ملف "حماس"... بين الأبعاد الإقليمية و"الخصوصية" اللبنانية

"الفراغ الإيراني" خلق نوعا من الانكشاف الإقليمي للحركة الفلسطينية

أ ب
أ ب
مقاتلو "حماس" خلال تشييع سامر الحاج، مسؤول الحركة الذي قُتل في غارة جوية إسرائيلية بطائرة بدون طيار، في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في صيدا، 10 أغسطس 2024

ملف "حماس"... بين الأبعاد الإقليمية و"الخصوصية" اللبنانية

إذا كان من خلاصة أولية لتسليم حركة "حماس" اثنين من عناصرها من "المتورطين في عمليتَي إطلاق صواريخ باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، بتاريخَي 22 و28/3/2025"، كما ورد في بيان الجيش اللبناني في الخامس من الشهر الجاري، فهي أن العلاقة بين "حماس" وسائر المنظمات الفلسطينية الموجودة على الأراضي من جهة وبين الدولة اللبنانية من جهة أخرى قد دخلت مرحلة جديدة بناء على المتغيرات في المنطقة.

بالتالي لا يمكن الفصل، من حيث التوقيت والظرف الإقليمي، بين تسليم "حماس" لاثنين من عناصرها إلى الجيش اللبناني، بينما يتوقع تسليمها اثنين آخرين في القضية نفسها، وبين توقف السلطات الأردنية، في 15 أبريل/نيسان الفائت، 16 شخصا "ضالعًا في نشاطات غير مشروعة تابعتها دائرة المخابرات العامة بشكل دقيق منذ 2021"، وأحالتهم للمحاكمة في 4 قضايا، عُرف بعضها باسم "خلية تصنيع الصواريخ". وقد عرض التلفزيون الرسمي الأردني اعترافات مسجلة لعدد من هؤلاء الذين قالوا إنهم زاروا لبنان للتدريب وتعلم كيفية تصنيع الصواريخ والطائرات المسيرة، وذكر لاحقا أنهم تلقوا هذا التدريب على يد "حماس". وكان الرئيسان جوزيف عون ونواف سلام قد أبديا "كل الاستعداد للتعاون مع السلطات الأردنية"، في هذا الملف.

في السياق نفسه، كانت لافتة إجراءات السلطات السورية الجديدة ضد بعض الفصائل الفلسطينية الموجودة في سوريا، تحديدا تلك التي كانت مقربة من النظام السابق وقاتلت إلى جانبه. وأحدث تلك الإجراءات توقيف الأمين العام لـ"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين–القيادة العامة"، طلال ناجي، لساعات عدة قبل إطلاق سراحه يوم السبت الفائت. مع العلم أن السلطات السورية تستمر في توقيف مسؤول "ساحة سوريا" في حركة "الجهاد الإسلامي" خالد خالد، ومسؤول اللجنة التنظيمية لـ"الساحة السورية" أبو علي ياسر، منذ منتصف الشهر الماضي. كذلك، ذكرت تقارير إعلامية أنه تم إيقاف عدد من مقاتلي "القيادة العامة" في إطار ملاحقة مرتكبي الجرائم بحق السوريين.

"الفراغ الإيراني" خلق نوعا من الانكشاف الإقليمي لـ"حماس" أضعف موقفها إزاء الملفات التي تواجهها في الساحات الإقليمية خارج الأراضي الفلسطينية

والحال، إذا كان الربط بين هذه الساحات الثلاث يفرض نفسه، بالنظر إلى حضور العامل الفلسطيني فيها، فإن إدراك خصوصية كل من هذه الساحات يدفع إلى فهم طبيعة هذا الربط وحدوده. ولا شك في أن تفكيك تشعبات ملف "حماس" على الساحة اللبنانية يساعد كثيرا في فك شيفرات هذا الربط؛ أولا بالنظر إلى حجم الحضور العسكري لـ"حماس" في لبنان، وثانيا لأنّ ملف السلاح غير الشرعي في لبنان مطروح بقوة على الطاولة في ضوء نتائج الحرب الأخيرة بين "حزب الله" وإسرائيل والتي انتهت باتفاق لوقف إطلاق النار برعاية أميركية وفرنسية نص على حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية حصرا. كما أنّ خطاب القسم لرئيس الجمهورية دعا أيضا إلى احتكار الدولة للسلاح، وقد تحوّل هذا الأمر إلى العنوان السياسي الرئيس في بيروت تحت وطأة الضغوط الأميركية على السلطات اللبنانية الجديدة للمضي قدما بتنفيذ تعهداتها، وقد دعا الرئيس عون في الموازاة إلى إجراء حوار ثنائي مع "حزب الله" للبت في مسألة سلاحه، وهو أمر لا يزال خاضعا للتجاذب.

