هل تصطدم روسيا والجزائر في الساحل الأفريقي... بسبب "فاغنر"؟

أ ف ب
أ ف ب
متظاهرون في عاصمة النيجر نيامي يرفعون العلم الروسي الى جانب علم بلادهم في 26 اغسطس

هل تصطدم روسيا والجزائر في الساحل الأفريقي... بسبب "فاغنر"؟

كانت التصريحات التي أدلى بها رئيس الدبلوماسية الجزائرية أحمد عطاف، خلال لقاء جمعه بممثلي الصحف المحلية نهاية أبريل/نيسان الماضي بمقر وزارة الخارجية الجزائرية حول استمرار بقاء إرث يفغيني بريغوجين والذي يعرف باسم "فاغنر- منطقة الساحل الأفريقي" وبالتحديد في الحدود البرية المتاخمة للجزائر وفتح الملف للنقاش، كافية لتوحي بتعارض مصالح روسيا مع موقف الجزائر الرافض جملة وتفصيلا لكل شكل من أشكال التدخل الأجنبي في منطقة الساحل والصحراء، بذريعة مكافحة الإرهاب، وهي المقاربة التي أثبتت فشلا ذريعا حسبما أدلى به مؤخرا رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أول سعيد شنقريحة. وفي خطوة هي الأولى من نوعها، جهر وزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، عن "فتح بلاده رسميا ملف وجود قوات (فاغنر) خلف حدودها الجنوبية في منطقة الساحل الأفريقي مع روسيا"، وأوضح أنه "ناقش الأمر شخصيا مع نظيره الروسي سيرغي لافروف".

تساؤلات

وأعلن المسؤول الحكومي الجزائري عن التوجه نحو استحداث آلية مشتركة تضم دبلوماسيين وأمنيين برئاسة الأمين العام لوزارة الخارجية، برئاسة الأمين العام لوزارة الخارجية، لوناس مقرمان، عن الطرف الجزائري وميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية والمبعوث الشخصي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومن المرتقب أن تجتمع اللجنة الثنائية المكلفة بمتابعة وجود قوات "فاغنر" في الإقليم قريبا. وأثارت الخطوة نقاشا بين النخب السياسية والإعلامية، حول الدواعي والخلفيات والأهداف والتوقيت الإقليمي والدولي. وطرحت تساؤلات أيضا حول طريقة تعاطي الجانب الروسي مع التصادم المسجل في المواقف مع هذه الدولة الصديقة حسب الوصف الذي أطلقه عليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في كلمة ألقاها أمام منتدى "فالداي" الدولي في مدينة سوتشي الروسية؟ والسؤال الأكبر: ما الانعكاسات السلبية لـ"فاغنر" على مسارات الاستقرار والتنمية في منطقة الساحل؟ وما هي التهديدات الإقليمية التي أصبحت تشكل خطرا على الأمن القومي للبلاد؟

عمل استباقي

ويمكن قراءة الخطوة الجزائرية كنوع من التأهب والعمل الاستباقي، ويقول في هذا السياق البروفيسور نور الصباح عكنوش، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة بسكرة في حديثه لـ"المجلة" إن "فتح الجزائر لملف (فاغنر) يأتي في إطار سعيها لعدم استعمال الملف ضد مصالحها من طرف جهات أجنبية معادية لها في منطقة جيواستراتيجية حساسة بالنسبة لأمنها القومي لا سيما وأن النيجر ومالي تمثلان العمق الاستراتيجي للبلاد، كما أن صراع النفوذ بين القوى الدولية يشتد في الساحل في ظل تداخل مؤثرات خارجية وهو ما لا تقبلبه الجزائر".

عملت موسكو في السنوات الأخيرة على زرع قوات عسكرية خاصة في قلب القارة السمراء بهدف إجهاض التحركات الأميركية والأوروبية

ويقدر المحلل الجزائري أن الهدف من الخطوة الجزائرية هو "تأمين دور فاغنر بطريقة استراتيجية أي تأطير حدود نشاطه دون المساس بأمن واستقرار الدول المجاورة"، ويشرح عكنوش رؤيته بالقول إن "الجزائر تخشى من أن توظف مجموعة (فاغنر) من طرف جهات معادية للبلاد بهدف المساس بأمنها واستقرارها واستنزافها عبر المخدرات والهجرة غير الشرعية وتهريب السلاح وغيرها، أي إن اتخاذ أي قرار يخص مستقبل المنطقة يجب أن يمر عبر الجزائر بحكم درايتها بالوضع وهي المؤهلة تاريخيا واستراتيجيا للحفاظ على السلم في الجنوب الكبير". 
وعملت موسكو في السنوات الأخيرة على زرع قوات عسكرية خاصة في قلب القارة السمراء بهدف إجهاض التحركات الأميركية والأوروبية في المنطقة، وتقول تقديرات إعلامية إن "عدد المنخرطين فيها يصل إلى 50 ألف جندي مدرب".

تصادم المصالح 


للبحث عن خلفيات رغبة الجزائر في فتح هذا الملف رسميا، يقول الأستاذ والباحث بقسم العلوم السياسية والإعلام بجامعة بسكرة فؤاد جدو، لـ"المجلة" إنه "يمكن قراءة تصريحات عطاف من عدة زوايا أولها رفض الجزائر القاطع لمنح قواعد عسكرية لدول غربية لمطاردة الجماعات الإرهابية في الساحل لا سيما في مالي والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو وقد عبّر عن هذا الموقف أكثر من مسؤول جزائري لأن مثل هذه القواعد والتحالفات الغربية التي تُبرم قد تدفع نحو استقطاب المزيد من الجماعات الإرهابية والجريمة".

