"العمال الكردستاني" يحل نفسه... ما التداعيات على تركيا والاقليم؟

من "الكفاح المسلح"... إلى "السياسة الديمقراطية"

أ.ف.ب
أ.ف.ب
رئيس حزب العمال الكردستاني مراد قرايلان وهو يعلن حل الحزب خلال المؤتمر الحزبي الثاني عشر الذي عقد في مكان غير معلن في شمال العراق في 12 مايو

"العمال الكردستاني" يحل نفسه... ما التداعيات على تركيا والاقليم؟

أعلن "حزب العمال الكردستاني"، الجماعة المسلحة التي تخوض صراعا دمويا ضد تركيا منذ أكثر من أربعة عقود، إعلانا تاريخيا وغير مسبوق يوم الاثنين، أكد فيه عزمه على حل نفسه وإنهاء كفاحه المسلح.

جاء في البيان الختامي الصادر عن المؤتمر الذي عقده الحزب الأسبوع الماضي في شمال العراق، حيث يتمركز، ما يلي: "لقد أكمل حزب (العمال الكردستاني) مهمته التاريخية، وقرر حل بنيته التنظيمية، على أن يُدار تنفيذ هذا القرار ويُشرف عليه القائد آبو" (في إشارة إلى زعيم الحزب عبد الله أوجلان).

وأضاف البيان: "لقد كسر نضال حزب (العمال الكردستاني) سياسة الإنكار والإبادة التي استهدفت شعبنا، وأوصل القضية الكردية إلى مرحلة يمكن فيها حلها من خلال السياسة الديمقراطية."

وفي فبراير/شباط، دعا زعيم الحزب، المسجون في تركيا منذ أكثر من عشرين عاما، إلى عقد مؤتمر تُبحث فيه مسألة حل الحزب.

وفي 8 مايو/أيار، أصدر "العمال الكردستاني" بيانا مقتضبا، وذلك عقب انعقاد مؤتمره الثاني عشر في الفترة بين 5 و7 من الشهر ذاته، ولوّح خلاله بإعلان "كبير".

ويُتوقع أن يحمل قرار الحل تبعات سياسية وأمنية واسعة على المنطقة، بما في ذلك العراق المجاور وسوريا، حيث تنشط قوات كردية متحالفة مع الولايات المتحدة. ورغم أهمية هذا الإعلان، إلا أنه لا يُعد اختراقا حاسما. ووفقا لمصادر مطلعة على المفاوضات الجارية بين الحزب والحكومة التركية، لا تزال هناك قضايا عديدة غير محسومة. وتصف هذه المصادر الإعلان بأنه خطوة انتقالية تهدف إلى تخفيف الضغط الشعبي، وتجاوز الانتقادات، وإيصال رسالة تفيد بوجود تقدم، وإن كان ببطء.

تأسس "العمال الكردستاني" قبل 52 عاما على يد عبد الله أوجلان، وخاض حملة مسلحة أودت بحياة أكثر من 40 ألف شخص. وتصنّفه تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية

ويبدو أن العقبات التي كانت قائمة قد أُزيلت، وأن الحزب قد أصدر أخيرا الإعلان المنتظر منذ زمن طويل. ويبقى أن نرى ما إذا كان التنفيذ سيتحقق، وإن كان الإعلان سيُحدث الأثر المرجو داخل تركيا.

جماعة مصنفة كمنظمة إرهابية

تأسس "العمال الكردستاني" قبل 52 عاما على يد عبد الله أوجلان، وخاض حملة مسلحة أودت بحياة أكثر من 40 ألف شخص. وتصنّفه تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية، فيما يخضع أوجلان لعزلة تامة في سجن بجزيرة إمرالي الواقعة في بحر مرمرة، منذ عام 1999.

ظهرت إلى العلن ما يُعرف بـ"عملية تركيا خالية من الإرهاب" في 22 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، عندما دعا دولت بهجلي، زعيم حزب "الحركة القومية" اليميني المتطرف، أوجلان إلى الإعلان عن إنهاء "العمال الكردستاني" وأنشطته. وأبقت الحكومة على إحكام سيطرتها على سير العملية، مكتفية بالكشف الانتقائي والحذر للمعلومات، انطلاقا من أن الحزب سيصدر قرارا داخليا بحل نفسه خلال مؤتمر رسمي.

