المرأة والحرب... من المساعدة إلى القتال

لعبت النساء أدوارا داعمة في كثير من الجيوش الوطنية

منى اينغ/المجلة
منى اينغ/المجلة

المرأة والحرب... من المساعدة إلى القتال

أعلن الرئيس فولوديمير زيلنسكي في الذكرى الثانية للغزو الروسي لأوكرانيا أن 31 ألف جندي أوكراني قتلوا في الحرب حتى الآن، بينهم نساء أوكرانيات شاركن في القتال.

تخدم أكثر من 40 ألف امرأة في الجيش الأوكراني في سياق هذا الصراع الدموي. وقد تزايد هذا الرقم بسرعة منذ عام 2021 حيث تتطوع النساء للدفاع عن أمتهن، ليس فقط في الأدوار الداعمة، إنما أيضا في القتال على الخطوط الأمامية. ونظرا لاختلال التوازن الديموغرافي لصالح روسيا، فمن المرجح أن تبذل كييف مزيدا من الجهود لتشجيع النساء على الانضمام إلى الجيش، وإذا تزايد رجحان الحرب لصالح روسيا، فإن الضغوط المفروضة عليهن ستماثل ما يواجهه الرجال الأوكرانيون من ضغوط. ويجب على الذكور الذين تترجح أعمارهم بين 18 و60 عاما إدراج أسمائهم في سجلات الخدمة العسكرية، أما من تتراوح أعمارهم بين 27 و60 عاما فهم تحت قيد التجنيد الإجباري.

ولكن إلى أي مدى تكون التجربة الأوكرانية نموذجية عند الحديث عن تاريخ المرأة والحرب؟ الجواب كما سنرى، هو أن تجربتهن جزء من اتجاه يشهد مشاركة متزايدة للنساء في الحروب، سواء خلف الكواليس أو في القتال الدموي.

ليست مشاركة النساء في القتال بالأمر الجديد. فالكثيرات منهن قاتلن في القرون الماضية في عصر ما قبل الحرب الحديثة المنظمة. إلا أن مشاركتهن كانت محدودة وغالبا ما كان يُنظر إلى النساء المشاركات على أنهن استثنائيات أو خارجات على معايير الأنوثة النمطية. وفي الواقع، يعمل وضع هاتيك النساء موضع الخارجات عن المألوف على تشجيع الرجال المتمردين على الانضمام إلى الحرب، وجزئيا فضحهم. كما أن إضفاء طابع الفرادة عليهن جعلهن أقل تهديدا للهيمنة الذكورية أو حتى للأنا الذكورية لأنه كان يُنظر إليهن إلى حد كبير بوصفهن انحرافا ولسن اتجاها.

غالبا ما كان يُنظر إلى النساء المشاركات في الحروب على أنهن خارجات على معايير الأنوثة النمطية

لنأخذ مثالين مشهورين لهذه الظاهرة:

في عام 60 أو 61 ميلادية، قادت بوديكا ملكة قبيلة إيسيني فيما يعرف اليوم ببريطانيا العظمى، انتفاضة ضد قوات الاحتلال الرومانية. وبعد نجاح أولي، وتدمير مدينة رومانية بأكملها ومقتل آلاف الجنود، هُزم المتمردون واختفت بوديكا من المشهد، وربما انتحرت. إلا أن قصتها الملهمة بقيت حية وعملت أسباب مختلفة على احتضانها على مدى قرون عدة. وفي القرن الحادي والعشرين تبنتها الثقافة الشعبية عبر الأفلام والتلفاز وحتى ألعاب الحاسوب.

والأكثر شهرة حتى من بوديكا كانت جان دارك. يُذكر عنها عموما أنها امرأة محاربة، لكنها لم تقاتل قط مع أنها رافقت الجنود الذكور في المعركة. وبدلا من القتال حشدت الجنود الفرنسيين وهي تحمل راية أو سيفا احتفاليا، خلال حرب المائة عام في القرن الخامس عشر ضد الإنجليز. وفي النهاية قبض عليها ثم حوكمت وأعدمت، لكنها أصبحت في نهاية المطاف قديسة ورمزا رئيسا للفخر على مر القرون، ومدافعة عن الأمة الفرنسية، بما فيها الأحزاب السياسية المختلفة في البلاد.

هذان مثالان بارزان من الماضي عن نساء شاركن في الشؤون العسكرية. ولكن مع ظهور الجيوش الحديثة، ولاسيما منذ القرن التاسع عشر، أدت المرأة في كثير من الأحيان دورا أكثر تقليدية يتوافق مع التوقعات الاجتماعية عن دور كل جنس، فكان للمرأة دور الرفيقة المساعدة.

لنتذكر حرب القرم التي استمرت من عام 1853 إلى عام 1856. يمكن القول إن الشخصية الأكثر شهرة من بين كل من خرجوا من هذا الحريق وظلوا معروفين في القرن الحادي والعشرين كانت امرأة اسمها فلورنس نايتنغيل. وقد اكتسبت هذه المرأة شهرتها العالمية بسبب عملها كممرضة للجنود الجرحى خلال هذه الحرب إلى جانب مساهمتها في إضفاء الطابع المهني على التمريض في زمن الحرب.

تمثل حالة فلورنس نايتنغيل في منتصف القرن التاسع عشر اتجاها لمشاركة الإناث غير المباشرة في الحروب، وسيتوسع انتشار هذا الاتجاه في أثناء المئة والخمسين عاما القادمة، وعلى الأخص في الحربين العالميتين في النصف الأول من القرن العشرين. 

