حرب غزة والداخل الأميركي

Sebastien Thibault
Sebastien Thibault

حرب غزة والداخل الأميركي

بداية، قوبل هجوم "حماس" يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول بتضامن شعبي مبدئي مع إسرائيل، خلال الأيام التي تلت الهجوم، ولكن سرعان ما تغير ذلك حين ضاعفت إسرائيل حملتها في غزة التي تسببت في مقتل أكثر من 14 ألفا من سكان غزة– بينهم كما ورد في التقارير أكثر من 40 في المئة من الأطفال- مما يثير تساؤلات حول الآثار الإنسانية للهجوم على المدنيين الفلسطينيين. ورغم أن الحزب الجمهوري حافظ على إجماع عام حول الدعم الكامل لإسرائيل وهجومها ضد "حماس"، فقد أظهر الحزب الديمقراطي انقسامات ملحوظة حول المدى الذي ينبغي للولايات المتحدة أن تدعم فيه الحملة الإسرائيلية، إن كان عليها فعل ذلك في الأساس.

وقد شكل هذا الموقف المنقسم تحديا لإدارة بايدن وعقبة أمام ترشحه في السباق الرئاسي لعام 2024، ما جعل بايدن وحملته يحاولان تبني توازن دقيق بين دعم إسرائيل وحماية المدنيين الفلسطينيين، وسط تغير المواقف العامة وانتقادات الحزب الديمقراطي المتزايدة.

الإجماع الجمهوري

أبدى الحزب الجمهوري في أعقاب هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول دعما قويا لإسرائيل، ووجد استطلاع أجرته جامعة ميريلاند بالتعاون مع شركة "إبسوس"، أن 71.9 في المئة من الجمهوريين يعبرون عن دعمهم لإسرائيل، وقد تضاعفت هذه النسبة مرتين تقريبا مقارنة باستطلاع سابق أجري في يونيو/حزيران من العام نفسه عندما أعرب 47.3 في المئة فقط من الجمهوريين عن دعمهم لإسرائيل.

وافق مجلس النواب ذو الأغلبية الجمهورية على حزمة مساعدات عسكرية لإسرائيل بقيمة 14.5 مليار دولار

وفي لجنة المراقبة بمجلس النواب، حيث يسيطر الجمهوريون على الأغلبية، وقّع كثير من الأعضاء الجمهوريين على رسالة موجهة إلى مديرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية سامانثا باور، معربين عن عزمهم التحقيق في المساعدات الإنسانية التي تقدمها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية إلى غزة والضفة الغربية للتأكد من أن أموال دافعي الضرائب لا تجيّر لصالح "حماس".
وافق مجلس النواب ذو الأغلبية الجمهورية على حزمة مساعدات عسكرية بقيمة 14.5 مليار دولار. كانت هذه المبادرة حزبية إلى حد كبير، وتسببت في توترات مع الديمقراطيين المؤيدين لإسرائيل وإدارة بايدن بسبب تخفيضات تمويل دائرة الإيرادات الداخلية (مصلحة الضرائب) لتأمين هذه المساعدات. واستخدمت إدارة بايدن حق النقض ضد مشروع القانون بسبب عدم وجود مخصصات إنسانية للفلسطينيين وأنه لا يراعي معايير الحزبين فيما يتعلق بمساعدات الأمن القومي الطارئة، ما يدل على اتساع الفجوة بين الديمقراطيين والجمهوريين فيما يتعلق بالمساعدات الخارجية.

Sebastien Thibault


وفي المناظرة الرئاسية التي جرت بين المرشحين الجمهوريين للرئاسة في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني، احتلت الأزمة في غزة مركز الاهتمام. وبذل المرشحون جهدهم ليقدموا أنفسهم كمؤيدين أقوياء لإسرائيل ومتشددين تجاه إيران. وأعرب المرشحون الخمسة الذين شاركوا في المناظرة- الحاكم رون ديسانتيس، والسفيرة نيكي هايلي، والحاكم كريس كريستي، وفيفيك رامازوامي، والسيناتور تيم سكوت- عن دعمهم الثابت لإسرائيل وموقفهم القوي ضد "حماس".
وقد ربط بعض المرشحين، مثل رون ديسانتيس، وتيم سكوت، الصراع بالخلافات الأوسع بين الروايات الثقافية والسياسية الأوسع في الولايات المتحدة. وانتقد ديسانتيس التغطية الإعلامية للظروف الإنسانية الفلسطينية والهجمات ضد الأميركيين المسلمين، ووصفها بأنها "ما يسمى الإسلاموفوبيا"، وقال إن وسائل الإعلام تتجاهل حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، فيما هدد تيم سكوت بترحيل الطلاب الذين يحملون تأشيرات والذين يحملون معتقدات مؤيدة لـ"حماس" أو معادية للسامية، في رده على المناقشات والمظاهرات في الحرم الجامعي.