عُقد المؤتمر بمشاركة نحو 15 شخصا، وتشير تقارير إلى أن أوجلان وقادة كبارا في الحزب شاركوا عبر رابط فيديو. بالتوازي، دارت محادثات سرية لأسابيع بين ممثلين عن حزب "الشعوب من أجل المساواة والديمقراطية" (حزب "ديم")، وهو ثالث أكبر حزب في البرلمان التركي، ومسؤولين حكوميين.

ورغم عدم رغبة الطرفين في وصف تلك المحادثات بأنها مفاوضات، فإنها فعليا كانت كذلك. وفي إطار هذه العملية، زارت وفود من حزب "ديم" أوجلان في السجن، وتشاوروا مع قادة الحزب في شمال العراق، وأجروا مناقشات مع فصائل سياسية كردية، من بينها "الاتحاد الوطني الكردستاني" (PUK)، و"الحزب الديمقراطي الكردستاني"(KDP) في العراق، و"وحدات حماية الشعب"(YPG) في سوريا.

لا تزال تفاصيل الإعلان غير واضحة. متى وأين سيلقي الحزب سلاحه مسألة لم تُحسم بعد. كيف سيُتحقق من تنفيذ القرار؟ هل سيصدر عفو عام؟ وما مصير المقاتلين المطلوبين في قضايا تتعلق بالإرهاب والقتل العمد؟

لائحة مطالب

على الصعيد السياسي، يُعتقد أن "العمال الكردستاني" قد قدم قائمة بمطالبه، وأن الحكومة التركية قدّمت وعودا في المقابل. ومع ذلك، لم تُنشر أي تفاصيل حتى الآن. وتُصرّ الحكومة على أنها لم تقدم أي تنازلات وهو ادعاء يصعب تصديقه. وقالت بيرفين بولدان، العضو البارز في وفد حزب "ديم"، إن الدور الآن على تركيا لتتخذ خطوات نحو الديمقراطية. ومن المتوقع أن يجتمع المكتب التنفيذي المركزي لحزب "ديم" في وقت مبكر من الأسبوع المقبل لإعلان خارطة طريق واضحة وقائمة بمقترحات محددة.

وجاء في إعلان "العمال الكردستاني" أن تنفيذ هذه القرارات يتطلب أن يقود عبد الله أوجلان العملية ويوجهها، إلى جانب الاعتراف بحق العمل السياسي الديمقراطي، وتوفير ضمانات قانونية راسخة.

هذه قضايا شديدة الحساسية، وتبدو كذلك كأنها شروط من أجل السلام.

وجّه مجلس أوروبا انتقادات إلى أنقرة في عدد من المجالات، لكنه وصف مفاوضات السلام بأنها "فرصة مهمة" تهدف إلى حل القضية الكردية بشكل سلمي ومستدام

وقد طالب "العمال الكردستاني" بالإفراج عن أوجلان، ويعتقد كثير من المراقبين أنه سيُمنح عفوا. غير أن أوجلان أبلغ السلطات التركية، على ما يُقال، بأنه لا يرغب بمغادرة الجزيرة، وذلك أساسا خوفا من الاغتيال والاستفزاز، مطالبا بدلا من ذلك بتحسين ظروف معيشته وتأمين الحماية له.

رغم سنوات العداء الطويلة تجاه "العمال الكردستاني"، لم يشهد الرأي العام التركي حالة غضب عارمة إزاء هذه التطورات. فقد نجحت آلة الدعاية الحكومية في التحكم بالرواية السائدة، بينما وجد حزب "العدالة والتنمية" الحاكم الذي طالما اتهم حزب "الشعب الجمهوري" المعارض بالتعاون مع حزب "العمال الكردستاني" عبر حزب "ديم"، وجد نفسه اليوم منخرطا في مفاوضات مع الجهات ذاتها. ويجري احتواء المعارضة المحتملة من القوميين الأتراك، إن لم يكن قمعها بشكل مباشر.

وقد أُلقي القبض على أوميت أوزداغ، زعيم حزب "النصر" والمعارض الصريح لتحالف "العدالة والتنمية" مع "الحركة القومية"، وسُجن في يناير/كانون الثاني. ووُجهت إليه تهم بالتحريض على الكراهية ضد اللاجئين السوريين وإهانة الرئيس أردوغان. غير أن كثيرين مقتنعون بأن اعتقاله يعود إلى قدرته المحتملة على تأليب الرأي العام ضد الإفراج عن أوجلان وزعزعة عملية السلام.

