في بداية أبريل/نيسان 2025، أسقطت القوات الجزائرية طائرة مسيّرة تركية الصنع تابعة للقوات المسلحة المالية على الحدود مع الجزائر، مدعية أنها انتهكت المجال الجوي الجزائري. تصاعد الخلاف، الذي كان يمكن أن يظل مجرد حادثة دبلوماسية بسيطة، إلى أزمة كاملة، كاشفا عن انقسامات عميقة في منطقة الساحل ومسلطا الضوء على دور تركيا المتنامي في المنطقة.
تحولت بلدة تين زاوتين، الواقعة على الحدود بين الجزائر ومالي، إلى مسرح لمواجهة كانت تتخمر منذ زمن. زعمت السلطات الجزائرية أن المسيّرة المالية اخترقت المجال الجوي لمسافة كيلومترين، فيما أصرت باماكو على أن الطائرة لم تخرج من الأجواء المالية، متهمة الجزائر بارتكاب عمل عدائي متعمد. لم تكن هذه الحادثة هي الأولى التي توجه فيها مالي اتهامات مماثلة للجزائر.
تدهور الوضع بسرعة، فاستدعت كل من مالي والجزائر سفيريهما، وأُغلِق المجال الجوي بين البلدين، وتضاربت الروايات الإعلامية الإقليمية، بينما اندلعت احتجاجات غاضبة في باماكو.
غير أن التوترات في تين زاوتين تتجاوز حادثة المسيّرة، إذ تشمل صراعات أعمق. على مدار العام الماضي، تحولت البلدة إلى معقل لـ"جبهة تحرير أزواد"، جماعة الطوارق الانفصالية. في صيف عام 2024، نصب مقاتلو الجبهة، ربما بالتنسيق مع جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" المرتبطة بتنظيم "القاعدة" في منطقة الساحل، كمينا لمرتزقة "فاغنر" الروس والقوات المسلحة المالية، مُلحقين بـ"فاغنر" أكبر خسارة منفردة في أفريقيا.
منذ ذلك الحين، أصبحت تين زاوتين معقلا للمقاومة ضد الحكومة المالية، مما دفع القوات المسلحة المالية إلى تجنب دخول المنطقة والاعتماد على الغارات الجوية. حتى عندما نظمت قافلة كبيرة بهدف استعادة المدينة بعد الهزيمة المهينة، تراجعت القوات دون قتال، مكتفية باستعادة جثث مقاتلي "فاغنر" والقوات المسلحة المالية القتلى قبل الانسحاب.
تعميق الديناميكيات الجديدة في منطقة الساحل
تعود جذور غياب الثقة بين مالي والجزائر إلى ما قبل حادثة الطائرة المسيّرة بسنوات طويلة. فقد لعبت الجزائر دور الوسيط في عام 2015 لإبرام اتفاق الجزائر للسلام، الهادف إلى إنهاء صراع مالي مع الجماعات الانفصالية الشمالية الذي اندلع عام 2012. ومع ذلك، نظرت باماكو إلى الاتفاق بريبة، معتبرة أنه صفقة مفروضة من الخارج تمنح تنازلات مفرطة للفصائل المسلحة، ومثّل في نظر كثيرين تهديدا للسيادة الوطنية.
حتى قبل الانقلابات العسكرية في عامي 2020 و2021، برزت دعوات لمراجعة الاتفاق. وتصاعدت المشاعر المعادية له بعدما استعادت الحكومة العسكرية في مالي مدينة كيدال في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، بدعم من مرتزقة "فاغنر"، وهو ما شكّل قطيعة حاسمة مع الجزائر واتفاق الجزائر.