المرأة العربية بين أشرار وأخيار... وقليل من الأنصار

أزمات متفاقمة خصوصا في مناطق الأزمات والحروب

Lina Jaradat
Lina Jaradat

المرأة العربية بين أشرار وأخيار... وقليل من الأنصار

كتبتُ ذات يوم، في الثامن من مارس/آذار تحديدا، على صفحتي في "فيسبوك": "لمناسبة اليوم العالمي للمرأة، أهنئ الرجال بـ 364 يوما، وإذا كانت سنة "كبيسة" فأهنئهم بـ 365 يوما".

لم أكن أتوقع أن تثير دعابة من هذا النوع غضب بعض الأصدقاء، فجاءتني ردود مستنكرة تصف هذا القول بالبطلان، وأننا، نحن النساء، لا يعجبنا العجب، وأن ادعاء مظلومية المرأة أمر مغرض يراد به زعزعة استقرار المجتمع، وما يسمّى "النسوية" بدعة غربية دخيلة على ثقافتنا، بل وفُتح سجال حام حول حقوق المرأة المصونة في ثقافتنا وديننا.

في المقابل، فإن بعضا ممّن يقدمون أنفسهم مثقفين ومدافعين عن "الحقوق" خاصة في السنوات الأولى من البركان الذي اندلع في منطقتنا على التوالي، ودرجت تسميته بـ"الربيع العربي"، كانوا لا يوفّرون في لحظات الغضب والانفعال العالي، مفردة من الشتائم والسباب في حق من يقفون في ضفة أخرى غير ضفافهم، كلها تنال من الأم والأخت والابنة والزوجة، مما تجود به قواميس اللغة التي أنتجتها ثقافة تراكمت تاريخيا تحمّل المرأة عبء شرف العائلة والقبيلة، وأبدعت، ممّا أبدعت أيضا، أمثالا شعبية تحصر المرأة في قالب نمطي يحطّ من شأنها الإنساني، أبسطها "همّ البنات للممات".

 في سوريا تأثرت المرأة والفتاة بشكل غير متناسب بالنزاع، خاصة إذا ما أخذنا في الحسبان الانقسام الباكر إلى مجتمعات تسيطر عليها أطراف الصراع المتعددة

بعد هذه المدة التي دخلت في عقدها الثاني، من الحراك والانتفاضات الشعبية في دول عدة من منطقتنا، اليمن، سوريا، السودان، ولبنان أيضا، وإذا ما تأملنا واقع المجتمعات العربية عموما، وواقع المرأة على وجه الخصوص، نضع المرأة في غزة بين قوسين لأسباب موجبة، لخلصنا إلى نتيجة غير مُرضية بعد الفواتير الباهظة التي دفعت، فإذا لم تكن غاية "الثورات" الانقلاب على الواقع، وتغييره في بناء جديد يرمي ما ليس صالحا للبقاء ويبني على أسس متينة، فهل يمكن القول إن تغييرا حدث نحو الأفضل؟

وإن المجتمعات خطت أولى خطواتها في العالم الجديد؟ وهل يمكن قراءة الواقع وما آلت إليه الأمور بعيدا من حال المرأة وما كسبت أو خسرت من القليل الذي كانت قد حصلت عليه؟ وهل يمكن فصل قضية المرأة عن قضية الحقوق الإنسانية عموما، وأهمها الحرية؟

Getty Images
امرأة فلسطينية تنظر من نافذة مبنى متضرر بعد غارة جوية إسرائيلية على مخيم النصيرات للاجئين وسط غزة، في 28 فبراير 2024

لا شك في أن المرأة والفئات الضعيفة والمهمشة في المجتمعات هي الأكثر تأثرا في أوقات الأزمات، وفي أماكن الصراع تقع مترتبات كبيرة على التنمية البشرية، فيتفاقم الفقر. وتتعرض النساء والفتيات لتحديات وأخطار عديدة مثل العنف وتراجع كبير في التحصيل العلمي، ويتزايد الظلم الاجتماعي، مع تفاقم سطوة الأعراف والتقاليد إزاء نكوص المجتمعات نحو مرحلة ما قبل الدولة، وانتهاك القوانين، وبالتالي اتساع فجوة عدم المساواة الموجودة أصلا.

