خسائر اقتصاد إسرائيل... تعوض ما عدا الثقة

حرب غزة أوقفت انتاج حقل تمار للغاز وعصفت بقطاعات التكنولوجيا والسياحة والبناء

Ewan White
Ewan White

خسائر اقتصاد إسرائيل... تعوض ما عدا الثقة

ألحقت حرب إسرائيل على غزة أضرارا فادحة في الاقتصاد الإسرائيلي، ناهيك باقتصادات البلدان المرتبطة بعلاقات تبادلية مع الدولة العبرية، ولا سيما مصر والأردن وقبرص، إلى جانب الاتحاد الأوروبي، وهي كلها أطراف أساسية في مشاريع غاز شرق البحر المتوسط.

تتخذ تداعيات الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، إثر عملية 7 أكتوبر/تشرين الأول التي نفذتها "حماس" على مواقع عسكرية ومستوطنات إسرائيلية تقع في المقلب الآخر من حدود القطاع، أبعادا بارزة، ولا سيما في ما يخص اقتصاد الدولة العبرية واقتصادات البلدان التي ترتبط معها بتبادلات، أبرزها في مجال الغاز، ومنها مصر والأردن وقبرص وبلدان الاتحاد الأوروبي.

وفي حين أن اقتصاد إسرائيل قابل للترميم بفضل الدعم الغربي عموما والأميركي خصوصا، خلافا لاقتصادات أخرى تتضرر أو قد تتضرر من الحرب الدائرة، لأسباب ليست أقلها الأسباب السياسية، يبدو أن كبرى خسائر الاقتصاد الإسرائيلي هذه المرة – ثقة المستثمرين المحليين والأجانب – سيصعب تعويضها، أقله في الأجلين القريب والمتوسط، في ضوء اهتزاز المناعة الأمنية للدولة العبرية إلى حد التشظي.

آلاف الشركات تأثرت

إسرائيليا، تتردد أصداء التداعيات الاقتصادية للحرب في الشؤون المالية لكل أسرة، وفي مختلف أرجاء سوق العمل، وفي القطاعات المختلفة والشركات على أنواعها، وفي الأوضاع المالية العامة نفسها. وفق "الفايننشال تايمز"، تعطل الحرب أعمال آلاف الشركات ومختلف القطاعات، فقد أفاد مكتب الإحصاءات المركزي الإسرائيلي بأن شركة من ثلاث إما أغلقت أبوابها أو تعمل بواقع 20 في المئة من طاقتها، وقدّر أن متوسط خسائر القطاع الخاص على صعيد العوائد تجاوز مستوى الـ 50 في المئة، ولفت إلى أن الخسائر تتركز في جنوب إسرائيل حيث توقف ثلثا الشركات عن العملأو بقي يعمل في الحد الأدنى من القدرة.

قطاع التكنولوجيا الحاسم في الاقتصاد الإسرائيلي (18.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي) يتكبد خسائر فادحة

وبسبب إخلاء مدن وبلدات وقرى ومستوطنات من السكان لأسباب أمنية في مناطق مختلفة من إسرائيل، ولا سيما قرب غزة وجنوب لبنان، ناهيك بإغلاق المؤسسات التربوية أبوابها واستدعاء جنود الاحتياط وبعضهم مهندسون في قطاع التكنولوجيا المتقدمة، بات 764 ألف إسرائيلي عاطلين عن العمل، وهذا الرقم يساوي خُمْس القوة العاملة الإسرائيلية، بحسب الصحيفة. أما وكالة "بلومبرغ" فتشير الى أن إسرائيل خصصت ثمانية مليارات دولار للحرب، ما يُعَدّ خسارة لاقتصادها، في حين تستنزف الحرب 260 مليون دولار إضافية يوميا من الاقتصاد الإسرائيلي.

Getty Images
متظاهرون يحملون لافتة "أنقذوا اقتصادنا" أمام بورصة تل أبيب خلال مظاهرة "يوم المقاومة" في تل أبيب، إسرائيل، 18 يوليو، 2023.