بالتالي فإن ملف "حماس" في لبنان يعد تشعبا من الملف الرئيس، أي ملف سلاح "حزب الله"، أولا بالنظر إلى العلاقة الوثيقة بين "حماس" و"حزب الله"، كفصيلين رئيسين في "محور الممانعة"، خصوصا بعد عودة "حماس" للاصطفاف في هذا المحور في أعقاب سنوات الخصام إثر الانقسام بينها وبين سائر المحور حول دعم نظام الأسد في سوريا. وعودة "حماس" تلك لم تكن عودة إلى سوريا بالمعنى السياسي والعسكري، حتى بعد المصالحة مع الأسد في عام 2022، بل كانت عودة إلى لبنان سبقت هذه المصالحة ومهدت لها برعاية "حزب الله".

أ ب
مقاتل من "حماس" بجوار صورة لإسماعيل هنية، أثناء مشاركته في موكب جنازة سامر الحاج، مسؤول الحركة الذي قُتل في غارة جوية إسرائيلية بطائرة بدون طيار، في مخيم عين الحلوة بصيد، 10 أغسطس 2024

والأمر الثاني أن عنوان حصر السلاح بيد الدولة يشمل حكما السلاح الفلسطيني خارج المخيمات الفلسطينية وداخلها، وهنا قد نكون أمام وتيرتين لجمع السلاح، وتيرة خاصة بـ"حزب الله" وأخرى خاصة بالفصائل الفلسطينية، في وقت أن التعقيدات المحيطة بملف "الحزب" قد تدفع السلاح الفلسطيني إلى الواجهة أكثر، بحيث يطغى على سلاح "حزب الله" بحيث لا تظهر الدولة اللبنانية وقد تراجعت عن التزاماتها أمام نفسها أولا. مع العلم أن "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة" كانت قد سلمت مطلع يناير/كانون الثاني الماضي مركزيها في سلسلة لبنان الشرقية، ومركزها في منطقة الناعمة جنوبي بيروت إلى الجيش اللبناني، إثر سقوط نظام الأسد الذي كان يعد لعقود راعيها الرئيس.

أمام هذا الواقع المعقد يطرح فتح ملف "حماس" في لبنان إثر التحقيقات والتوقيفات الأخيرة على خلفية عمليتي إطلاق الصواريخ على إسرائيل في 22 و28 مارس/آذار الماضي، أسئلة كثيرة ولاسيما في ضوء نأي "حزب الله" إعلاميا وسياسيا بنفسه عن المسألة وكأنها تجري في بلد آخر. وهو نأي لا يفترض تفسيره بالمعطيات المحلية وحسب بل أيضا بخلفيته الإقليمية ربطا بسعي إيران لأخذ مسافة من الفصائل والميليشيات الموالية لها في المنطقة بعد دخولها في مفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية.

وبالتالي فإن هذا "الفراغ الإيراني" خلق نوعا من الانكشاف الإقليمي لـ"حماس" أضعف موقفها إزاء الملفات التي تواجهها في الساحات الإقليمية خارج الأراضي الفلسطينية، خصوصا أن الغطاء الإقليمي البديل أو الموازي لـ"حماس" غير كاف لها في ظل الظرف الإقليمي والدولي الراهن، أي إنه لا يعوضها الغطاء الإيراني ولاسيما في لبنان عبر "حزب الله" الذي اضطرته نتائج الحرب الأخيرة وتعقيدات المشهد السياسي اللبناني في ضوء الضغوط الإسرائيلية والأميركية المتواصلة إلى إعادة التموضع جزئيا بما يجنبه الدخول في مواجهة جديدة لا يقدر على تحمل تبعاتها بعد الإنهاك الذي تسببت له بها الحرب الأخيرة ناهيك بسقوط نظام حليفه بشار الأسد.