أعرب بعض المرشحين، عن شكوكهم بشأن تقديم المساعدة لأوكرانيا. ويقولون إن المساعدة الأميركية يجب أن تعطي الأولوية لحرب إسرائيل ضد "حماس"، مما قد يؤدي إلى إعادة توزيع المساعدات بعيدا عن أوكرانيا

وشدد مرشحون آخرون، مثل نيكي هايلي، وكريس كريستي، على دعمهما غير المشروط لإسرائيل، قائلين إن الولايات المتحدة يجب أن تزود إسرائيل بكل ما تحتاجه، وتردد صدى ذلك في تصريحات الحاكم كريس كريستي الذي خاطب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قائلا: "أميركا معكم، في أي شيء تحتاجونه"، وأشار إلى عزمه القيام برحلة إلى إسرائيل للقاء مسؤولين وعائلات الرهائن، ليصبح أول مرشح جمهوري يزور إسرائيل بعد هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول.
 وفي الإجمال، أرسل المرشحون الجمهوريون رسائل واضحة حول مواقفهم من "حماس" ودعمهم للحملة العسكرية الإسرائيلية البرية والجوية، فشجعت الحاكمة هايلي إسرائيل على "القضاء" على "حماس"؛ وقال رون ديسانتيس إن إسرائيل بحاجة إلى "إنهاء المهمة مرة واحدة وإلى الأبد مع هؤلاء الجزارين [حماس]"، فيما أكد السيناتور تيم سكوت على ضرورة "محو حماس من الخريطة".
ومع ذلك، فمن الممكن أن يواجه هذا الإجماع حول دعم إسرائيل بعض التحديات بمرور الوقت، مع استمرار الصراع وتزايد انتقاد الفصائل الانعزالية في الحزب الجمهوري لمشاركة الولايات المتحدة. وكان أحد المرشحين الجمهوريين البارزين، فيفيك رامازوامي، قد ابتعد عن إجماع الحزب بشأن إسرائيل في وقت مبكر، حتى قبل هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، حين اقترح أن تخفض الولايات المتحدة المساعدات المالية والأمنية لإسرائيل والتي تبلغ أكثر من 3.8 مليار دولار. ويركز اقتراحه على تعزيز جهود التطبيع الإقليمية الفعالة، بهدف تقليل اعتماد إسرائيل على المساعدات العسكرية والاقتصادية الأميركية، والتي تم التعهد بها حتى نهاية عام 2028. وقد أثار هذا الاقتراح جدلا، خاصة مع المرشحين المحافظين تقليديا مثل نيكي هايلي، فيما يتعلق بالمبادئ الأساسية للدعم الأميركي لإسرائيل. وفوق ذلك، اتهم رامازوامي المرشحين الذين شجعوا الترحيل ومواجهة الجماعات الناشطة المؤيدة لفلسطين في الحرم الجامعي بالرقابة، وهو ما يمثل انفصالا ملحوظا عن المرشحين.
ولكن الحرب في غزة، التي بدت وكأنها تعرقل جهود التقارب بين إسرائيل وخصومها الإقليميين والعرب التاريخيين، جعلت رامازوامي يتراجع ببطء عن تأييد هذا الاقتراح على منصة المناظرة الرئاسية، وحاول أن يبدي موقفا مؤيدا لإسرائيل أكثر. ومع ذلك فإن ابتعاد رامازوامي عن أقرانه الجمهوريين يدل على انقسام محتمل في سياسة إسرائيل داخل الحزب.
وقد أعرب بعض المرشحين، بما في ذلك السيناتور جوش هولي، عن شكوكهم بشأن تقديم المساعدة لأوكرانيا. ويقولون إن المساعدة الأميركية يجب أن تعطي الأولوية لحرب إسرائيل ضد "حماس"، مما قد يؤدي إلى إعادة توزيع المساعدات بعيدا عن أوكرانيا. بالإضافة إلى ذلك، من الممكن، كما هو الحال في الحرب في أوكرانيا، أن يتفتت الإجماع داخل الحزب حول دعم إسرائيل. وقد يحدث هذا مع تزايد الانتقادات بين أعضاء الحزب اليميني المتطرف، وخاصة بين الفصائل الانعزالية أو ذات التوجهات التقييدية، الذين يرون أن الولايات المتحدة يجب أن تتجنب التورط في صراع آخر في الشرق الأوسط وأن تركز بدلا من ذلك على المنافسة في مسرح المحيط الهادئ أو الإصلاحات الداخلية.