وفي جلسة محاكمته، وصف أوزداغ نفسه بأنه "رهينة سياسية" سُجنت من أجل تسهيل الإفراج عن أوجلان. دوليا، وقوبلت العملية بموافقة حذرة. فرغم أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لا يزالان يُدرجان "العمال الكردستاني" كمنظمة إرهابية، فإنهما يعتبران أن وجوده يعكس الحرمان الطويل الأمد من الحريات الذي يعانيه الأكراد في تركيا وهو موقف طالما أثار التوتر مع أنقرة.

أ.ف.ب
رجال يشاهدون إعلان حزب العمال الكردستاني حل نفسه على شاشة التلفزيون داخل مقهى تركي في ديار بكر في 12 مايو

وغالبا ما يتهم المسؤولون الأتراك، بمن فيهم الرئيس أردوغان، الاتحاد الأوروبي بغض الطرف عن أنشطة "العمال الكردستاني" في أوروبا، وبالتالي دعم الإرهاب.

فرصة مهمة

رغم كل شيء، أعرب القادة الأوروبيون عن دعمهم للعملية الجارية في تركيا. وفي تقريره الأخير الصادر قبل أيام، وجّه مجلس أوروبا انتقادات إلى أنقرة في عدد من المجالات، لكنه وصف مفاوضات السلام بأنها "فرصة مهمة" تهدف إلى حل القضية الكردية بشكل سلمي ومستدام على المستويات السياسية والاجتماعية والديمقراطية والأمنية.

من أبرز التحديات التي يواجهها أحمد الشرع، الرئيس المؤقت لسوريا، مسألة التعامل مع الأكراد في البلاد، وعلى وجه الخصوص "وحدات حماية الشعب"

داخليا، لم يُعارض حزب "الشعب الجمهوري"  (CHP) رغم معركته المفتوحة مع الحكومة وتنظيمه مظاهرات واحتجاجات عقب سجن رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو هذه العملية. وفي تجمع جماهيري بمدينة فان، عبّر زعيم الحزب، أوزغور أوزَل، عن أمله في أن ينزع الحزب سلاحه قريبا، مدينا في الوقت ذاته قرار حزب "العدالة والتنمية" بإقالة رؤساء البلديات المنتخبين عن حزب "ديم" في مناطق شرقي الأناضول وتعيين أوصياء من الدولة مكانهم.

ومع إعلان الحزب عن حله ونزع سلاحه، تبدأ مرحلة جديدة من العملية تشمل صياغة دستور جديد للبلاد. وقد أشار أحد مستشاري الرئيس أردوغان، محمد أوجوم، إلى ذلك بقوله إن المرحلة الأساسية قد اكتملت، وإن العمل سينتقل الآن إلى تنفيذ إصلاحات شاملة في مجالي الديمقراطية والقانون.

أ.ف.ب
الحركة في منطقة سور التاريخية بعد الإعلان عن حل حزب العمال الكردستاني في دياربكر، في 12 مايو

ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت هذه العملية ستُفيد الحكومة أم تُلحق بها الضرر، لكن استطلاعات الرأي تشير إلى أن إعادة انتخاب الرئيس أردوغان، في حال إجراء انتخابات في الوقت الراهن، تبدو شبه مستحيلة. فقد تأثر معظم الأتراك بشدة بالأزمة الاقتصادية الخانقة والانحدار المتسارع نحو السلطوية. وإن كان حل الحزب وإنهاء الإرهاب في تركيا قد يفتحان المجال أمام استعادة أردوغان لشعبيته، فإن استمرار المشكلات الاقتصادية والسياسية قد يجعله أكثر عرضة للخطر من أي وقت مضى.

البعد السوري

يُعد البعد السوري عنصرا بالغ الأهمية في هذه المعادلة. ومن أبرز التحديات التي يواجهها أحمد الشرع، الرئيس المؤقت لسوريا، مسألة التعامل مع الأكراد في البلاد، وعلى وجه الخصوص "وحدات حماية الشعب"(YPG).

وتربط هذه الوحدات علاقات وثيقة بـ "حزب العمال الكردستاني"، وتضم في صفوفها عددا من كوادره، وقد تقدمت بعدة مطالب، من بينها إقامة نظام إداري لامركزي وهو مطلب تواجهه دمشق برفض شديد.

ومن المرجح أن تنعكس التطورات الجارية في تركيا على الساحة السورية، كما أن الوضع في سوريا قد يؤثر بدوره على ما يجري في تركيا.

font change