من فسحة حرية إلى تطبيق ديكتاتوري؟
عانى "تويتر" منذ انضمامه إلى عائلة استثمارات ماسك، وأبرزها شركتا "تيسلا" و"سبايس أكس"، من "خضات" عديدة نتيجة تقلباته المزاجية وأسلوبه غير التقليدي في الإدارة ومقاربة الأمور، على عكس الصورة التي انطبعت في أذهان كثيرين وأظهرته رجل أعمال ناجحا وعظيما، قاد شركاته واستثماراته الأخرى إلى مستويات مليارية. لكن يبدو أن ماسك أخطأ في تقدير ماهية "تويتر" وأن مسؤولية الإشراف على المحتوى أمر صعب جدا، وكذلك ما يحتاجه تشغيل هذه المنصات في حد ذاتها، وفي سياق الديموقراطيات تحديدا. وهو ما وصفه لورانس ليسيج، أستاذ القانون في جامعة هارفرد، بـ"وجهة نظر ساذجة للغاية" لحرية التعبير.
أبلغ رد فعل على ذلك، كان الضربة الموجعة التي تلقاها التطبيق حين خفض أكبر عشرة معلنين على المنصة إنفاقهم بنسبة 89 في المئة، من 71 مليون دولار إلى 7,6 ملايين دولار خلال شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول من العام المنصرم بعد استحواذ ماسك على المنصة، بحسب تقديرات شركة "سانسور تاور" للأبحاث، فقد كانت كثيرة الأسباب التي تدفع إلى القلق في شأن سلامة العلامة التجارية للمنصة واستقرارها.
كما عكس التطبيق حالة من الإحباط الكبير لدى المستخدمين والمتابعين على حد سواء، بسبب قرارات ماسك المتتالية، التي حجبت أصوات كثيرين وفقا لمعايير جديدة كان قد فرضها، واعتبرت مجحفة وغير منطقية، من حظره للعديد من الصحافيين، إلى طرد مديري المحتوى الساهرين على التعامل مع خطاب الكراهية، والمهندسين والمشرفين، مما أثار سخط موظفيه وصنّاع المحتوى وعشاق التغريد.
ما إن تسلم ماسك دفة القيادة حتى جرد الشركة من أبرز مديريها التنفيذيين، ثم سرح نحو 5000 موظف، أي نحو ثلثي فريق الشركة، خلال الأسابيع التالية، ليتحول هذا الفريق إلى شبه هيكل عظمي موكل بتحقيق رؤية ماسك.
هذا عدا بعض السلوكيات العنصرية التي أبداها، والتغريدات المثيرة للجدال التي أطلقها في مناسبات عدة، مما دفع بالرئيس التنفيذي السابق لـ "تويتر"، جاك دورسي، إلى انتقاده بسبب التغيير السلبي لوجه المنصة والخسائر التي منيت بها على الصعيدين المعنوي والمالي.
فكيف انقلبت حال "تويتر" من شعبية عارمة وفسحة حرية نموذجية إلى نفور وحكم "ديكتاتوري" بمغريات لا تغني ولا تسمن من جوع؟
2023 عام حافل بكل المقاييس شهد فيها "تويتر" تغيرات كبيرة في الصميم، أكان من الناحية التقنية، وتغييرات الوصول إلى واجهة برمجة التطبيقات (API)، وإلغاء الحظر، وإتاحة العلامة الزرقاء لمن يدفع بعد أن كانت دلالة على إمكان الوثوق بالمعلومات الواردة في الحسابات، وغيرها من التعديلات الفوضوية، أم من الجهة الاستراتيجية التي أدت في النتيجة إلى اندثار التطبيق وتغيير قيادته وظهور منافس له، لتتوج أبرز تحولات التطبيق العريق بتغيير اسمه وهويته المؤسساتية.
يمكن ايجاز المراحل التي مر بها التطبيق بأربع محطات رئيسة حتى الآن:
المحطة الأولى، وداعا "تويتر"
أولى محطات التحول، كانت إعلان ماسك في أبريل/نيسان المنصرم دمجه شركة التواصل الاجتماعي العملاقة مع شركة "أكس كورب" (X Corp) اللتين يملكهما، في توجه إلى تحويل "تويتر" إلى تطبيق "فينتك" الواسع النطاق، أو ما سيعرف بتطبيق "أفريثينغ"، أي "كل شيء"، الذي لا يزال موعودا ولم يعرف مصيره بعد، والذي يعتمد على البيانات القائمة في الدرجة الأولى، طامحا إلى أن يكون أقوى شركة تكنولوجيا مالية على الإطلاق، من قاعدة تحوي أكثر من 250 مليون مستخدم، يضاهي بها تطبيق "وي تشات" الصيني الرائد، صاحب المليار و300 مليون مستخدم في الصين وحدها. ولم يكن شراء "تويتر" في أكتوبر/تشرين الأول المنصرم إلا محفزا لتسريع إنشاء هذا التطبيق، على حد قول ماسك. وكانت تلك الخطوة الأولى نحو اندثار علامة "تويتر" واستبدالها بأخرى، والمعركة الوجودية الأولى التي خاضها التطبيق.
المحطة الثانية: ليندا يكارينو
تعرض ماسك إلى وابل من الانتقادات خلال مسيرته القصيرة في إدارة شؤون "تويتر" نظرا إلى سلوكه الاعتباطي في التعامل مع مستخدمي التطبيق وموظفيه، ليدرك على إثرها أنه على رأس الأسباب التي أدت إلى زعزعة أسس التطبيق، إن لم يكن السبب الأوحد لذلك. فباعتباره أحد أكثر مستخدمي المنصة شهرة ونشاطا حتى قبل أن يستحوذ على الشركة، كانت لدى ماسك تجربة فريدة على "تويتر" تختلف في أسلوبها وبشكل ملحوظ عن المستخدمين العاديين. وكان العديد من التغييرات التي أدخلها على "أكس" مبنيا على انطباعاته الشخصية عن الموقع، وحين قام باستطلاع آراء الملايين من متابعيه للحصول على المشورة في شأن كيفية تشغيله، كان الجواب الأبرز أنه يجب عليه التنحي!
أيلون ماسك وشعار "X" الجديدلم يتردد، لجأ ماسك تاليا إلى الاستقالة من منصبه كرئيس تنفيذي لـ "تويتر" محتفظا لنفسه بدور بارز في الشركة كرئيس مجلس إدارة تنفيذي ورئيس قسم التكنولوجيا، وعيّن مكانه مديرة تنفيذية جديدة في مايو/أيار 2023، هي ليندا يكارينو، الرائدة في حقل الإعلانات، في مهمة إنقاذية لـ "تويتر"، وذلك بعد صرف نحو نصف الموظفين وتراجع العائدات الإعلانية إلى نحو النصف ودعاوى قضائية جلها يتعلق بتعويضات الصرف التعسفي لكثير من موظفي "تويتر"، وآخر هذه الدعاوى تلك التي وجهتها ضد ماسك هيئة الأوراق المالية والبورصة في الولايات المتحدة مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي في محاولة لإجباره على الإدلاء بشهادته في شأن شرائه "تويتر" العام المنصرم واحتمال ارتكاب عمليات احتيال في الأوراق المالية عند شراء أسهم الشركة وانتهاك القوانين الفيديرالية.