أدى دعم طليب لفلسطين إلى مزيد من الانقسام بين المشرعين، بعد أن نشرت تغريدة فيها عبارة "من النهر إلى البحر"، مما أدى إلى زيادة حدة انتقادها

انضم الديمقراطيون إلى المشرعين الجمهوريين في الأسابيع الأولى التي أعقبت هجوم "حماس" يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، في إدانة "حماس" والتعبير عن الدعم بالإجماع لإسرائيل، بيد أن تزايد أعداد القتلى والخسائر الإنسانية، وتغير المواقف العامة واندلاع المظاهرات الغاضبة، والتقارير عن الهجمات العشوائية على البنية التحتية المدنية، بدأت كلها في تفتيت استجابة المشرعين الديمقراطيين.

انقسام بين أعضاء الحزب الديمقراطي
 

وينقسم الديمقراطيون الآن بين مؤيد لفلسطين ومؤيد لإسرائيل وثالث يسعى إلى ضبط النفس والحياد. ووفقا لاستطلاع القضايا الحرجة الذي أجرته جامعة ميريلاند، انخفض عدد الديمقراطيين والمستقلين في المعسكر المحايد، مع انخفاض نسبة الديمقراطيين من 73.4 في المئة إلى 57.4 في المئة منذ شهر يونيو/حزيران الماضي، وانخفاض نسبة المستقلين (من غير الحزبين الكبيرين) من 71.4 في المئة إلى 53.6 في المئة.
في حين أشارت استطلاعات الرأي الأولية إلى أن المزيد من الديمقراطيين أيدوا إسرائيل في أعقاب هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وارتفعت نسبتهم من 13.7 في المئة في يونيو/حزيران إلى 30.9 في المئة في أكتوبر/تشرين الأول، ومع ذلك فإن الاحتجاجات الأخيرة في جميع أنحاء البلاد والمخاوف بشأن المعاملة السيئة للفلسطينيين سلطت الضوء على الانقسام بين الجناح اليساري والجناح المعتدل في الحزب الديمقراطي بشأن مسألة السياسة الخارجية هذه.
وقد أدى مشروع قانون التمويل الطارئ الذي اقترحه الجمهوريون في مجلس النواب لإسرائيل إلى تفاقم هذا الانقسام بشكل خاص بين الديمقراطيين، وخاصة الديمقراطيين اليهود الذين يسعون إلى تعزيز المساعدات لإسرائيل مع الحفاظ أيضا على خط الحزب.
ولكن مشروع القانون الذي تجاهل تقديم الدعم لأوكرانيا، والمساعدة الإنسانية للفلسطينيين، وحاول تخفيض حصة مصلحة الضرائب الأميركية من الإنفاق لتأمين المساعدة الطارئة لإسرائيل، ولّد في النهاية جبهة موحدة بين الديمقراطيين في معارضة مشروع القانون.