هناك مسار مرتبط بالعلاقات بين الفصائل الفلسطينية نفسها ولاسيما بين "فتح" و"حماس" تحت عنوان السيطرة على المخيمات. وهذه علاقة متفجرة بطبيعتها، وقد تصبح خطيرة في أي لحظة

هذه نقطة رئيسة يجب أخذها في الاعتبار لفهم حدود الربط بين الساحات الأردنية واللبنانية والسورية في ما يخص التعامل مع "حماس" وسائر الفصائل الفلسطينية، على اعتبار أن خصوصية كل من هذه الساحات تتقدم على المعطى الإقليمي في التعامل مع ملف "حماس"، مع الأخذ في الاعتبار أن إجراءات السلطات السورية ضد هذه الفصائل لم تشمل "حماس" التي خرجت من دمشق إثر دعمها المعارضة السورية في السنوات الأولى للحرب، كما سارعت إلى تهنئة الشعب السوري إثر سقوط النظام السابق، وبالتالي فإن العلاقة بين السلطات السورية و"حماس" لها حيثية خاصة، وإن كانت غير واضحة تماما في ظل المتغيرات الجديدة في المنطقة.

أما في لبنان فإن استكمال التحقيقات وصدور الأحكام سيكون كفيلا بجلاء ملابسات قضية إطلاق الصواريخ على إسرائيل في 22 و28 مارس الماضي، خصوصا أن إطلاقها من قبل عناصر من "حماس" من دون علم قيادتها في لبنان يطرح أسئلة عما إذا كان جسم الحركة قد أصيب بفعل الحرب باختلالات تنظيمية أو تعرض لاختراقات. ومن الأسئلة أيضا، هل العلاقة بين "حماس" و"حزب الله" قد دخلت مرحلة جديدة بعد الحرب، أم إن طريقة تعامل كل من "حماس" و"الحزب" مع القضية، يدخل في نطاق الحسابات الذاتية لكل منهما، والتي ليست متناقضة بالضرورة على اعتبار أن ظروف المرحلة الراهنة قد تتطلب مثل هذا التعامل، في توزيع للأدوار أو بحكم الأمر الواقع؟

أ ف ب
في هذه الصورة الملتقطة في 19 أبريل/نيسان 2023، تسير نسرين، وهي لاجئة فلسطينية شابة في لبنان، بجوار جدارية مكتوب عليها باللغة العربية "فلسطين" على طول زقاق في مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في الضاحية الجنوبية لبيروت

أيا يكن من أمر فإن المعالجات الأمنية لسلاح "حماس" وسائر المنظمات الفلسطينية في لبنان قد لا تكون كافية لمعالجة هذا الملف سواء سارت بالتوازي مع المعالجات الخاصة بسلاح "حزب الله" أو تقدمت عليها أو حتى حلت محلها مدفوعة بتعقيدات ملف سلاح "الحزب" وبالحساسية اللبنانية التاريخية إزاء السلاح الفلسطيني والتي يمكن أن يجاريها "الحزب" ببراغماتيته المعهودة في حال ساعده ذلك في تقليص دائرة الحصار من حوله. ولا شك في أن الانقسام الفلسطيني المتواصل والمتفاقم يزيد من تعقيدات ملف السلاح الفلسطيني في لبنان. وهي تعقيدات لن تكون زيارة الرئيس محمود عباس في 21 الشهر الجاري كفيلة بتقليصها بل على العكس فإن هذه الزيارة قد تفاقمها على ما يستشف من تسريبات "حماس" إزاءها على خلفية تصاعد وتيرة الخلاف مع "أبو مازن".

وبالتالي فإنه بموازاة مسار العلاقة بين الدولة والمنظمات الفلسطينية وفي مقدمتها "حماس"، هناك مسار آخر مرتبط بالعلاقة بين الفصائل الفلسطينية نفسها ولاسيما بين "فتح" و"حماس" تحت عنوان السيطرة على المخيمات. وهذه علاقة متفجرة بطبيعتها، وقد تصبح خطيرة في أي لحظة!

font change