سوريا

في سوريا تأثرت المرأة والفتاة بشكل غير متناسب بالنزاع، خاصة إذا ما أخذنا في الحسبان الانقسام الباكر في المجتمع السوري إلى مجتمعات، تسيطر عليها أطراف الصراع المتعددة، وكل جهة مسيطرة لها أجنداتها ومشروعها، ومارست الحشد العقائدي أو الأيديولوجي والقمع والاستبداد والتضييق على من هم تحت سطوتها، بخاصة النساء، فصار لكل فئة قضيتها التي تناضل من أجلها وتحمل السلاح فتقتل وتُقتل، وكل قتيل على هذه الجبهات الداخلية يعدّ شهيدا، فصار الشهداء بعشرات الآلاف، وكان على المرأة أن تكون أم الشهيد أو أخته أو ابنته أو أمه، ومطلوب منها أن تحمل شرف هذا اللقب، وتقوم بكل الأعباء الحياتية تجاه ذويها أو أبنائها، بينما الحياة تنحدر بتسارع مخيف نحو هاوية الفقر والجوع.

 في السودان أدّى النزاع القائم إلى نتائج كارثية بسبب نزوح الملايين جلّهم من النساء والأطفال، ولجوء كثيرين إلى دول الجوار

علاوة على هذا، ألقيت المرأة السورية في بازارات متنوعة، عدا دخولها ميدان القتال في بعض الأحيان، إذ انضمت بعض السوريات إلى وحدات اللواء النسائي في الجيش العربي السوري، كذلك الوحدات النسائية في مناطق الإدارة الذاتية في الشمال الشرقي، وفي "داعش" أيضا، ومن هذه البازارات التي زج بالفتيات والنساء فيها، ازدياد ظاهرة تعدد الزوجات، وزواج القاصرات، هروبا من الفقر والوضع المعيشي المتردي، والخوف عليهن من الاغتصاب في بعض الأحيان، وازدادت الجرائم التي تُدعى "جرائم الشرف"، ومنهن من أجبرتها ظروف الفاقة على الاتجار بجسدها، وهذه الظاهرة تفاقمت بسبب أزمة البلاد.

عند الحديث عن المرأة السورية يفرض واقع الحال النظر إليها في مناطق عدة، فلكل منطقة مشاكلها في ما يخص المرأة، وأكثرها بؤسا هي المخيمات الداخلية أو في دول الجوار، حيث مجتمعات لاجئة تعيش في أسوأ الظروف، وتتأثر المرأة والأطفال أكثر من غيرهم بكثير، فلا تعليم ولا رعاية صحية ولا عمل ولا غذاء ولا سكن إلا في الحد الأدنى الذي لا يليق بكرامة الإنسان.

السودان

في السودان التي أبهرتنا مشاركة النساء في انتفاضتها الكبيرة، وكلمة "كنداكات" وحدها كانت كفيلة بإثارة غبطة كبيرة في صدور النساء الطامحات بتغيير واقعهن إلى واقع يليق بهن "كنداكات" معاصرات، ولا بد من ذكر مبادرة "لا لقهر النساء" التي واجهت النظام السابق، وواجهت الحكومة الانتقالية التي أهملت المرأة وتابعت إقصاءها من المجال السياسي والعام.

Alamy
نساء سودانيات في مسيرة احتجاجية بعد الانقلاب العسكري بيومين، أكتوبر 2021

لكن النزاع القائم أدى إلى نتائج كارثية أيضا، بسبب نزوح الملايين جلّهم من النساء والأطفال، ولجوء كثيرين إلى دول الجوار. هذا ما زاد في عمل المجموعات النسائية الناشطة في السودان وخارجه أو الكيانات المدافعة عن المرأة التي زاد عددها، ونشطت في الاستقصاء والتوثيق، والاستقراء وتحديد الأهداف والمطالب، حول الانتهاكات التي تتعرض لها النساء من عنف جسدي وحرمان من أبسط الحقوق وتأمين موارد تضمن الحياة من مياه وغذاء ورعاية صحية، وربما الحديث عن التعليم في ظروف كهذه يعدّ من الأمور الصعبة لناحية تدبيرها وتأمينها.