يُذكَر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني، بنيامين نتنياهو، خوفا من تخلي حلفائه الأكثر يمينية مقارنة به عنه، لا يزال يسترضيهم بالإنفاق على مشاريع غير ضرورية، ولا سيما في زمن الحرب الذي تعبئ فيه الدول المحاربة إمكاناتها للمجهود الحربي، وتشمل مشاريع حلفاء نتنياهو هذه مشاريع تربية عقائدية واستيطانية. وبلغت آخر دفعة أقرها نتنياهو في هذا الصدد ما يوازي 3.6 مليارات دولار، خصصها لمشاريع الأحزاب اليمينية المتطرفة المتحالفة معه في حكومته الائتلافية.

قطاعات متضررة

قبل أشهر من الحرب، توصلت "حماس" وإسرائيل إلى تفاهمات اقتصادية، شملت تخفيف الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة من خلال إجراءات كثيرة، أهمها منح آلاف العاملين الغزيين إجازات للعمل داخل إسرائيل، ولا سيما في مجال البناء. مع اندلاع الحرب، وإجبار إسرائيل ما لديها من عاملين غزيين على العودة إلى القطاع في ظروف غير إنسانية في حالات كثيرة، توقفت مشاريع بناء عديدة داخل الدولة العبرية، وبدأت مشاريع كثيرة تطالب الحكومة الإسرائيلية بدعم مالي لكي تتمكن من الصمودفي انتظار استئنافها العمل. 

من القطاعات المتضررة قطاع الفنادق الذي أُكرِه على استقبال نازحين إسرائيليين من مدن وبلدات وقرى ومستوطنات غير آمنة، وتضطر فنادق كثيرة إلى مطالبة الجهات التي تزودها الخدمات وعملائها الدوريين وحتى موظفيها إلى مدها بالمال لكي تتمكن من الصمود. ويشكو قطاع الضيافة عموما من انهيار إنفاق المستهلكين على خدماته إذ قلصوا نفقاتهم على غير الأساسيات منذ بدء القتال. وتقدر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن السياحة الدولية تمد الناتج المحلي الإسرائيلي بـ 2.8 في المئة من قيمته وتدعم 230 ألف وظيفة في القطاع، أو نحو ستة في المئة من القوة العاملة. وتشير تقديرات إلى انهيار عدد السائحين في أكتوبر/تشرين الأول بنسبة 76 في المئة، مقارنة بالشهر نفسه من عام 2022.

وفي تقرير صدر بعد أسبوعين من عملية "حماس"، المسماة "طوفان الأقصى"، أفاد "معهد سياسات الأمة الناشئة"، وهو مؤسسة بحثية، بأن قطاع التكنولوجيا الحاسم في الاقتصاد الإسرائيلي (18.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي) كان يتكبد خسائر فادحة بسبب الحرب – التي كانت في مراحلها الأولى.ونقل عن 80 في المئة من الشركات التكنولوجية تعرضها إلى ضرر بسبب "الوضع الأمني" المتفاقم، في حين شدد ربعها على معاناته من "ضرر مضاعف، على صعيد الموارد البشرية وفي ما يخص الحصول على رأس مال استثماري". ذلك أن مهندسي القطاع وعامليه لم ينجوا من الاستدعاء إلى القتال، في حين أن المستثمرين لم يعودوا مطمئنين إلى استثماراتهم في ضوء التداعي السريع للوضع الأمني داخل الدولة العبرية. ووفق التقرير، أفادت 40 في المئة من شركات التكنولوجيا بأن اتفاقات استثمار جرى تأجيلها أو إلغاؤها في حين لا يتمكن سوى 10 في المئة من الشركات من عقد اجتماعات مع مستثمرين.

حرب غزة كشفت عن الأخطار الجيوسياسية العالية التي تواجهها المنطقة، وإذا اتسعت رقعة الحرب، فلن ينجو قطاع النفط والغاز 

غاز شرق البحر المتوسط

في مجال الطاقة، تقول نعوم ريدان، الزميلة الأقدم في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، بأن قطاع الطاقة يُعَدّ أحد المؤشرات على التكاليف الباهظة التي ستدفعها المنطقة في حال نشوب صراع أوسع نطاقا، "مع بعض التداعيات التي يمكن قياسها بالفعل في بعض البلدان". وفي تقرير نشره المعهد، لفتت إلى أن "إسرائيل، مع زيادة إنتاجها من الغاز من 16.11 مليار متر مكعب عام 2020 إلى 21.92 مليار متر مكعب العام الماضي، وسعت تعاونها في مجال الطاقة مع مصر. وفي غضون ذلك، توسطت واشنطن في اتفاق حدود بحرية تاريخي بين إسرائيل ولبنان يسمح للطرفين بالبدء بالتنقيب عن الغاز وحفر الآبار في المياه التي كان متنازعا عليها سابقا. ظاهريا، بدا أن المنطقة تدخل مرحلة من التعاون في مجال الطاقة والأمن. ثم جاءت حرب إسرائيل مع "حماس".

