غزة والذكاء الاصطناعي يستحوذان على نقاشات معرض لندن الدولي للكتاب

مشاركة سعودية بارزة

Alamy
Alamy
معرض لندن الدولي للكتاب 2024

غزة والذكاء الاصطناعي يستحوذان على نقاشات معرض لندن الدولي للكتاب

لندن: تتجول المصورة اليابانية الشابة بين أجنحة دور النشر المشاركة في معرض لندن الدولي للكتاب في الدور الأرضي حاملة مجلدها المصور الكبير الذي أخرجَته في طبعة ذاتية جذابة باحثة عن ناشر يعنى بهذا النوع من الأعمال الفنية. يثير فضولَها حرف الضاد المطبوع على حقيبة قماشية أنيقة كان أهداني إياها فريق جناح هيئة الأدب والنشر والترجمة السعودية، الذي يشارك في المعرض للسنة الثانية بحضور لافت تحت ثلاثة عناوين بارزة هي برنامج ريادة دور النشر، ومبادرة ترجم، ومبادرة الوكيل الأدبي.

تجلس الفنانة اليابانية القادمة من الشمال الإنكليزي إلى الطاولة حيث أجلس ونشرع في نقاش عابر حول الفن والفرص في المعرض. كنت قد هبطتإلى الدور الأرضي منذ قليل آتيا من الدور الأول بعد حضور جلسة مثرية نظمتها مؤسسة "أدب عبر الآفاق" Literature Across Frontiers بعنوان "كتابة النص ذاته مرتين؟ الشعراء ثنائيو اللغة والترجمة الذاتية"، أدارتها مديرة المؤسسة، ألكسندرا بوشلر، استعرضت فيها شاعرتان، بلجيكية وباسكية، وشاعر ويلزي، تجاربهم في الكتابة والترجمة الشعرية في نقاش مدهش لن يكون الأخير على مدار أيام المعرض الثلاثة.

تنوّع وحيوية

وكان أسدل الستار نهاية الأسبوع الماضي على المعرض في دورته الحادية والخمسين، وبمشاركة نحو 30 ألفا من العارضين والمنظمين. يزداد المعرض تنوعا وحيوية كل عام برواده وفعالياته التي تمتد على مدى ثلاثة أيام من شهر مارس/ آذار بمركز أوليمبيا. ثمة لمسة عالمية في المكان قلما يجدها المرء في معارض كتاب أخرى. يتوافد الناشرون من أنحاء المعمورة بحثا عن إبرام الصفقات واستكشاف الممكنات في عالم النشر والطباعة والتعليم والثقافة، وتحرص الدول على استغلال فرصة المعرض لاستعراض قوتها الناعمة.

يزداد المعرض تنوعا وحيوية كل عام برواده وفعالياته وثمة لمسة عالمية قلما يجدها المرء في معارض كتاب أخرى

ولعل أبرز ما يميز هذه الفعالية السنوية، إلى جانب اتساع المشاركة العالمية فيها، الأنشطة الثقافية التي تواكبها من ندوات ومؤتمرات وحوارات تعالج قضايا متنوعة لم يكن من المفاجئ أن يغلب عليها شأنان بارزان هذا العام هما السياسة والذكاء الاصطناعي. أول ما يلاحظه المتجول في أرجاء المعرض اتشاح كثر من زواره الكوفيةَ الفلسطينية تعبيرا عن التضامن الرمزي مع الشعب الفلسطيني وسط الأحداث الجارية في غزة وفي ظل آثارها العالمية. وفي مساء أول أيام المعرض تجمع مئات العاملين في صناعة الكتب من جميع أنحاء المملكة المتحدة تحت المطر خارج مبنى المعرض "في وقفة حداد إحياء لذكرى 187 كاتبا وشاعرا وصحافيا وباحثا فلسطينيا قتلوا في الحرب التي تشنها القوات الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، وللمطالبة بوقف دائم لإطلاق النار".

فلسطين

كذلك حضرت فلسطين ثيمة بارزة في جدول أنشطة المعرض من خلال عدد من الندوات التي نظمتها رابطة القلم الإنكليزي كانت أبرزها ندوة تحت عنوان "فلسطين، إسرائيل، وحرية التعبير في المملكة المتحدة"، أدارها دانيال غورمان، مدير الرابطة، شارك فيها المؤرخ الإسرائيلي البريطاني آفي شلايم، الذي أصر على ذكر أصله العراقي منوها إلى حقيقة تاريخية مفادها أن اليهود العرب، وعلى العكس من واقع اليهود في أوروبا، لم يعيشوا معزولين في غيتوات في مجتمعاتهم العربية ولم يضهدوا فيها. وإلى جانب شلايم، حضرت الروائية البريطانية الفلسطينية سلمى دباغ والكاتبة والمحررة الفلسطينية في مهرجان فلسطين الأدبي ياسمين الرفاعي وأستاذ حقوق الإنسان وقوانين الحرب في جامعة كوين ماري البريطانية البروفسور نيفي غوردون.   

GettyImages
معرض لندن الدولي للكتاب 2024

كما نظمت رابطة القلم ندوة أخرى بعنوان "الكتابة ضد العنف: أصوات أدبية فلسطينية" أدارتها مديرة التحرير في دار الساقي الإنكليزية إليزابيث بردج وشاركت فيها الكاتبة إيزابيلا حماد والمؤلفة المسرحية حنه خليل، والأكاديمية رفيف زيدان، أما على صعيد النشر، فقد شهد المعرض حصول دار بروفايل للنشر على حقوق نشر كتاب What Does Israel Fear from Palestine?" ما الذي تخشاه إسرائيل من فلسطين؟" للكاتبة رجاء شحادة، وهو كتاب يناقش الفرص الضائعة لتحقيق السلام منذ النكبة الفلسطينية وتأسيس إسرائيل عام 1948.