بحسب التقارير فإن معدل التحاق الفتيات بالتعليم في اليمن هو أدنى المعدلات في بلدان الشرق الأوسط

ربما كانت هناك محاولات تحبو في اتجاه تطبيق الاتفاقات الدولية في شأن حقوق الإنسان عامة، وحقوق المرأة بوجه خاص، كاتفاق سيداو حول "القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة"، قبل حقبة الانتفاضات الشعبية في هذه البلدان، إنما بصعوبة بالغة، بسبب تحكم أنظمة شمولية استبدادية فيها، وتصدير شعارات إلى الخارج فحسب عن الحريات والمرأة، في حين أن الواقع يشير إلى أن هذه البلدان، ومنها السودان، كانت غارقة في استنقاع مديد، متروكة فيها المجتمعات تحت سطوة الفساد الحكومي وتهالك القوانين وترك المجال العام للمنظومات القبلية والعائلية أو سطوة رجال الدين، فكانت المرأة هي الضحية الكبرى، ومن الطبيعي أن تترك خلفها ضحايا، انطلاقا من دورها الأساس في الأسرة وتربية الأبناء والبنات.

اليمن

أما اليمن، هذا البلد المنسي المتروك لصراع المصالح والتدخلات الإقليمية والدولية، فيفتك فيه الفقر والجوع والمرض وتضطهد النساء، ومطلوب منهن حمل مسؤولية الحياة وحدهن، لأن الرجال في مهماتهم المقدسة، المهمات القتالية تحت شعارات كبيرة.

Reuters
فتاة تحمل بندقية في عرض عسكري لنساء جماعة "الحوثي" في صنعاء، اليمن، 6 سبتمبر 2016

تخوض المرأة اليمنية معركة مفتوحة لاكتساب حقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية في بيئة تحظى التقاليد والأعراف القبلية والدينية فيها بمكانة أعلى من القانون والدستور، وبحسب التقارير فإن معدل التحاق الفتيات بالتعليم في اليمن هو أدنى المعدلات في بلدان الشرق الأوسط، ينجم عن هذا الوضع جهل المرأة بحقوقها السياسية والاجتماعية والقانونية وغيرها، مما يجعلها تتنازل عن إدارة حياتها إلى الذكور من أقربائها أو زوجها، كذلك ظاهرة الزواج المبكر الشائعة جدا في اليمن، وتفاقمت في الحرب بسبب الفقر.

في لبنان بقيت الإصلاحات التي يمكن أن تساهم في ردم الفجوة بين النساء والرجال، وتخفف العنف والإقصاء بالنسبة إلى المرأة، في أدراج البرلمان

أما بالنسبة إلى المرأة الريفية فقد كانت تواجه تحديات كبيرة قبل اندلاع الحرب وذلك بسبب حرمانها من حقوقها الإنسانية الأساسية، بما في ذلك حرمانها من الحق في العمل، والتعليم، وحرية إبداء الرأي، وزادت الحرب من هذه الأعباء والتحديات بسبب الهجرة العكسية إلى الريف، واعتماد العمل الزراعي فيها على المرأة بشكل خاص.

وعلى الرغم من مشاركتها في بداية الحراك، إلّا أن تطور الصراع أدى إلى انهيار المجتمع، وتعرضت المرأة اليمنية لمزيد من العنف والمحاصرة، بل إنها تعرضت للاعتقال في مناطق الصراع مع جماعة الحوثيين.

لبنان

وفي لبنان، البلد الغارق في مشاكل متجذرة، ولم تعد تجدي فيه الإصلاحات، بل يحتاج إلى الانقلاب على واقعه، فإن وضع المرأة من المواضيع الملحّة بالنسبة إلى أجندة الإصلاح الوطني، وبالنظر إلى أن المجتمع اللبناني متعدّد الطوائف، وبالتالي هو متعدّد المجتمعات أيضا، إنما وضع المرأة لا يختلف كثيرا لناحية الحقوق والتمثيل في المجتمع وفي المناصب وفي النشاط السياسي، فسنوات من الفشل في تأليف حكومات أو انتخاب رئيس أو النهوض من الأزمات المتلاحقة، لا ينتظر بعدها أن تكون هناك إصلاحات في شأن بعض القضايا المتعثرة، خاصة تجاوز التمييز القائم على النوع الاجتماعي، أو غياب المساواة، أو تعديل قوانين الأحوال الشخصية التي تختص بكل طائفة وحدها والتي في حالات كثيرة منها تُهمش المرأة وتغيّب حقوقها، خاصة بالنسبة إلى اللباس والظهور في الأماكن العامة والمشاركة السياسية والخروج إلى العمل، وتعدد الزوجات وزواج القاصرات وقضايا الميراث والطلاق والنفقة ورعاية الأولاد ومنح الجنسية، إلخ.