في القرن العشرين بدأت مجموعات من النساء في الانخراط على قدم المساواة مع الرجال في القتال المباشر

كان لهذا الاتجاه جانبان. الأول هو رؤية النساء ينشطن خارج المنزل أثناء الحرب وهن يعملن مثلا في المصانع، حيث تحل النساء محل الرجال الذين ذهبوا للقتال. وغدا هذا الاستبدال في المصانع ممارسة مقبولة في الحرب العالمية الثانية، حتى إنه ظهرت في الولايات المتحدة عام 1942 أيقونة ثقافية لعاملة مصنع تُلقب بـ"روزي كاربة البراغي". والأكثر شهرة أنها ظهرت في ملصق وهي تعمل بذراعين عاريتين على شعار "يمكننا أن نفعل ذلك". ولكن في النهاية- ولتهدئة قلق المجتمع ككل من هذا التغيير الاجتماعي- كان التركيز على أن هذه المرحلة من مشاركة المرأة في المجهود الحربي هي مرحلة تغير مؤقتة ستنتهي مع حلول السلم وعودة المرأة إلى المنزل أو إلى الوظائف النسائية التقليدية.

أما الجانب الآخر لاتجاه المرأة المساعدة الذي مثلته نايتنغيل فهو انخراط النساء مباشرة في سلك الشرطة وفي الخدمة العسكرية، وإن لم يكن في الأدوار القتالية. فعملن كممرضات وسكرتيرات وسائقات شاحنات وقائدات لطائرات الإمداد وفي أدوار دعم عسكرية أخرى لمساعدة المجهود الحربي، بتحرير المزيد من الرجال من العمل وتفريغهم للقتال.

شاترستوك
مع استمرار الحرب الأوكرانية وتزايد الخسائر في الأرواح، انضم المزيد من النساء إلى جبهات القتال

بدأ هذا الاتجاه خلال الحرب العالمية الأولى بالتعبئة الجماهيرية، وتوسع أكثر خلال الحرب العالمية الثانية. ولعبت النساء أدوارا داعمة في كثير من الجيوش الوطنية. فعلى سبيل المثال، شغلت نصف مليون امرأة تقريبا مثل هذه الوظائف في جيش الاتحاد السوفياتي وحده.

الشطر الثاني من مشاركة المرأة في الحروب الحديثة يقودنا أخيرا وعلى نحو مباشرة إلى ساحات القتال في أوكرانيا عام 2024.

في القرن العشرين، بدأت مجموعات من النساء في الانخراط على قدم المساواة مع الرجال في القتال المباشر كجنود على الخطوط الأمامية. والنمط العام الذي يفسر هذا التطور غالبا ما يرتبط بدول تستخدم النساء كجنديات لأن قيمها الوطنية شجعت المساواة بين الرجل والمرأة أو لأن دولا يائسة في أثناء الحرب تحولت إلى النساء بدافع الضرورة. وبعض من هاتين الفئتين شارك في الحرب الأهلية الإسبانية بين عامي 1936 و1939، حيث خسر الجانب الجمهوري في النهاية قرابة 1000 امرأة، عُرفن غالبا باسم  ميليشيانا، وقاتلن على الخطوط الأمامية جنبا إلى جنب مع الرجال. وكثير منهن كن في الفترة السابقة على الحرب من النساء الناشطات في النقابات العمالية والإضرابات، أي إن لهن تاريخا في تحدي الحدود التقليدية.

دول قليلة هي التي توافق على وجود النساء في الخطوط الأمامية للقتال

كما قاتلت بعض النساء في الحرب العالمية الثانية ولو بأعداد ليست بالكبيرة. حدث ذلك في الاتحاد السوفياتي الذي تبنى أيديولوجيا شيوعية أكدت طويلا من الناحية النظرية على المساواة بين الرجل والمرأة. إلا أن دورهن القتالي لم يكن على الأرض إنما في الجو، حيث كانت جميع الوحدات الجوية النسائية المدربة أولا تقاتل مباشرة الطائرات الألمانية.

بعد الحرب العالمية الثانية، تقلصت الجيوش، غير أن النساء واصلن أداء دورهن في الجيش، إنما بوضع غير قتالي من ذلك النوع الذي يعود تاريخه إلى منتصف القرن التاسع عشر. سوف تنشب معارك سياسية في بقاع عدة محورها هل ينبغي على المرأة أن تؤدي دورا حربيا دائما، لا في البحر والجو فقط، بل على الأرض أيضا.

مع مرور عقود، تحركت بعض البلدان لمعاملة المرأة في مسألة الحرب على قدم المساواة مع الرجل. وكانت الدول الإسكندنافية سباقة على نحو خاص وشددت على المساواة في معاملة المجندين من الذكور والإناث، ولو أن النرويج والسويد فقط هما من تقومان بتجنيد كلا الجنسين وفق القاعدة نفسها.

وبينما يتزايد الآن عدد البلدان التي تسمح للنساء بالخدمة في أدوار قتالية، مثل قيادة الطائرات المقاتلة أو على متن السفن الحربية، فإن قلة من الدول فقط عام 2023 هي التي تضم النساء إلى القتال على الخطوط الأمامية، وهي: أستراليا وكندا وألمانيا وإسرائيل ونيوزيلندا والنرويج والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، وبطبيعة الحال أوكرانيا.

ونظرا للضغوط المتزايدة على الموارد البشرية الأوكرانية في حرب أمست على نحو متزايد حرب استنزاف، فليس من الصعب علينا أن نتصور تزايد أعداد النساء اللاتي يقاتلن في حرب بلادهن مع روسيا. ويمثلن بذلك أحدث نسخة من التطور التاريخي الذي يجري منذ 100 عام تقريبا.

font change

مقالات ذات صلة