 

رويترز
محتجون في اغاديز ضد الوجود العسكري الاميركي في النيجر في 21 ابريل

وأصبح تأمين الحدود البرية لا سيما الجنوبية من نشاط الجماعات الإرهابية وعصابات الإتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة تحديا كبيرا بالنسبة للجيش الجزائري. 

الانقلابات العسكرية في دول الساحل الأفريقي أحد العوامل التي جعلت الجزائر تتعامل مع هذا الملف بتحفظ شديد لأنه يمس بالأمن القومي للبلاد

وما زاد الأمور تعقيدا بالنسبة للقيادة السياسية في البلاد، قرار مالي القاضي بوقف العمل باتفاق السلم والمصالحة الذي ترعاه الجزائر منذ عام 2015، بمرافقة أممية ودولية، وهو ما يشكل تهديدا أمنيا خطيرا يعكس التحولات السياسية في المنطقة. 
ويمكن قراءة طرح الملف للتشاور بين الجزائر وموسكو من الناحية الإيجابية وفق المحلل السياسي، ويشير إلى أن "فتح الملف للنقاش وبشكل رسمي يعتبر مؤشرا على أن روسيا لن تذهب نحو تطبيق سياسة الواقع، في الوقت الذي تدرك فيه الجزائر أنه من غير الممكن أن تطلب الانسحاب بشكل عام من الساحل الأفريقي لأن الأمر مرتبط بتداخل مصالح القوى الغربية".
 كما يمكن اعتبار الانقلابات العسكرية في دول الساحل الأفريقي لا سيما مالي والنيجر أحد العوامل التي جعلت الجزائر تتعامل مع هذا الملف بتحفظ شديد لأنه يمس بالأمن القومي للبلاد، ويقول في هذا الإطار المحلل السياسي فؤاد جدو إن "خريطة الانقلابات العسكرية التي حدثت في الجوار جعلت الجزائر تتعاطى مع الملف بحذر شديد من أحل الحفاظ على الأمن القومي للبلاد".

مخاطر على الأمن القومي 


من جانبه يرى الباحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية، عدنان محتالي، أن "الطلب الجزائري صيغ بطريقة دبلوماسية هادئة، لأن الجزائر ليست دولة توسعية وكل جهودها في منطقة الساحل تصب في إطار صون مصالحها الاستراتيجية ومصالح الشعوب الأفريقية لا سيما وأنها سعت جاهدة إلى تحريك المياه الراكدة في المجال التنموي في القارة السمراء وذلك بتجسيدها لعدة مشاريع". 
أهم هذه المشاريع "الطريق العابر للصحراء"، ومشروع "الوصلة المحورية للألياف البصرية العابرة للصحراء" في إطار "مبادرة الشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا" ويربط رسميا ست دول وهي: الجزائر، نيجيريا، النيجر، التشاد، مالي، موريتانيا. كما تسعى الجزائر جاهدة من أجل فتح خط بحري لنقل البضائع مع نواكشوط الموريتانية، وخط بحري نحو داكار السنغالية، وخط بحري آخر نحو السنغال.

"جيمستاون": الاستخبارات الروسية تولت نشاط مجموعة "فاغنر" في ليبيا من خلال الفيلق الأفريقي التابع لوزارة الدفاع الروسية

ويرجع المحلل السياسي جُنوح الجزائر نحو الإعلان عن فتح الملف للنقاش لـ"مخاوفها من إمكانية توجيه هذه المنظمة شبه العسكرية ضد المواطنين العزل من سكان منطقة الأزواد". وشهدت الفترة الأخيرة اشتداد المواجهة العسكرية بين الجيش المالي وحركات الأزواد وقد حذرت الجزائر مرارا وتكرارا من التدخلات العسكرية الخارجية وأيضا انخراط قوى أمنية أجنبية بحكم درايتها العميقة للخصوصية الجغرافية والتركيبة السكانية المعقدة في المناطق المتاخمة لحدودها البرية وقد ينجر الوضع إلى ما لا تحمد عقباه. 

الفيلق الروسي 


وعلى ما يبدو ووفق محتالي، فإن "هذه المجموعة أصبحت تشكل خطرا كبيرا على استقرار المنطقة لعدة أسباب أهمها الأساليب الدموية والانتقائية التي أصبحت تتعامل بها مع القاطنين في شمال وشمال غربي مالي وحتى مع  القاطنين في المناطق الحدودية مع الجزائر وموريتانيا، وقد تنزلق الأوضاع أكثر من ذي قبل مما يرهن أي وساطة دولية أو صفقة من أجل المصالحة". 
وأخيرا، يسلط الباحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية عدنان محتالي الضوء على تطور مهم وهو أن "مجموعة فاغنر لم تعد موجودة مثل قبل، بل سيتم تغييرها بفيلق أفريقيا (africa corp) وهي مشابهة في أهداف وجودها لـ(la légion étrangère) الفرنسية، وهذه المؤسسة قد أسندت لها الكثير من المهام أهمها صون المصالح الروسية في أفريقيا ومنطقة الساحل الأفريقي بشكل خاص".
وفي مارس/آذار الماضي، كشفت مؤسسة "جيمستاون" الأميركية (جيمستاون فاونديشن) أن الاستخبارات الروسية تولت نشاط مجموعة "فاغنر" في ليبيا من خلال الفيلق الأفريقي التابع لوزارة الدفاع الروسية، وهي تحضر لأن تضع موطئ قدم لها في عدد كبير من دول القارة السمراء كبديل للقوات الفرنسية التي انسحبت من مناطق عديدة وحتى الأميركية، ويندرج هذا في إطار التنافس القاري الكبير القائم بين القوى الغربية. 

font change

مقالات ذات صلة