الصين لتنظيم الذكاء الاصطناعي بما يتجاوز البعد السياسي

حملات لقمع استعراض الثراء المبتذل والمحتوى الجنسي والاحتيال واالتزييف

أكسل رانجيل غارسيا
أكسل رانجيل غارسيا

الصين لتنظيم الذكاء الاصطناعي بما يتجاوز البعد السياسي

أعلنت هيئة تنظيم الإنترنت في الصين حملة لمراقبة الذكاء الاصطناعي التوليدي والتحكم فيه. تأتي هذه الخطوة وسط موجة تنظيف شامل للإنترنت تستهدف المحتوى الذي لا يروق للحكومة، فضلاً عن منتديات تعقدها بكين مع خبراء أجانب عن تنظيم الذكاء الاصطناعي. كذلك يقوم رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ بجولات تفقدية رسمية لشركات الذكاء الاصطناعي وغيرها من شركات التكنولوجيا، في حين يعد بنظام تنظيمي أكثر مرونة يبدو غير مرجح.

يشكّل الذكاء الاصطناعي محور تركيز الدولة الصينية منذ عام 2017، عندما وضع مجلس الدولة خطة تجعل البلاد رائدة عالمياً في هذا المجال في حلول عام 2030.

لكن اندفاع الاهتمام العالمي بهذه التكنولوجيا، العام المنصرم، مدفوعا إلى حد كبير بالدعاية للنماذج التوليدية مثل "تشات جي بي تي"، أثار مخاوف بين المسؤولين من أن تتخلف الصين عن المنافسين الأميركيين وأن المحتوى الذي يولّده الذكاء الاصطناعي يمكن أن يفلت من عقال بيئة الإنترنت التي تسيطر عليها السلطات.

يتجاوز تنظيم الإنترنت في الصين البعد السياسي، ثمة مخاوف تتعلق بعمليات الاحتيال والجرائم. هناك أيضا سيطرة فوقية مرتبطة بنظرة الحزب الشيوعي الصيني إلى المجتمع

يتلخّص أحد المخاوف في أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يمكن أن ينتج آراء غير مقبولة في نظر الحزب الشيوعي الصيني، مثل روبوت الدردشة الصيني الذي قُطِع اتصاله بالإنترنت بعدما أعرب عن معارضته لحرب روسيا في أوكرانيا.

الثراء المبتذل... والجنس

ومع ذلك، يتجاوز تنظيم الإنترنت في الصين البعد السياسي المباشر. ثمة مخاوف تتعلق بوقوع عمليات احتيال وجرائم. هناك أيضاً سيطرة فوقية مرتبطة بنظرة الحزب الشيوعي الصيني إلى المجتمع لا تستهدف المعارضة السياسية في شكل مباشر. مثلاً، حملات القمع ضد استعراض ما يُسمَّى بالثراء المبتذل. إذ تشن الرقابة الصينية حرباً دائمة تسعى إلى نزع الطابع الجنسي عن المحتوى المنشور وتطلق حملات ضد عشاق الرياضة المتحمسين أو الثرثرة التي تتناول حياة المشاهير.

هكذا يصبح تنظيم الذكاء الاصطناعي قناة أخرى تلجأ عبرها القيادة السياسية المسنة التي لا تثق في الشباب الذين ينشئون معظم المحتوى عبر الإنترنت، إلى التعبير عن مخاوفها. بيد أن اهتمام كبار القادة المباشر بقطاع مثل الذكاء الاصطناعي يشبه سيفاً ذا حدين للشركات الصينية. من جهة؛ فهو يحفز بعضاً من الدعاية والتمويل. ومن جهة أخرى، هو يعني جولات تفقدية يقوم بها مسؤولون من المحتمل أنهم لا يعرفون كثيراً عن هذا المجال لكنهم يحرصون على صورتهم كأشخاص يعملون.

.أ.ف.ب
زائر يجرب جهاز الواقع الافتراضي في المؤتمر العالمي للذكاء الاصطناعي (WAIC)، في شنغهاي في 7 يوليو 2023.