 في غزة، لا يمكن التكهن بمستقبل المرأة ولا قراءة ماضيها الذي يمتد إلى إعلان قيام إسرائيل ثم احتلالها في العام 1967

بقيت الإصلاحات التي يمكن أن تساهم في ردم الفجوة بين النساء والرجال، وتخفف العنف والإقصاء بالنسبة إلى المرأة، فترة طويلة في أدراج البرلمان وفي المؤسسات كافة، مما أدى إلى اتساع الفجوة بين النساء والرجال وترسيخ التمييز، وساهم بشكل مباشر في ما وصل إليه لبنان اليوم.

فلسطين

تبقى الحالة المؤثرة التي تحمل كثيرا من الخصوصية، حالة المرأة الفلسطينية بشكل عام، وفي غزة بشكل خاص، ففلسطين كلها واقعة تحت الاحتلال، هذا يجعل التمييز ضد المرأة يتخذ صورا أخرى فيها، يكفي قبل الخوض في وضعها في حالة الحرب، أن نرى ما تعانيه المرأة الفلسطينية، إن كانت أسيرة سجون الاحتلال، أو أمّا لأسرى، أو أختا أو زوجة، عدا الحصار الذي تمارسه قوات الاحتلال بتقطيع مناطق السلطة إلى مناطق، في الواقع، كلها تحت رحمة أجهزة الشرطة والأمن الإسرائيلية.

وفي غزة، لا يمكن التكهن بمستقبل المرأة ولا قراءة ماضيها الذي يمتد إلى إعلان قيام إسرائيل ثم احتلالها في العام 1967، فمستقبل غزة كلها مطروح كقضية كل العالم معني بها.وفيما لا تستثني الحرب أحدا، تظهر التقارير والمشاهد أن هذه الحرب تقتل وتصيب النساء بشكل غير مسبوق حيث قتل حتى الآن ما لا يقل عن تسعة آلاف امرأة.

 

هذا بالنسبة إلى القتل وإنهاء الحياة، أما بالنسبة إلى باقي مناحي الحياة فإن التهجير والجوع وانعدام الأمن بكل نواحيه، ومسؤولية الأطفال كلها أعباء تزداد على كاهل المرأة في غزة، عدا إصابتها في جوهر كيانها كونها امرأة، إن لناحية خصوصية جسدها في مجتمع محافظ بشدة، وحرمانها من العناية الصحية الخاصة بها كامرأة لها حاجات جسدية معينة، كذلك كامرأة حامل أو ولّادة أو مرضع، وتجد المرأة صعوبة كبيرة في الحصول على الطعام، أكثر من الرجل بكثير، في ظروف كهذه، حيث لا تجد حتى المنظمات الدولية أو الإنسانية ظروفا للعمل الإغاثي. فبحسب تقرير للأمم المتحدة فإن 10 من أصل 12 منظمة نسائية شملها الاستطلاع في غزة أفادت بأنها تعمل جزئيا فحسب، وتوفر خدمات الاستجابة الطارئة الأساسية، وقد جاء في وصف هيئة الأمم المتحدة للمرأة للحرب في غزة بأنها "حرب على النساء أيضا".

المستقبل

في اليوم العالمي للمرأة، ماذا عن مستقبل المرأة العربية؟

هل كانت المرأة بخير قبل هذه السنوات الحارقة التي ما زالت الشعوب في أكثر من دولة من منطقتنا تقع في أتونها؟ وهل ما آلت إليه المرأة بعد هذه السنوات يمكن القول فيه إنه وضع أكثر إنسانية بالنسبة لها ونحن نرى انزلاق هذه البلدان إلى منحدرات شديدة الخطورة يكاد ينهار معها كل شيء، من مجتمعات وبنيان وهياكل دولة، تدفع المرأة معها النصيب الأكبر في فاتورة هذا الخراب وهذه الحروب، ليس على الصعد الحياتية والمعيشية فحسب، إنما على مستوى كينونتها أيضا.

