أهلية ولم ينضج بعد، إذ لا يزال السؤال ماثلا: ماذا يجعل لبنان دائما على شفير حربٍ أهلية، ودون أن تندلع هذه الحرب؟
يستند عماد مراد إلى مسار التاريخ، والقاضي بأنّ قرار الحرب يُتّخذ من اللاعبين السياسيين، وهو في لبنان لا يعود بالنفع على أيّ طرف في ظلّ انهيار اقتصادي ومالي وسياسي. ويحلّل إرادة موازين القوى على اختلافها، التي تلتقي على تفادي الحرب:
"حزب الله" الطرف الأقوى في الاحتقان الطائفي، والقابض على كل مفاصل الدولة اللبنانية، وعلى الرغم من الدعم الإيراني له وتحضيراته العسكرية المستمرة منذ 40 سنة، يعلم الحزب أنّ الحرب ستضرّه. وقراره يستند إلى التفكير "لقد نجحت في تحقيق مشروعي، إن كان عبر إضعاف السنة، أو تهجير المسيحيين، أو لولبة الدروز على وتر أقلّوي، فلِمَ الحرب؟".
ويضيف أنّ الحرب الداخلية قد تجنّد المجتمع الدولي عسكريّا ضدّ الحزب، فيتهدد وجوده.
كما وجد الحزب في بعض المناكفات الأخيرة حقلا لاختبار ردود فعل الشارع المعارض، وظهر أنّه غير مستسلم وقد يواجه (عرب خلدة، المسيحيون في عين الرمانة، الدروز في راشيا). ويدرك الحزب أنّ لبنان ساحة مركّبة وغير قابلة للسيطرة ضمن المناطق البعيدة عنه، فلبنان مكوّن من جغرافيات طائفية لا تزال محكمة وصعبة الاختراق من النسيج المختلف.
من ناحية أخرى، يبدو جليّا أنّ "المعارضة وهي الطرف الأضعف في السلاح والسلطة، لا تريد حربا، لأنها ستجعلها تخسر فرصة الوصول الى السلطة كما أنها لا تتمتّع بدعم دوليّ".
وإذا كانت المعارضة لا تتفق على كلّ المسائل السياسية، فأنّ ما يجمعها هو رفض "السلاح غير الشرعي" المنسوب الى "حزب الله". تضمّ هذه الجبهة نواة من 31 نائبا، من أحزاب "القوات اللبنانية"، و"الكتائب"، و"الوطنيين الأحرار"، وثلاثة نواب تغييريين، وكتلة "التجدد" المهجّنة من ثلاثة نواب، وبعض المستقلين.
ويلفت مراد إلى أنّ القاعدة الشعبية الدرزية والسنية متعاطفة مع المعارضة، فالأولى ميالة إلى مبادئ "14 آذار" وتستأنس بمواقف وليد جنبلاط ضدّ الهيمنة السورية وسلاح حليفه اللبناني، أما الشارع السنّي فيحنّ إلى شكله الأوليّ في مرحلة "14 آذار" التي حشدت شعبية "تيار المستقبل".
أمّا الباحث وهيب معلوف، فيستخلص فروقات جوهريّة في المعسكرين المتخاصمين بين الحرب الأهلية والوقت الراهن، ما فيطمئن إلى عدم وقوع حرب جديدة.
يقول: "كانت الانقسامات واضحة، بين معسكر "الحركة الوطنية" التي دعمت بالسلاح الفلسطيني ورؤية الزعيم كمال جنبلاط، وفي مواجهته معسكر "الجبهة اللبنانية" التي تحلقت حولها أحزاب يمينية مسيحية. وكانت الانقسامات متكافئة، وتنذر بوقوع الحرب، فكلا المعسكرين أنشآ ميليشيات مسلحة، وكانت الاستعدادات والتدريبات معلنة وسارية قبل سنوات من اندلاع الحرب، وكان المعسكران مدعومين من قوى إقليمية".