نالت النجاحات التكنولوجية الصينية أواخر القرن العشرين وأوائل عام 2010 مساعدة من السلطات التي كانت تميل إلى السماح للسوق بتحديد المتفوقين قبل أن تدعمهم السلطات. لكن في عهد الرئيس الصيني شي جين بينغ، يصبح الدعم السياسي أمراً حيوياً – ولا سيما منذ الحملات على قطاع التكنولوجيا التي بدأت عام 2020 وأفقدت السوق أكثر من 1.1 تريليون دولار من قيمتها.

الاحتيال والتزييف والخطف

ويكمن وراء التنظيمات الجديدة قلق خاص في شأن الاحتيال، وهو مشكلة جذبت كثيراً من الاهتمام في الصين، العامين الماضيين، وذلك بفعل سلسلة من عمليات التزييف العميق (إنتاج فيديوهات زائفة) داخل الصين وخطف مواطنين صينيين لتشغيلهم في مراكز متخصصة بعمليات الاحتيال عبر الإنترنت تقع في جنوب شرق آسيا. فعلى غرار اتجاهات التكنولوجيا الرائجة الأخرى، يزخر الذكاء الاصطناعي بعمليات الاحتيال والرسائل الإلكترونية العشوائية، لكن المحتالين والمزيفين هم بالفعل جزء من الأعمال الجارية في الصين.

يقدم مصير العملات المشفرة في الصين أمثولة تدعو إلى تفاؤل أكبر لدى المنظمين، في حين استثمرت الشركات الغربية في منتجات عديمة الفائدة وطموحات فاشلة

يوفّر اهتمام القيادة السياسية بالذكاء الاصطناعي بعض الإمكانات لتكبيد الحكومة خسائر، ولا سيما مع عدم فهم العديد من المسؤولين هذا المجال. هناك مثلاً الكتب المدرسية المخصصة لحضانات الأطفال والمولّدة بالذكاء الاصطناعي، أو ببساطة إرفاق صفة "ذكاء اصطناعي" بأي شركة قائمة على أمل الحصول على منحة. ففي الصين، كثيراً ما تحاول الشركات ركوب موجة الكلمات الطنانة التي توافق عليها الحكومة، وقلّما ترغب بكين في الاعتراف بأخطائها. 

ومع ذلك، يقدّم مصير العملات المشفرة في الصين أمثولة تدعو إلى تفاؤل أكبر لدى السلطات التنظيمية. في البداية، شهد هذا القطاع ازدهاراً كبيراً، مدفوعا غالبا بعمليات غسل الأموال، كان في مقدور المتعاملين الصينيين شراء كهرباء رخيصة باليوان لإهدارها على تعدين العملات المشفرة وبيع المنتجات بالدولار. وفكرت الحكومة الصينية بالمشاركة في ميدان هذه العملات لكنها بدلاً من ذلك اتخذت إجراءات صارمة. ونتيجة لذلك، بقيت شركات التكنولوجيا والتمويل الصينية عموماً بعيدة عن العملات المشفرة، في حين استثمرت الشركات الغربية في منتجات عديمة الفائدة وطموحات فاشلة.

تكاليف حقوق النشر

إذا تمكنت الصين من الاستثمار في الذكاء الاصطناعي التوليدي في شكل مركز مع التخلص من عمليات الاحتيال التي ابتلي بها هذا المجال، فقد تصل إلى هدفها عام 2030. ومن المحتمل أن يؤدي افتقار بكين إلى احترام فاعل للملكية الفكرية إلى جعلها بيئة قابلة لتطوير الذكاء الاصطناعي، لأن الدعاوى القانونية في شأن حقوق النشر من المرجح أن تفرض تكاليف كبيرة على القطاع في أوروبا والولايات المتحدة. لكن التوسع الفوضوي للذكاء الاصطناعي لا يتناسب في شكل مريح مع اعتبار الحزب الشيوعي الصيني الإنترنت حديقة مسورة تُدَار في شكل جيد.

font change

مقالات ذات صلة