على أوروبا أن تستعجل الدفاع عن نفسها... من بوتين وترمب

دعوة الرئيس الروسي لمهاجمة حلفاء أميركا تشكل اعتداء على "الأطلسي"

Getty Images
Getty Images
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب

على أوروبا أن تستعجل الدفاع عن نفسها... من بوتين وترمب

إذا عاد دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، فأي نسخة منه ستعود؟ هل سيكون ترمب الأبوي الذي يتبع سياسة "الحب الصارم"، الذي أقنع الحلفاء بإنفاق المزيد على الدفاع، وعزز قوات حلف شمال الأطلسي على الجانب الشرقي وبدأ في تسليح أوكرانيا، أم ترمب المنتقم الذي سينفذ تهديداته بتخريب "الناتو"؟ توقعوا التخريب.

في العاشر من فبراير/شباط، روى المرشح الرئاسي الجمهوري الأوفر حظا كيف سأله زعيم "دولة كبيرة" ذات مرة عما إذا كان سيدافع عن حليف ضد الروس، حتى لو كان "متخلفا" عن سداد 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع. يتذكر ترمب قوله: "لا، لن أحميك". "في الواقع، أود أن أشجعهم على القيام بأي شيء يريدونه".

وحتى لو كان هذا التصريح مبالغا فيه، كما يدعي المدافعون عنه، فإن دعوة روسيا إلى مهاجمة أي حليف هو اعتداء على الوعد المقدس في المادة الخامسة من ميثاق حلف شمال الأطلسي، التي تنص على أن الهجوم على أحد الحلفاء هو هجوم على الجميع، وأن الهجوم حتى على أصغر حليف هو في الواقع هجوم على أميركا. وأصبح انفعال ترمب الآن أكثر خطورة بعد أن بدأت روسيا، التي تعيد تسليح نفسها بوتيرة شديدة، تضغط بقوة على القوات الأوكرانية المتعطشة للذخيرة. ويعتقد عدد متزايد من الحكومات الأوروبية أنها ستواجه التهديد الحقيقي المتمثل في هجوم روسي في السنوات المقبلة.

ترمب ليس أول رئيس يشكو من الحلفاء الذين يستفيدون من "شمال الأطلسي" دون المساهمة بنصيبهم العادل

نجح حلف شمال الأطلسي في الحفاظ على سلامة أعضائه منذ تأسيسه عام 1949، ودعم انتشار الديمقراطية في أوروبا. كما يواصل الحلف جذب الأعضاء الجدد، بما في ذلك فنلندا مؤخرا، وقريبا السويد. ولكن دون المادة الخامسة، فإن التحالف لا قيمة له. إن مجرد التشكيك يؤدي إلى إضعاف قوة الردع وبالتالي يزيد من خطر الحرب.

إن ترمب ليس أول رئيس يشكو من الحلفاء الذين يستفيدون دون المساهمة بنصيبهم العادل، وهو محق في ذلك. لكنه يحول التحالف الديمقراطي إلى عصابة ابتزاز: دون المال لا توجد حماية. ويزعم ترمب أن فظاظته نجحت في إقناع الحلفاء بإنفاق المزيد من المليارات على الدفاع عنهم. وكان الدافع الأكبر هو التهديد الذي يلوح في الأفق من روسيا. وكان الإنفاق الدفاعي قد بدأ في الارتفاع قبل عهد ترمب، واستمر بعده. وارتفع عدد الحلفاء الذين حققوا هدف الـ2 في المئة من ثلاثة فقط في عام 2014 إلى 11 العام الماضي، ومن المقرر أن يحققه 18 من الحلفاء الـ31 هذا العام.

سيتعين على الأوروبيين أن ينفقوا بشكل أفضل، من خلال شراء المزيد من المعدات بشكل مشترك ودمج صناعاتهم الدفاعية

ويؤثر نفوذ السيد ترمب الضار على الكونغرس. إذ إن مشروع قانون تجديد المساعدات العسكرية والمدنية لأوكرانيا (ولمساعدة إسرائيل وحلفاء آخرين)، والذي حصل على موافقة مجلس الشيوخ متأخرا، قد يلغى من قبل الجمهوريين في مجلس النواب. إن التشريع الذي ينص على موافقة مجلس الشيوخ على انسحاب أميركي فعلي من "الناتو" لن يشكل عائقا كبيرا. إذ لا يستطيع الكونغرس أن يمنع الرئيس، على سبيل المثال، من سحب القوات الأميركية من أوروبا أو ببساطة رفض الدفاع عن الحلفاء الذين يتعرضون للهجوم. ولا شيء مما سبق سيفيد أميركا.

ويتعين على الأوروبيين أن يتحركوا بشكل عاجل. وبدلا من الشكوى من السيد ترمب، ينبغي لهم أن يسارعوا إلى تحقيق هدف الـ2 في المئة ثم زيادته بشكل حاد: ربما يكون 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي هو المطلوب لتحقيق الخطط الدفاعية الحالية لحلف شمال الأطلسي، ودون أميركا، لا بد أن يكون الإنفاق أعلى. وخصصت أميركا ما يقرب من 3.5 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي للدفاع في العام الماضي. فيما يواجه الأوروبيون غير المستعدين تهديدا أكثر إلحاحا.

Reuters
جندي أوكراني قرب راجمة صواريخ "غراد" عند خط المواجهة مع القوات الروسية في منطقة دونيتسك في 4 فبراير

أمام الأوروبيين أجندة شاقة. إذ سيتعين عليهم الاستثمار في كثير من الأشياء التي توفرها أميركا على نطاق واسع، من الذخيرة إلى طائرات النقل والتزود بالوقود، وأنظمة القيادة والسيطرة، والأقمار الصناعية، والطائرات المسيرة، وغير ذلك الكثير. وسيتعين على الأوروبيين أيضا أن ينفقوا بشكل أفضل، من خلال شراء المزيد من المعدات بشكل مشترك ودمج صناعاتهم الدفاعية. سيكون عليهم أن يفكروا في كيفية السيطرة على هياكل الناتو إذا غادرته أميركا (مع إبقاء احتمال انضمامها مرة أخرى مفتوحا). وأثار وزير المالية الألماني، كريستيان ليندنر، القضية الأكثر حساسية: كيف نحافظ على الردع النووي من دون مظلة أميركية. من المحتمل أن يتطلب ذلك ضمانات جديدة من بريطانيا وفرنسا، اللتين تمتلكان 500 رأس نووي فيما بينهما، مقابل ما يقرب من 6000 رأس لروسيا.

لا شيء يمكن أن يعوض انسحاب القوة الأميركية. ولكن إعادة التسلح السريعة تخدم ثلاثة أغراض حيوية: فهي تعمل على تعزيز قدرة أوروبا على مساعدة أوكرانيا وردع روسيا، وتثبت للسيد ترمب أن الناتو صفقة جيدة لأميركا، وتخلق غطاء إذا أدار ترمب ظهره لحلفاء أميركا.

font change

مقالات ذات صلة