هل توفر مجتمعاتنا العربية فرص عمل للمرأة كما توفرها للرجل؟ وهل توفر لها فرص العمل بالتساوي مع الرجل؟ وهل تأخذ أجر الرجل نفسه عن العمل ذاته؟ وهل تنصفها القوانين؟ وماذا عن حرياتها الشخصية؟ ماذا عن تمثيلها السياسي وفي المجال العام؟ ماذا عن تعليمها وتطوير معارفها وإدراكها لذاتها وحقوقها؟

لماذا انحدرنا وتراجعت مكانة المرأة، التي لم تكن في أفضل حال، في مجتمعاتنا، إلا كحالات فردية، أو مجموعات صغيرة من الناشطات لم يستطعن إحداث البؤرة التي ينطلق منها التغيير، علما بأن هناك حركات نسوية عديدة ومتنوعة فيها، وفي ما يتعلق بالمرأة السورية هناك منظمات وجمعيات ومجموعات نسوية عديدة ومتنوعة، تعمل في كل المناطق السورية، ومنها ما يلقى الدعم من منظمات دولية، لكن جلّ ما استطاعت تأمينه هو تمكين المرأة في تعليمها مهارات معينة من أجل إيجاد فرص عمل لها كي تعيل أسرتها. أمّا في ما يتعلق بتوعية المرأة بذاتها وحقوقها، فتبدو الصورة قاتمة، إذا ما نظرنا إلى فقدان المرأة المكتسبات السابقة، حتى لو كانت قليلة. وقوعها تحت سطوة فصائل متشددة وإدارة حياتها تحت سلطتها جعلها تحت سطوة الدين والعرف والتقاليد، وتحت رحمة السلطة الذكورية بدرجة أشد.

AFP
في إحدى شوارع مدينة غزة رفع شعار "اتحدي حالك" للاحتفال باليوم العالمي للمرأة، وذلك قبل الحرب الاسرائيلية الأخيرة

هل يمكن القول بنهوض المرأة في ظل دول ومجتمعات منهارة؟ إن الحقوق العامة حزمة متكاملة، وبناء عليه فإن المرأة تعاني انتهاك حقوقها مرتين، مرة كونها تعيش تحت سلطة أنظمة قمعية شمولية في كل بقعة من سوريا، ما عدا منطقة الإدارة الذاتية التي ربما تحظى المرأة فيها بهامش أكبر من الحريات والحقوق، وثانيا لأنها امرأة في مجتمعات تحصر المرأة في قوالب نمطية متكلّسة.

هل كان هناك خلل كبير في الحركات النهضوية والأحزاب التقدمية ما بعد الاستقلال التي طرحت شعارات كبيرة عن مستقبل ترنو إليه الشعوب؟ لا يرمي الحديث إلى تقليل النضال الذي خاضته أحزاب وقوى سياسية ومجتمعية في ما مضى في وجه الاستبداد والتخلف والشعارات الخلبية، لكن هذا لا يعني أن الخلل بسيط، بل متجذر، وإلا لما وصلنا إلى هذا الدرك من الانهيار.

لا يكفي تحرير المرأة وتمكينها اقتصاديا، بل تحتاج إلى مجموعة متكاملة من العوامل، أهمها خلق بيئة حاضنة لثقافة ترى أن المرأة عنصر إنساني ضروري في الحياة وبناء المجتمعات، مساوية للرجل تماما، وهذا متعلّق أيضا بنجاح تجارب الشعوب في تمردها على واقع الاستبداد والطغيان بكل أشكاله. تحتاج إلى تضافر الجهود كلها لخلق ثقافة بديلة وواقع بديل، فكما قال مارتن لوثر كينغ "المصيبة ليست في ظلم الأشرار وإنما في صمت الأخيار". انطلاقا من مقولة كهذه، نحن جميعا معنيون بقضايانا الإنسانية، ولا يمكن تحقيق المساواة والقضاء على التمييز ووضع المرأة في مكانها الطبيعي من دون بناء مجتمعات حرة ديمقراطية قائمة على المواطنة، في مقدمها قضية المرأة.

font change

مقالات ذات صلة