ماذا حدث لطفرة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي؟

هل يكون وعداً مخيباً للآمال أم يحتاج الى وقت... ولنتذكر "الميتافيرس"

 Shutterstock
Shutterstock

ماذا حدث لطفرة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي؟

يعتقد اقتصاديون كثر بأن الذكاء الاصطناعي التوليدي على وشك احداث تحول كبير في الاقتصاد العالمي. يفيد تقرير نُشِر العام المنصرم بقلم إيجي إرديل وتماي بيسير أوغلو، الخبيرين لدى شركة "إيبوك" للبحوث، بأن "النمو الهائل"، وارتفاع الناتج المحلي الإجمالي في شكل كبير، "ممكن مع الذكاء الاصطناعي القادر على الحلول محل العمل البشري على نطاق واسع". ويقول إريك برينيولفسون، الأستاذ في جامعة "ستانفورد"، إنه يتوقع من الذكاء الاصطناعي "تحريك طفرة في الإنتاجية خلال السنوات المقبلة".

لكن لكي يحدث تحول اقتصادي من هذا القبيل، تحتاج الشركات إلى الإنفاق في شكل كبير على البرمجيات والاتصالات والمصانع والمعدات الجديدة، الأمر الذي يمكّن الذكاء الاصطناعي من الاندماج في عملياتها الإنتاجية.

كان من الضروري أن تحدث طفرة استثمارية ليمكن للاختراعات التكنولوجية السابقة، مثل الجرار أو الكومبيوتر الشخصي، الانتشار في الاقتصاد. مثلاً، زادت الاستثمارات الأميركية غير السكنية بين عامي 1992 و1999 بنسبة ثلاثة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، نتيجة الإنفاق الزائد في شكل كبير على تكنولوجيات الحواسيب. ومع ذلك، لا تظهر حتى الآن اندفاعة استثمارية في مجال الذكاء الاصطناعي. لا يزال إنفاق الشركات الرأسمالي ضعيفاً للغاية، في كل أنحاء العالم.

تباطؤ رأس المال

بعد نمو بطيء في الأعوام السابقة لجائحة "كوفيد-19"، زاد الإنفاق الرأسمالي اثر رفع الإغلاقات. بداية عام 2022، كان الانفاق يرتفع بمعدل سنوي يبلغ نحو ثمانية في المئة. وسيطر التفاؤل بالتكنولوجيا على بعض الشركات، في حين سعت أخرى إلى تعزيز سلاسل الإمداد. ثم تباطأ رأس المال في وقت لاحق من العام نفسه، بسبب تأثيرات عدم اليقين الجيوسياسي وارتفاع معدلات الفوائد. وعشية إطلاق "أوبن إيه آي" برنامج "جي بي تي-4" في مارس/آذار 2023، كان الإنفاق الرأسمالي العالمي الإجمالي ينمو بمعدل سنوي يبلغ نحو 3 في المئة.

تحتاج الشركات إلى الإنفاق في شكل كبير على البرمجيات والاتصالات والمصانع والمعدات الجديدة، بما يمكن الذكاء الاصطناعي من الاندماج في العمليات الإنتاجية

اليوم، تزيد بعض الشركات الإنفاق الرأسمالي مرة أخرى للافادة مما تراه فرصة هائلة في مجال الذكاء الاصطناعي. هذه السنة، تشير توقعات إلى أن إنفاق "مايكروسوفت" (بما في ذلك في البحث والتطوير) سيرتفع على الأرجح بنحو 20 في المئة. ومن المرجح أن يرتفع إنفاق "نيفيديا" بأكثر من 30 في المئة. وكان رئيس "ميتا" مارك زوكربيرغ قال في نهاية العام المنصرم: "سيكون الذكاء الاصطناعي أكبر مجال للاستثمار لدينا عام 2024، سواء في الهندسة أو الموارد الكومبيوترية".

Shutterstock

الإنفاق الاستثماري على قطاع التكنولوجيا

على الرغم من ذلك، تبقى طموحات الاستثمار متواضعة في أماكن أخرى، وباستثناء الشركات التي تقود ثورة الذكاء الاصطناعي، مثل "مايكروسوفت" و"نيفيديا"، تخطط شركات مدرجة في مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" لرفع الإنفاق الرأسمالي" بنحو 2.5 في المئة فقط عام 2024، أي بمقدار يتناسب مع التضخم. في الاقتصاد كله عموما، يبدو الوضع أكثر سوءاً حتى يُظهر مؤشر "متابع" للإنفاق الرأسمالي الأميركي تحتسبه "غولدمان ساكس"، صورة لإنفاق الشركات، ويشير إلى النيات المستقبلية. حالياً، يتراجع بنسبة 4 في المئة، محتسبة على أساس سنوي. 