Sebastien Thibault


وقال النائب غريغوري ميكس، كبير الديمقراطيين في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب: "رسالتي إلى تجمع الديمقراطيين في مجلس النواب هي: إذا كنت مؤيدا فعلا لإسرائيل، فعليك أن تصوّت بلا، لأن الجمهوريين يلعبون لعبة سياسية بهذا المشروع". وأشار إلى أن المساعدات لإسرائيل والأمن القومي لم تكن مشروطة من قبل أبدا، وهذه الخطوة من شأنها أيضا أن تزيد العجز.
ومع ذلك، فإن بعض الديمقراطيين، مثل النائب جاريد موسكوفيتش من فلوريدا، والنائبة ديبي واسرمان من فلوريدا، والنائب براد شنايدر من إيلينوي، لديهم تحفظات بشأن معارضة مشروع القانون، بسبب الضغط الكبير الذي يواجهه ناخبوهم لإظهار الدعم والتضامن مع إسرائيل، بغض النظر عن العواقب السياسية المحتملة.
والأهم أن هناك الآن ديمقراطيين خرجوا على الخط الحزبي بشأن الدعم الكامل لإسرائيل، ساعين إلى تغيير السياسة الأميركية تجاه إسرائيل وفلسطين لزيادة الدعم للفلسطينيين ولحل الدولتين.
ودعا ممثلون في الكونغرس، مثل رشيدة طليب من ميتشيغان، إلى رفع الحصار الإسرائيلي وتفكيك "نظام الفصل العنصري"، وذلك بعد يوم فقط من هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول. كما أصدر النائب كوري بوش أيضا بيانا يدعو ليس فقط إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حماس"، بل إلى إنهاء دعم الولايات المتحدة "للاحتلال والفصل العنصري" الإسرائيليين أيضا. وأثارت تصريحات طليب وبوش جدلا بين المشرعين الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء، حيث ذكر ممثلون مثل ريتشي توريس أن طليب وبوش يمجدان المقاومة، مؤكدا أن "المساعدات الأميركية لإسرائيل كانت ويجب أن تظل دون شروط".
وأدى دعم طليب لفلسطين إلى مزيد من الانقسام بين المشرعين، بعد أن نشرت تغريدة فيها عبارة "من النهر إلى البحر"، مما أدى إلى زيادة حدة انتقادها، وبلغ الأمر مبلغا طالب فيه بعض المشرعين الجمهوريين، مثل النائب ديريك فان أوردن، بطردها من الكونغرس. ولم تأت الانتقادات من الجمهوريين فحسب، مثل النائب مايك لولر، والنائب جيف فان درو، ولكن أيضا من أقرانها في الحزب الديمقراطي، وبالفعل وقع 70 منهم على رسالة تنتقد استخدامها للشعار الفلسطيني القومي. واعتلت النائبة طليب منصة الحديث في قاعة مجلس النواب للدفاع عن نفسها وهي تغالب الدموع، قائلة: "لا يمكن التخلص من الفلسطينيين"، مكررة دعوتها إلى وقف إطلاق النار. ولكن جلسة مجلس النواب انتهت بالتصويت على توبيخها بأغلبية 234 صوتا مقابل 188 صوتا معارضا.


محنة بايدن


كشفت استطلاعات الرأي أن أميركيين، يمثلون الحزبين الجمهوري والديمقراطي، أبدوا انتقادات لتوجه الرئيس بايدن تجاه غزة، وإن كان لأسباب مختلفة. ومن بين المستجيبين الجمهوريين، قال 26 في المئة إن موقف الإدارة أظهر محاباة مفرطة تجاه الفلسطينيين. وفي المقابل، أعرب 24.4 في المئة من المشاركين الديمقراطيين عن عدم موافقتهم على ذلك، معتقدين أن بايدن يميل كثيرا لصالح إسرائيل وهجومها المستمر في غزة.

الانقسام المتزايد بين الديمقراطيين بشأن موقفهم من إسرائيل، إلى جانب موجة الدعم المتزايدة لإسرائيل، يضع الرئيس بايدن أمام موقف صعب بينما يتطلع إلى الانتخابات الرئاسية لعام 2024

وأبرزت الاستطلاعات أيضا أن غزة تمثل تحديا كبيرا في السياسة الخارجية لإدارة بايدن وتحمل آثارا أوسع على المصالح الأميركية في الشرق الأوسط. ومن المتوقع أن تكون هذه القضية مؤثرة ومحددة لترشح بايدن في انتخابات 2024.
وبينما أشار 52.8 في المئة من أفراد العينة إلى أن غزة لن تؤثر على قراراتهم التصويتية، قال 30.9 في المئة إنهم أقل ميلا الآن للتصويت لبايدن بسبب نهجه في التعامل مع الملف الإسرائيلي الفلسطيني، قابلهم 14.2 في المئة قالوا إنهم أكثر ميلا للتصويت في صالحه. وفي حين أعرب غالبية الجمهوريين عن عدم احتمالية دعمهم لبايدن، لا تزال هناك نتيجة ملحوظة داخل حزبه الديمقراطي، حيث أفاد 10.8 في المئة من الديمقراطيين أنهم أقل احتمالية للتصويت لصالح بايدن بناء على تعامل الإدارة مع غزة.
إن الانقسام المتزايد بين الديمقراطيين بشأن موقفهم من إسرائيل، إلى جانب موجة الدعم المتزايدة لإسرائيل، يضع الرئيس بايدن أمام موقف صعب بينما يتطلع إلى الانتخابات الرئاسية لعام 2024. ومن الواضح أن هذه القضية ستحتل مركز الصدارة باعتبارها تحديا كبيرا للسياسة الخارجية في الشرق الأوسط. وستجبر هذه الديناميكيات المتطورة إدارة بايدن وحملته الرئاسية على السير بدقة في مسار يوازن بين تأييد القدرات الدفاعية الإسرائيلية، وتقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين في غزة، والبحث بنشاط عن سبل لخفض التصعيد تظهر القيادة الأميركية الاستباقية في هذه الأزمة.

font change

مقالات ذات صلة