الذكاء الاصطناعي والنشر

أما مالئ الدنيا وشاغل الناس، الذكاء الاصطناعي، فكان حضوره لافتا هذا العام، لا سيما في فعاليات المنصة التقنية للمعرض من خلال عدد من النقاشات التي تناولت تطبيقاته المزلزلة في آليات النشر بما لها وما عليها. على سبيل المثال، بحثت إحدى ندوات المنصة التقنية في المعرض مسألة التحولات العميقة التي بدأ الذكاء الاصطناعي يحدثها في المشهدَين الاقتصادي والمعرفي عالميا، بدءا من تحسين ممارسات الأعمال لصالح الباحثين ومتخصصي المعلومات، وصولا إلى تحسين جودة النشر بتسخير الإمكانات التقنية المذهلة للذكاء الاصطناعي، لا سيما في أحدث نماذجه التوليدية. غير أن هاجسا خيم على النقاشات المتصلة بهذا الحقل وهو هاجس حقوق النشر والملكية الفكرية وما يتصل بها من مواكبة قانونية وتدابير تنظيمية يجب اتخاذها بما يدعم الابتكار دون السماح للشركات التكنولوجية الكبرى بالسطو على حقوق المؤلفين.

Alamy
معرض لندن الدولي للكتاب 2024

كان لافتا في هذا السياق ما قدمه سوريش كومار باراندهامان، مسؤول حلول النشر في شركة "إنتيغرا" للحلول البرمجية، في عرضه الذي بيّن فيه أن وقت التكهنات انتهى، إذ أصبحت تطبيقات الذكاء الاصطناعي في عالم النشر حقيقة واقعة من خلال حزمة من الأدوات والحلول التي يتكشف المزيد منها بسرعة مهولة، وخصوصا تقنيات تعزيز العمليات التحريرية وتبسيط سير العملية التحريرية في النشر. وقدم باراندهامان أمثلة من دراسات حالة واقعية مدعومة بالبيانات لدور التقنيات الجديدة في تسهيل عمليات النشر الأعقد، بدءا من مراجعة المخطوطات والأبحاث في بيئة تفاعلية، وصولا إلى العمليات التحريرية في حد ذاتها. وناقش كل من بيل تومبسون من "بي بي سي"، وكيت دفلين، من جامعة "كنغز كوليدج" جوانب أخرى في الموضوع ذاته، تطرقا فيها كل على حدة إلى التغيرات الجذرية الحاصلة بفعل هذا اللاعب الجديد، وإلى إمكاناته الواعدة على مستوى تعزيز التجارب التعاونية في عالم النشر. 

مشاركة عربية

أما على صعيد اتجاهات القراءة في المملكة المتحدة، فبحثَت ندوة افتتاحية الدور الذي تلعبه منصة "بوكتوك" Booktalk في تنويع عوالم القراءة وعاداتها وجمع القراء في مساحة مخصصة لشؤون الكتب. كما ناقشت ندوة نظمتها جمعية المؤلفين البريطانيين البينات والتحليلات التي جمعتها شركة نيلسن Nielsen لصالح مؤسسة جائزة بوكر في عام 2023 بخصوص الأدب الروائي المترجَمَ، مشيرة إلى أن حجم الروايات المترجَمة إلى الإنكليزية أقلّ  بكثير مما كان متوقعا، ما يعزى في بعض منه إلى عزوف الناشرين عن المغامرة.

 حضور عربي لافت بعدد من الأجنحة والمبادرات في مقدمتها هيئة الأدب والنشر والترجمة السعودية

عالميا، برز حضور الناشرين الصينيين والأتراك بقوة هذا العام من خلال عدد من الأجنحة والمبادرات والفعاليات. وقد بدا واضحا اهتمام العارض الصيني بتكنولوجيات الذكاء الاصطناعي على وجه الخصوص، إذ نظمت منطقة العرض الصينية فعالية نقاشية بعنوان "لقاء التكنولوجيا بالتقاليد: تبني إمكانات الذكاء الاصطناعي في مجال النشر والصناعة الإبداعية" ناقش فيها عدد من الأكاديميين والخبراء الآفاق المستقبلية للذكاء الاصطناعي في صناعات النشر والفنون وكيف يمكنه أن يعزز الإبداع والربحية في صناعة النشر. وعرض في نهاية النقاش فيلم قصير بعنوان "لندن بعيون الذكاء الاصطناعي". 

وكان الحضور العربي لافتا لهذا العام ممَثلا بعدد من الأجنحة والمبادرات الثقافية التي جاءت في مقدمتها هيئة الأدب والنشر والترجمة السعودية بمبادراتها الثلاث التي تهدف إلى التعريف بالثقافة العربية وتمكين دور النشر والوكلاء الأدبيين السعوديين من الحضور عالميا والتقاء التجارب الدولية، كما شاركَت هيئة الشارقة للكتاب، وجمعية الناشرين الإماراتية ومركز أبوظبي للغة العربية من خلال أجنحتها التي استضافت عددا من النقاشات الأدبية والثقافية كان أبرزها جلسة النقاش التي نظمها نادي كلمة للقراءة للحديث عن كتاب "الفلكي والساحرة"، الذي يتناول سيرة عالم الفلك الألماني يوهانس كيلر، وكذلك النقاش الذي نظمه مركز أبوظبي للغة العربية تحت عنوان "الترجمة: الأدب والتكنولوجيا"، بالتعاون مع كلية الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن، شارك فيها عدد من الأكاديميين وخبراء الترجمة.

font change

مقالات ذات صلة