لكن هل يرتفع على الأقل الإنفاق على تكنولوجيا المعلومات، مع الإثارة كلها التي تحيط بإمكانات الذكاء الاصطناعي التوليدي؟ ليس تماماً. ففي الفصل الثالث من عام 2023، تراجعت استثمارات الشركات الأميركية في "معدات وبرمجيات معالجة المعلومات" بنسبة 0.4 في المئة مقارنة بالعام السابق.

ثمة اتجاهات مماثلة يمكن مشاهدتها في العالم. فوفقاً لبيانات الحسابات الوطنية لنادي منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، الذي يضمّ معظم الدول الغنية، وهي تصل إلى الربع الثالث من سنة 2023، يشهد الإنفاق الاستثماري، بما في ذلك استثمار الحكومات، مزيداً من التباطؤ عما كان عليه قبل الجائحة. كما يشير مقياس عالي التردّد للإنفاق الرأسمالي العالمي صادر عن "جيه بي مورغان تشيس" إلى نمو ضئيل جداً. ويساعد ضعف الإنفاق الرأسمالي في إيضاح لماذا تنخفض المؤشرات على نمو الإنتاجية، وفقاً لمقياس مستمدّ من استطلاعات مديري المشتريات في الوقت الفعلي.

يتجه الإنفاق الاستثماري، بما فيه إنفاق الحكومات، إلى النمو بوتيرة أبطأ مقارنة بالأعوام السابقة للجائحة، وفق بيانات الحسابات الوطنية التي تصدرها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية

ويشير استطلاع رسمي في اليابان إلى ارتفاع حادّ بالفعل في الإنفاق الرأسمالي، بعد سنوات من الركود. لكن ذلك يعكس على الأرجح عوامل خاصة بتلك الدولة، مثل إصلاحات حوكمة الشركات. وتبدو الصورة أقل تشجيعاً في معظم الأماكن خارج الولايات المتحدة. وآفاق الوضع الاقتصادي المتزايدة السوء في أوروبا تجعل الأمور صعبة. 

لنتذكر "ميتافيرس"

تراجع طموح النيّات الاستثمارية لشركات الخدمات في الاتحاد الأوروبي إلى أقل من نصف ما كان عليه في مطلع سنة 2022. وتخطّط الشركات البريطانية لزيادة الإنفاق الرأسمالي 3 في المئة فقط في السنة المقبلة، مقارنة بـ 10 في المئة عندما سُئلت في أوائل سنة 2022.

AP

تشير هذه الاتجاهات إلى أحد أمرين. أولاً: الذكاء الاصطناعي التوليدي حمل وعوداً برّاقة لكنها انتهت إلى الفشل. فشركات التكنولوجيا الكبرى تحب هذه التقنية، لكنها ستواجه صعوبة في إيجاد عملاء للمنتجات والخدمات التي أنفقت عشرات المليارات من الدولارات لتطويرها. ولن تكون تلك المرة الأولى في التاريخ الحديث التي يبالغ فيها خبراء التكنولوجيا في تقدير الطلب على الابتكارات الجديدة. تذكّروا "ميتافيرس".

التفسير الثاني أقل سواداً وأكثر احتمالاً. يميل الى أن اعتماد التقنيات العامة الجديدة وتطبيقها يأخذ وقتاً. لنعد إلى مثال الكومبيوتر الشخصي. على الرغم من أن "مايكروسوفت" أصدرت نظام تشغيل رائداً عام 1995، إلا أن الشركات الأميركية لم تعزز الإنفاق على البرمجيات إلا أواخر تسعينات القرن العشرين. ويشير تحليل لـ"غولدمان ساكس" إلى أن خمسة في المئة فقط من الرؤساء التنفيذيين يتوقعون أن يكون للذكاء الاصطناعي أثر جوهري في أعمالهم خلال سنة أو سنتين من الآن، لكن 65 في المئة يعتقدون بأن أثره سيتبلور في السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة.

لا يزال من المرجح أن يغير الذكاء الاصطناعي الاقتصاد، حتى لو لم يحدث ذلك فورا.

font change

مقالات ذات صلة