في 9 أكتوبر/تشرين الأول، علقت إسرائيل الإنتاج من حقل "تمار"، ثاني أكبر حقل للغاز لديها، بسبب مخاوف متعلقة بالسلامة. ويلقي هذا الأمر بظلال من عدم اليقين على صادرات الغاز إلى مصر، التي تعاني من زيادة الاستهلاك المحلي. وفي وقت لاحق، أُغلِقت محطة النفط الإسرائيلية في عسقلان أمام السفن وسط الهجمات الصاروخية. وإذا اتسع النزاع ليشمل "حزب الله" في لبنان، فسيؤدي إلى تفاقم أزمة الطاقة الحادة أساسا في لبنان، وفق التقرير. 

REUTERS
لوحة إلكترونية تعرض بيانات السوق عند مدخل بورصة تل أبيب، إسرائيل.

وفي حين أن صادرات الغاز الإسرائيلية المحتملة إلى الاتحاد الأوروبي هي أقل بنسبة 15 في المئة من الغاز الذي باعته روسيا للاتحاد الأوروبي عام 2021، أي قبل حرب أوكرانيا، والذي بلغ حجمه 155 مليار متر مكعب، ففي إمكان الغاز الإسرائيلي أن يكون مفيدا للحكومات الأوروبية بينما تسعى إلى تنويع إمداداتها وتقليل اعتمادها على موسكو. لتحقيق هذه الغاية، وقّع الاتحاد الأوروبي مذكرة تفاهم مع مصر وإسرائيل في يونيو/حزيران 2022 لشحن الغاز المنتج في أي من البلدين إلى القارة عبر منشأتين للغاز الطبيعي المسال في مصر غير مستغلتين في شكلٍ كافٍ، وهما مصنع "إدكو" الذي تديره شركة "شل" ومصنع دمياط الذي تديره شركة "إيني". "لكن زيادة إنتاج مصر ستتطلب زيادة الإنتاج وتطوير البنية التحتية"، وفق معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى. 

وتُظهر أرقام الحكومة الإسرائيلية "أن 63 في المئة من صادراتها من الغاز ذهبت إلى مصر، و37 في المئة إلى الأردن عام 2022. وتتزايد الصادرات إلى مصر، التي تُنقَل من عسقلان إلى العريش، ومنذ عام 2020. وفي العام المنصرم، زادت تدفقات الغاز الإسرائيلي إلى مصر عبر خط أنابيب شركة 'غاز شرق المتوسط' (إي إم جي) إلى 5.81 مليار متر مكعب، من 4.23 مليار متر مكعب عام 2021 و2.16 مليار متر مكعب عام 2020. وبينما تنتج مصر الغاز الخاص بها وتطمح إلى أن تصبح مركزا إقليميا لهذا القطاع، إلّا أنها شهدت انخفاضا في الإنتاج في السنوات الأخيرة، مما أثر على قدرتها على تلبية الطلب المحلي وتصدير الغاز الطبيعي المسال".

وختمت ريدان بالقول: "على مدى السنوات القليلة الماضية، شجعت واشنطن دول شرق البحر المتوسط ​​على تنويع مصادر الطاقة لديها، ومعالجة تغير المناخ في الوقت نفسه. ونجحت ديبلوماسية الطاقة هذه في بعض المناطق، لكن حرب غزة كشفت عن الأخطار الجيوسياسية العالية التي تواجهها المنطقة. وإذا اتسعت رقعة الحرب، فلن ينجو قطاع النفط والغاز من تداعياتها الاقتصادية، وستؤجل خطط الطاقة الخاصة بالحكومات في المنطقة إلى سنوات عدة".

font change

مقالات ذات صلة